اشعاع الفن المغاربي يضيء سنة 2024 بالأحداث والأنشطة المتنوعة
اشعاع الفن المغاربي يضيء سنة 2024 بالأحداث والأنشطة المتنوعة
روعة قاسم
تونس ـ عاشت المنطقة المغاربية على وقع أحداث وفعاليات ثقافية وفنية تزامنت مع الأنشطة السياحية المتنوعة. وفي عديد الدول المغربية مثل تونس والجزائر والمغرب، كانت فلسطين حاضرة من خلال تنظيم عديد الندوات الفكرية واللقاءات الثقافية التضامنية مع غزة. كما شملت الأنشطة معارض مختلفة للكتاب والفن التشكيلي ومنتوجات حرفية تقليدية.
وبالرغم من المشاكل العديدة التي تعيشها تونس على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، إلا انها شهدت خلال سنة 2024 كعادتها أحداثا ثقافية عديدة جعلتها تحافظ على اشعاعها الثقافي والحضاري. وتنوعت هذه الأحداث الثقافية وشملت مختلف الفنون وجهات الجمهورية من دون استثناء من رأس أنجلة بولاية بنزرت في أقصى الشمال إلى برج الخضراء من ولاية تطاوين في أقصى نقطة بجنوب البلاد.
إعادة الاعتبار للكتاب
لقد انتظام معرض تونس الدولي للكتاب في موعده بعد أن كانت النية متجهة إلى إلغائه وهو ما أثار جدلا واسعا. وقد سجلت هذه الدورة من معرض تونس الدولي للكتاب التي أقيمت من 19 إلى 28 نيسان/ابريل 2024 مشاركة 25 دولة وتضمنت 314 جناح عرض منها 154 من تونس و160 لعارضين عرب وأجانب، وكان شعارها التضامن مع الشعب الفلسطيني وحلت فيها إيطاليا ضيفة شرف.
وتضمنت الدورة حضور ضيوف من عديد البلدان من بينهم الكاتب والفيلسوف الفرنسي ألن جونيون والفيلسوف والمفكر الفلسطيني أحمد البرقاوي إلى جانب المستشار محمود بيرم حفيد الشاعر بيرم التونسي، وكذلك نجل الشاعر الكويتي الراحل عبد العزيز سعود البابطين. كما تضمنت حضور كتاب وفنانين ومبدعين إيطاليين من مختلف المشارب الفنية والأدبية من بينهم ألفونسو كامبيسي وروزي كاندياني وايفيليا سانتانجيلو وجوزيبي كونتي وسيلفيا فينزي وكلاوديو بوزاني وبيار فرنكو بروني وروبرتو مركاديني وغيرهم.
المهرجانات الصيفية
كما شهدت السنة انتظام مهرجان قرطاج الدولي في موعده وبمسرحه الأثري الأسطوري بقرطاج، هذا الركح نفسه الذي اعتلاه الأولون عشقا للثقافة وحبا للإبداع والفن الراقي والمتميز والهادف وكان الافتتاح يوم 18 تموز/يوليو الماضي. وتضمن برنامج المهرجان سهرات عديدة ومتنوعة أحياها فنانون من تونس ومن مختلف دول العالم، وتضمن المهرجان كعادته، إلى جانب السهرات الغنائية عروضا ركحية وفرجوية من المسرح والأوبرا وغيرها من بلدان عديدة في إطار انفتاح المهرجان على عدة ثقافات.
كما شهدت السنة انتظام مهرجانات صيفية عديدة بمختلف جهات البلاد أهمها مهرجان الحمامات الدولي في دورته الثامنة والخمسين وذلك بداية من يوم 5 تموز/يوليو 2024 إلى غاية 3 آب/أغسطس الماضي، وتم افتتاح الدورة بعرض لمسرحية تونسية بعنوان «عطيل وبعد» من إخراج حمادي الوهايبي. ومن أهم العروض التي تضمنها برنامج المهرجان عرض الفنانة رنين الشعار من لبنان وعرض توماتيتو من إسبانيا وعرض الفنان دانيلو ريا من إيطاليا وعرض الفنانة ناي البرغوثي من فلسطين.
كما يتضمن البرنامج عروضا للفنانات التونسيات ليلى حجيج وأمينة فاخت ويسرى محنوش، وعرضيْن إثنين للفنانيْن اللبنانييْن كارول سماحة ورامي عياش. وتضمن أيضا مسرحيات من تونس منها مسرحية «البوابة 52» لدليلة مفتاحي و«رقصة سماء» لطاهر عيسى بالعربي و«البخارة» لصادق الطرابلسي و«ألباتروس» للشاذلي العرفاوي، بالإضافة إلى عروض أخرى عديدة تونسية وعربية وعالمية.
الأوبرا والمسرح
ومن بين الأحداث الثقافية الهامة التي شهدتها تونس، تنظيم الدورة الـ 37 للمهرجان الدولي للموسيقى السمفونية بالجم والذي تضمن برنامجه عروضا من تونس، وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا والنمسا وسويسرا. وينتظم هذه المهرجان بالمسرح الأثري الضخم في قصر الجم الأثري الأسطوري التاريخي المهيب، وتم افتتاح هذه الدورة يوم 13 تموز/يوليو بعرض «كارمن» من إنتاج مسرح أوبرا تونس.
كما تم تنظيم مهرجان أيام قرطاج المسرحية، بداية من يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر وكان جمهور الفن الرابع على موعد مع 125 عرضا من 32 بلدا من مختلف القارات. وشملت العروض 12 عرضا في المسابقة الرسمية و35 عرضا في الأقسام الموازية، بالإضافة إلى 13 عرضا في قسم مسرح العالم، وعرضين في تعبيرات مسرحية في المهجر و10 عروض موجهة للطفل. كما شملت أيضا 4 عروض في مسرح الإدماج، إلى جانب 11 عرضا في مسرح الحرية الذي يخصص لنزلاء السجون.
وفازت المسرحية التونسية «بخارة» للمخرج الصادق الطرابلسي وإنتاج مسرح أوبرا تونس بالتانيت الذهبي الجائزة الكبرى، وحصدت تونس من خلال مسرحية «بخارة» أيضا 3 جوائز أخرى هي أفضل ممثل وقد فاز بها رمزي عزيز وأفضل ممثلة وآلت لمريم بن حسن وأفضل نص لإلياس الرابحي والصادق الطرابلسي. ومنحت لجنة التحكيم التانيت الفضي لمسرحية «بيت أبو عبد الله» للمخرج أنس عبد الصمد من العراق، وفازت مسرحية «افيكتوريا» لأحمد أمين ساهل من المغرب بجائزة التانيت البرونزي.
سينما قرطاج المقاومة
وخلافا للسنة الماضية حيث تم الإلغاء تضامنا مع ما يعيشه الفلسطينيون في غزة، فقد انتظم هذا العام مهرجان أيام قرطاج السينمائية تحت شعار «سينما المقاومة والإنسان تلتقي في تونس»، وتم فيه تكريم السينما الفلسطينية والأردنية والسنغالية ضمن قسم «سينما تحت المجهر». وحظي جمهور المهرجان السينمائي الأعرق عربيا وأفريقيا، بمتابعة 19 فيلما فلسطينيا كان موضوعها الأساسي المقاومة وفضح ممارسات الاحتلال الصهيوني الغاشم الذي يعربد من دون رقيب أو حسيب وأمام أنظار العالم.
وكانت السينما التونسية ممثلة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بأربعة أعمال هي «ماء العين» لمريم جعبر و«عايشة» لمهدي برصاوي و«الذراري الحمر» للطفي عاشور و«برج الرومي» للمنصف ذويب. أما مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، فضمت أربعة أعمال تونسية هي «في ظلمات ثلاث» لحسام سلولي و«ماكون» لفارس نعناع و«ليني أفريكو» لمروان لبيب وكذلك «عالحافة» لسحر العشي.
وللإشارة فقد حازت الكاتبة التونسية أميرة غنيم يوم 29 تشرين الأول/اكتوبر من هذا العام، على جائزة الأدب العربي لسنة 2024 عن روايتها «نازلة دار الأكابر». وفازت دار النشر التونسية «مسكلياني» يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر بجائزة أفضل دار نشر عربية لسنة 2024.
عودة الروح
أما المغرب فقد عاش خلال سنة 2024 على وقع اختيار مدينة مراكش وسط البلاد، عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، وهو ما أدى إلى تنظيم سلسلة من التظاهرات والفعاليات الثقافية والفكرية والفنية الهامة التي سلطت الضوء على الثقافة الإسلامية بالمدينة. وقد كان هذا الاختيار مناسبة للمغاربة لإبراز ثراء مدينتهم، التي تعتبر همزة الوصل بين شمال البلاد وجنوبها، وإشعاعها الثقافي والفكري، ومناسبة أيضا لهم لإبراز معمار مراكش الأندلسي الأصيل، وكذلك تراثها الشفهي المتنوع الذي هو جزء لا يتجزأ من التراث
اللامادي لعموم المملكة.
كما شهدت عديد المناطق والمدن المغربية بما فيها العاصمة الرباط خلال الصيف الماضي تنظيم العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية التي تكاملت مع النشاط السياحي الصيفي للبلاد. كما شهدت المملكة تنظيم سلسلة من الندوات الفكرية واللقاءات الثقافية على امتداد البلاد، وشملت بالأساس معارض مختلفة للكتاب والفن التشكيلي ومنتوجات حرفية مغربية تقليدية إضافة إلى المؤتمرات والندوات الثقافية والفكرية.
الموسيقى والسينما
كما انتظمت هذا العام الدورة 19 من مهرجان «موازين.. إيقاعات العالم» الذي اختتمت فعالياته يوم 29 حزيران/يونيو الحالي بعد توقف دام ثلاث سنوات مع مهرجانات مغربية أخرى بسبب جائحة كورونا التي أضرت بالحياة الثقافية في كامل البلاد. وانتظم المهرجان في مدينتي الرباط وسلا وانطلق هذا العام بحفل أحيته المطربة هبة طوجي على مسرح محمد الخامس بالرباط، وقدمت أسامة الرحباني عددا من الأغاني باللغتين العربية والفرنسية.
كما شهدت دورة هذا العام أيضا حفلا فريدا من نوعه بتقنية الهولوغرام التي استعملت لأول مرة في المغرب، والحفل هو لكوكب الشرق الراحلة أم كلثوم. وشارك في حفلات موازين عدد من الفنانين العرب مثل الفنانة اللبنانية كارول سماحة التي غنت على مسرح محمد الخامس، والفنانة المصرية أنغام التي غنت على مسرح النهضة، وكذلك الفنان المصري أحمد سعد والفنانة اليمنية بلقيس فتحي اللذين قاما بإحياء حفلين على الركح ذاته.
كما شهد العام مع بداية شهر كانون الأول/ديسمبر تنظيم المهرجان الدولي للفيلم بمدينة مراكش المغربية بحضور عدد من كبار ممثلي ومخرجي السينما العالمية، وتم في هذه الدورة عرض 70 عملا سينمائيا من 32 دولة. ومن بين النجوم الذين شاركوا في فعاليات المهرجان السينمائي لمدينة مراكش لهذا العام الممثل الأمريكي شون بين والمخرج المكسيكي ألفونسو كوارون والكندي ديفيد كرونينبرغ.
وتم افتتاح هذه الدورة بفيلم الإثارة البوليسي «الأمر» للمخرج جاستن كورزيل، الذي عاد إلى مراكش من جديد بعد أن فاز في وقت سابق بجائزة لجنة التحكيم عن فيلمه الأول، ومشاركته في عضوية لجنة تحكيم الدورة الـ19 من المهرجان. وتضمنت المسابقة الرسمية 14 فيلماً هو الفيلم الأول أو الثاني لمخرجيها تشجيعا لشباب السينما في العالم ومن بين هذه الأفلام «أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» لمراد فرات أوغلو، و«البحر البعيد» لسعيد حميش بن العربي و«الذئاب تأتي دائما في الليل» لغابرييل برادي، و«العواصف» لدانيا ريموند، و«القرية المجاورة للجنة» لمو هاراوي.
حضور قطري
كما شهدت الجزائر أيضا خلال العام المنقضي أحداثا ثقافية هامة ومتنوعة لعل أهمها معرض الجزائر الدولي للكتاب الذي حلت به دولة قطر ضيف شرف، بعد أن كانت ضيفة شرف معرض تونس الدولي للكتاب في السنوات السابقة. وقدمت دولة قطر برنامجا ثقافيا هاما وثريا خصيصا للمعرض تضمن مجموعة من الفعاليات الثقافية من بينها الندوات والمحاضرات وورشات العمل. كما شمل البرنامج أيضاً عروضاً فنية وثقافية تسلط الضوء على التراث القطري والإبداع المعاصر الذي يعكس تنوع وغنى إنجازات القطريين في هذا المجال.
كما شهدت الجزائر مع نهاية السنة المنقضية 2024 افتتاح فعاليات الدورة الثانية عشر للمهرجان الثقافي الدولي للمالوف بقسنطينة التي انتشر فيها هذا الفن على غرار مدينة تستور التونسية قادما من الأندلس مع هجرات الأندلسيين إلى شمال أفريقيا. وانتظم المهرجان هذه السنة تحت شعار «المالوف جسر قسنطينة وصوتها الأبدي» مستوحيا شعاره من جسور قسنطينة الجبلية ومن المالوف الذي انتشر في قسنطينة وعرف أهلها بأدائه. وعرف حفل الافتتاح حضورا رسميا وشعبيا كبيرين مع تقديم عدة عروض موسيقية في فن المالوف وغيره قدمها فنانون من الجزائر وفلسطين واليابان وكذلك تونس التي لديها باع في هذا الفن وجددت فيه وأصبح لها إنتاجها الخاص خلافا للموروث الأندلسي.
كما شهدت الجزائر أيضا تنظيم مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، الذي أقيمت دورته رقم 12 لهذا العام خلال الفترة المتراوحة بين 4 و10 تشرين الثاني/أكتوبر 2024 وذلك بمدينة وهران غربي الجزائر. وكان هذا المهرجان المختص في السينما العربية دون سواها قد غاب لمدة 6 سنوات بسبب جائحة كورونا وبسبب صعوبات في التمويل، حيث تم تنظيم آخر دورة له سنة 2018 وهي الدورة 11 وبعدها انقطع حتى ظن البعض أنه اختفى من خريطة المهرجانات السينمائية العربية.
وعرفت الدورة الجديدة لمهرجان وهران للفيلم العربي برنامجا متنوعا وثريا وفعاليات عديدة أعادت الروح لهذا المهرجان وأحيته من جديد بعد أن كاد يندثر. فتم عرض آخر إنتاجات السينما العربية بحضور صناع السينما كما شهد المهرجان ندوات ونقاشات وورشات على هامش هذا الحدث الثقافي الجزائري.
«القدس العربي»: