منوعات

في وداع 2024 كشف لنشاطات سينمائية كبرى دعمت القضية الفلسطينية

في وداع 2024 كشف لنشاطات سينمائية كبرى دعمت القضية الفلسطينية

كمال القاضي

لم يكن عام 2024 أفضل من الأعوام الماضية، فبرغم التمنيات الطيبة لم تأت الرياح بما تشتهي السُفن، فقد مرت أحداث ثقافية متوالية كان مُعظمها مؤسفاً على مُختلف الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، حيث تأثر المشهد الثقافي العربي كله بما جرى في غزة وبعض المُدن الفلسطينية على مدار السنة منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر العام الماضي.

انطفأت قناديل الفرح في الأعراس الثقافية بكل العواصم العربية قاطبة، ولم يتبق من عناوينها الرئيسية غير التحدي المشوب بالحزن والإحساس العام بالفقد. فأكثر المهرجانات أوقفت نشاطاتها أو قيدتها لإشعار آخر يهب لها الأمل في تغيير الواقع الفلسطيني المرير، لولا أن فلسطين ذاتها كسرت حاجز الحزن والتأسي وخلقت مناخاً ثقافياً مُغايراً بما أقامته من مهرجانات واحتفالات سينمائية وفنية حملت شُعلة النور والتنوير وأضاءت العتمة المُطبقة على الصدور بإبداع استثنائي أجمع عليه العالم العربي وأيدته بعض الشعوب الأوروبية والآسيوية الحرة.

مهرجان العودة السينمائي

كان مهرجان العودة السينمائي الدولي برئاسة المخرج سعود مهنا الحدث الرئيسي الجلل الذي انطلقت فعالياته من اتحاد المرأة الفلسطينية بالقاهرة في توقيت مُتزامن مع مدينة غزة الباسلة وبعض المُدن الفلسطينية الأخرى وبمُشاركة قوية من أستراليا وتركيا وإندونيسيا وعواصم أوروبية أعلنت شعوبها تضامنها الصريح مع الحق الفلسطيني المعلوم للقاصي والداني.
كما انطلق وبعد فترة قصيرة من انتهاء فعاليات مهرجان العودة، المشروع الإبداعي السينمائي الأول من نوعه في مدينة غزة أيضاً الذي تم تدشينه تحت عنوان «مشروع السينمائي الصغير» بدعم من الجمعية التنموية المعنية بالشؤون الإنسانية لقطاع غزة وغيرها من المُدن الفلسطينية التي رزحت وما زالت ترزح تحت وطأة الحرب.
لقد ساهمت هذه الجمعية بالتعاون مع جهات فلسطينية أخرى في تنمية المواهب الإبداعية لدى الأطفال فأنجزت من خلال إبداع الصغار أربعة أفلام قصيرة هي «أمل» و«بيتنا» و«النزوح» و«التكية» بعد اخضاع الأطفال الموهوبين لتدريبات يومية على مُمارسة فن صناعة السينما بكل مفرداته من تصوير وكتابة سيناريو وإخراج ومونتاج وموسيقى تصويرية، فكان ذلك إعجازاً حقيقياً انفرد به الطفل الفلسطيني دون غيره من أطفال العالم في وقت قياسي وفي ظروف الحرب الصعبة.
وأوعز ذلك النشاط الباهر لأطفال النصر والبطولة بالأراضي المُحتلة للمهرجانات العربية، وعلى رأسها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بقيادة الفنان والنجم حسين فهمي، برفع الحظر عن النشاطات الفنية المُعلقة لتنطلق مُعبرة عن قوة الشعب الفلسطيني وجسارته وبسالته في مواجهة العدوان الصهيوني الهمجي والشرس.
وتوالت الاحتفالات والمهرجانات في المغرب وتونس والجزائر والأردن والإمارات، فأقيم مهرجان أفلام المقهى للفيلم المغربي القصير ومهرجان سينما الريف المغربي أيضاً ومهرجان عنابة للفيلم المتوسطي ومهرجان الجزائر للموسيقى الأندلسية ومهرجان جرش التونسي ومهرجان أبو ظبي وغيرها.
كما نشطت بقية المهرجانات في القاهرة ورفعت شعار التحدي والتضامن، فانطلقت فعاليات مهرجان الجونة بشكل جديد وسياسة مُختلفة تؤكد التضامن الكامل مع أصحاب الحق في الاستقلال والحرية والأمن والأمان، وبرزت شخصيات مهمة من النجوم تؤيد المبادئ الثلاثة الفلسطينية الاستقلال والحرية والأمن، ولعل الفنانة يسرا كانت على رأس الذين أعلنوا بكل وضوح تضامنهم مع الشعب الفلسطيني بإلقاء كلمة قوية في معانيها ودلالاتها.
ثم تكرر التأكيد على الحق الفلسطيني في مهرجان الإسكندرية السينمائي برئاسة الأمير أباظة رئيس الجمعية المصرية للكُتاب والنُقاد السينمائيين في الدورة الأخيرة للمهرجان وتم عرض مجموعة من الأفلام الفلسطينية المُختارة ما بين تسجيلي ووثائقي وروائي قصير لاقى مُعظمها استحساناً كبيراً من الجمهور في مدينة الإسكندرية المضيفة للحدث الثقافي الكبير. وبصفة خاصة وعلى نطاق واسع أكثر تأثيراً، انطلقت فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الخامسة والأربعين بافتتاح شديد الدلالة والأهمية، إذ تم عرض الفيلم الفلسطيني «أحلام عابرة» للمخرج رشيد مشهراوي وبطولة عادل أبو عياش وإميليا ماسو وأشرف برهوم وسط احتفالية قوية للغاية، ولم يتم الاكتفاء بالافتتاح كدليل على دعم المهرجان الكامل ورئيسه ومنظميه للقضية الفلسطينية، بل استمر التأكيد طوال مدة الفعاليات لنحو عشرة أيام على مفاهيم التضامن والتمسك بالحق الفلسطيني ورفض كافة أشكال العنف الصهيوني ومحاولة تصفية القضية التاريخية العادلة.
وفي هذا الشأن تم عمل برنامج خاص للأفلام  الفلسطينية بأنواعها، الروائي الطويل والقصير والتسجيلي والوثائقي، وفي حفل الختام أعلنت نتيجة الفوز فكان الاكتساح للسينما الفلسطينية بجدارة فعلاً مُشرفاً واستحقاقاً جاء في موعده وزمانه ليُثبت أن فلسطين ستظل مُبدعة وقادرة على العطاء في كل المجالات طالما بقيت قوية أبية عصية على الخضوع والخنوع.

موسم الرياض

ومن بين الأحداث الفنية الكُبرى التي تابعتها الشعوب العربية عن كثب فعاليات موسم الرياض بالمملكة العربية السعودية، والذي دُعي إليه من كل حدب وصوب نجوم الفن والإبداع في كافة العواصم العربية والعالمية، وبالأخص النجوم المصريين الذين رحبوا كغيرهم بالنهضة الثقافية السعودية التي يدعمها ويعمل على تقويتها المستشار ترك آل شيخ، فقد كان من بين الحضور نقيب المُمثلين المصريين أشرف زكي وزوجته الفنانة روجينا وإلهام شاهين وياسر جلال وميريهان حسن وياسمين رئيس ورانيا يوسف والفنان الكوميدي محمد ثروت.

مدينة المنيا عاصمة للثقافة المصرية

وعلى صعيد آخر شهدت الشهور الأخيرة من العام بعض الأحداث الجديرة بالذكر كان من بينها تولي الدكتور أحمد فؤاد هنو مسؤولية وزارة الثقافة المصرية خلفاً للدكتورة نيفين الكيلاني، واختيار مدينة المنيا عاصمة للثقافة المصرية لعام 2025 بوصفها واحدة من المُدن الجنوبية المهمة في صعيد مصر والتي يتوافد إليها عدد كبير من المُثقفين على مدار العام للمُشاركة في نشاطاتها الثقافية والسينمائية وإحداثها الفكرية والفنية.
ومن بين الأحداث السينمائية التي عكست أهمية الفنان المصري في المحيط الدولي والعالمي، تكريم الفنان والنجم محمود حميدة في حفل افتتاح المهرجان المصري الأمريكي للسينما والفنون بمدينة نيويورك، تقديراً لمسيرته الفنية الطويلة والمتميزة وعطائه الدائم والمستمر.
كذلك برزت مؤخراً مدينة الفيوم كمدينة سياحية يُمكن التعويل عليها في مجال التنشيط السينمائي بعد إقامة الدورة الأولى من مهرجان الفيوم الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة بوادي الريان الشهير بحضور قيادات المُحافظة ورئيس المهرجان المخرج هاني لاشين والفنانة إلهام شاهين والمخرج عمر عبد العزيز وكوكبة أخرى من الفنانين والسينمائيين.

فعاليات سينمائية بمعرض الكتاب

ومن الأنشطة الثابتة والمؤثرة ثقافياً كل عام معرض القاهرة الدولي للكتاب والذي أقيمت دورته الخامسة والخمسين تحت شعار «نصنع المعرفة – نصون الكلمة» وتم خلالها اختيار النرويج كضيف شرف لعام 2024 مع اختيار عالم الآثار المصري سليم حسن كشخصية رئيسية للعام.
كما تم اختيار الكاتب يعقوب الشاروني أيضاً كشخصية بارزة في المجال الإبداعي لأدب الأطفال عرفاناً بدوره الثقافي الرائد والمهم. كذلك تم خلال فعاليات المعرض مناقشة بعض القضايا السينمائية كقضية الإنتاج كأحد أساسيات العمل السينمائي، بالإضافة إلى قيام المعرض نفسه بعرض نماذج من الأفلام الروائية الطويلة والتسجيلية لجمهور السينما باعتبار السينما رافداً ثقافياً مؤثراً بقوة في الحياة العامة.

أشهر أفلام السنة وأكثرها شعبية

وعلى صعيد الاقتصاد السينمائي المصري، تصدرت الأفلام المهمة التي أنتجت وعُرضت خلال عام 2024 قائمة الإيرادات وحظيت بإعجاب الجمهور والنُقاد على السواء، من بين هذه الأفلام فيلم «آل شنب» للمخرجة أيتن أمين وبطولة ليلى علوي وسوسن بدر، وهو الأمر الذي أكد ثقة الجمهور في نجوم جيل الوسط الذين أثروا الحركة الفنية على مدار أكثر من ثلاثين عاماً بأهم الأعمال وأقواها. فليلى علوي وسوسن بدر نجمتان كبيرتان أسهمتا بقوة في المجال السينمائي والدرامي وما زال تأثيرهما واضحا.
ويُعد فيلم «الإسكندراني» للمخرج خالد يوسف والكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة وبطولة أحمد العوضي وحسين فهمي ورحاب الجمل وزينة، واحداً من الأفلام المتميزة إلى عُرضت خلال العام بعدد كبير من دور العرض وحققت نجاحاً جماهيرياً مقبولا.
كذلك تم عرض فيلم «ليه تعيشها لوحدك» للمخرج حسام الجوهري بطولة شريف منير وخالد الصاوي وسلمى أبو ضيف ومحمد رضوان، وأدرج ضمن الأفلام الناجحة بمقياس الجمهور وشباك التذاكر برغم عدم توافر الدعاية الكافية له إبان عرضه الأول بدور عرض الدرجة الأولى.
ومن أبرز نجمات السينما في فترة الثمانينيات والتسعينيات الفنانة والإعلامية إسعاد يونس التي عادت خلال الموسم السينمائي الماضي بالفيلم الكوميدي «عصابة عظيمة» إخراج وائل إحسان وتأليف هاجر الإبياري في بطولة مشتركة مع رنا رئيس وكريم عفيفي ومحمد محمود لتسجل رقماً جديداً في قائمة أفلامها المتميزة والتي كان من بينها على سبيل المثال فيلم «المتسول» مع النجم الكبير عادل إمام.
وفي تجربة ثانية لها في العام نفسه قدمت أيضاً ليلى علوي فيلمها «مقسوم» مع شيرين رضا وسما إبراهيم ومحمد شاهين وإخراج كوثر يونس. أما الحالة السينمائية المُختلفة التي تم طرحها كأول فيلم رعب مصري يتم عرضه في 2024 فقد جاءت تحت عنوان «الفندق الغامض» للمخرج والمؤلف عريان سيدهم وبطولة أميرة نايف وصبري عبد المنعم وإحسان الترك، لكنها لم تُحقق النجاح المأمول فباتت مجرد محاولة استهدفت تغيير الشكل التقليدي للفيلم المصري فحسب.
وفي السباق المحموم بالعام ذاته قُدمت تجارب سينمائية مصرية عديدة كان من بينها المُتميز والأقل تميزاً، كفيلم «ولاد رزق» الجزء الثالث والذي حقق أعلى إيراد في شباك التذاكر فجاء ترتيبه الأول جماهيرياً، وهو بطولة أحمد عز وعمرو يوسف وكريم قاسم وآسر ياسين ومحمد ممدوح وإخراج طارق العريان.
أما الفيلم المنافس فكان بعنوان «السرب» بطولة أحمد السقا وشريف منير والراحل مصطفى فهمي وهو تجربة لم تكن موفقة تماماً للمخرج أحمد نادر جلال في سينما الأكشن.
وبطبيعة الحالة تباينت مستويات الأفلام فكانت هناك تجارب متواضعة كفيلم «التجربة المكسيكية» للمخرج شادي علي وبطولة عمرو عبد الجليل وبيومي فؤاد ومحمد ثروت وندى موسى.
ويبدو أن الحظ لم يُحالف الفنان بيومي فؤاد في 2024 حيث خرج فيلمه المذكور سلفاً وفيلمه الآخر «أسود ملون» من السباقات الموسمية بلا مُكتسبات مادية تُذكر وهو ما أثار تساؤلات كثيرة حول الأسباب التي وقفت وراء الخسائر برغم حُب الجمهور لبيومي ولونه الكوميدي الخفيف.

راحلون:
تعددت حالات الوفاة بين النجوم المصريين والعرب ما ألقى بظلال الحزن والكآبة على المشهد السينمائي والثقافي كله، فقد رحل من مصر كل من الفنانة شيرين سيف النصر والموسيقار حلمي بكر والفنان صلاح السعدني المُلقب بعمدة الدراما المصرية وصاحب العطاء الأميز والأكبر من الأفلام والمُسلسلات بعد فترة تقاعد طويلة.
وبعد مدة قصيرة رحل الفنان حسن يوسف عن عمر ناهز التسعين عاماً تاركاً رصيداً وفيراً من الأعمال اللائقة والمنطوية على رسائل إنسانية مهمة.
كما رحل الفنان مصطفى فهمي صاحب الدور الأشهر في مسلسل «دموع في عيون وقحة» والذي جسد فيه دور ضابط الموساد الإسرائيلي المخدوع من العميل جمعة الشوان «عادل إمام». كما فقدت السينما العربية عدداً من مُبدعيها، منهم الفنان اللبناني صبحي عياط والأردني محمود فضيل التل والمطرب المغربي الشاب عبده شريف أشهر من غنى لعبد الحليم حافظ، والفنان المغربي القدير حميد نجاح والفنان العراقي مكي عواد، بالإضافة إلى الإعلامية السورية لونا الشبل التي توفيت إثر حادث سيارة، كما توفي الفنان السوري الكبير غسان ماكنسي عن عمر 74 عاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب