مقالات

في ذكرى استشهاده الثامنة عشر.. بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –

بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان -

في ذكرى استشهاده الثامنة عشر..

بقلم نبيل الزعبي -طليعة لبنان –

لطالما ترددت كثيرًا، في التعليق على ما يصدر من ترَّهات، وكتاباتٍ تافهةٍ، كنت أظن يومًا أن من تصدر عنهم، يملكون من الحصافة والاحترام للذات، مما يعصمهم عن الانزلاق أمام صغائرَ الأمور وسفاسفها. كان من أبسط الأشياء معالجتها مع المعنيين بها مباشرةً، أيام كانوا يتصدَّرون الوظائف العامَّة في عراق صدام حسين. لا إثارتها هذه الأيام، على مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ لا يمت البتَّة إلى الأخلاق العامَّة والقِيَم، وتسيء إلى ماضي كتابها، أكثر مما تسيء إلى الشهيد الراحل، سيّما وان النظام الوطني حينها، لم يبخل على هؤلاء يومًا، سواء في الامتيازات التي كان يغدقها عليهم، أم في توفير فرص الدراسة في الخارج، والحصول على أعلى المراتب العلمية. والغالبية العظمى من هؤلاء لم يكونوا معروفين للقريب والبعيد، سوى أنهم بعد الاحتلال، أخذوا لأنفسهم حيِّزًا على مواقع التواصل الاجتماعي، ينسبون من خلاله لأنفسهم أدوارًا وأحجامًا، لم يكن لأحد يسمع بهم، أو عنهم سوى في السنوات الأخيرة.
انه لمن أصعب الكوارث على البعض، أن يحطم ماضيه بيديه، فترى رموزًا شغلت يومًا مواقع متقدمة في بنية النظام السياسي العراقي قبل الغزو والاحتلال، لا تترك وسيلةً إلا وتغرز الخناجر المسمومة في تجربة حكم ٍأجمع الخصوم والأعداء قبل الأصدقاء، على صدقية ونزاهة بُناتها واستقلاليتهم في جعل العراق حرًا قويًا مُهابًا، يحترمه القوي، ويستقوي به الضعيف، ويكفيهم أنهم لم يرتهنوا يومًا لإملاءات الخارج، ولم يكن فيهم عميلًا يعمل لحساب هذه الدولة العظمى أو تلك. ومما يُؤسف له، أن هؤلاء الذين لم تتوقف ألسنتهم عن ذم تلك التجربة، والتطاول على الشهداء بكل عبارات الجحود والافتراء، مع العلم أنهم أكثر من استفادوا من النظام، وترقّوا إلى أعلى المواقع المؤثرة في المشهد العراقي، ولو كان لديهم ذرة حياء أو خجل، لانزووا جانبًا، تاركين لغيرهم ممن تضرر من النظام، أن ينفث ما بداخله من أحقاد وتشفٍّ، قد يكون لهم ما يدفعهم إلى تبريرها للناحية الذاتية والشخصانية أولًا باول.
غير انه ومع كل ما يحمله هؤلاء من حقدٍ وضغينةٍ على النظام، لم ينزلقوا في انتقادهم له ولرموزه بعد احتلال العراق، إلى المستوى الذي ارتكبه من شرب من ماء التجربة، وأكل من خبزها، وضرب بسيفها، ولو روجعت أدبيات تلك المرحلة، وما نشره هؤلاء من تمجيدٍ للنظام على صفحات المطبوعات الورقية، وأثير الإعلام المرئي والمسموع، لأصابك الذهول من التحوُّل السريع الذي دفعهم للانتقال من ضفةٍ إلى أخرى، ولو كان من ذرّة حياء في دواخلهم، وهم يُراجعون مُعلّقات التزلُّف والتملُّق التي رافقتهم حينها، لأخرسوا أنفسهم دون الحاجة إلى من يذكّرهم بماضيهم الوصولي، ودونيتهم وجبنهم، وتلك صفات لا تدفعك سوى إلى احتقارهم، وتحدِّيهم أن ينشروا ما خطت به أقلامهم يومًا على صفحات الصحف، كصحيفة: الثورة، والجمهورية، والقادسية، ومجلة ألف باء…
ثم تتساءل عن كميات الرِّياء التي كانوا يختزنونها، وهل تصلح معهم اليوم وهم يبخّرون للحكام الجدد، وكيف سيصدقهم الناس بعد كل ما تقدم…؟
وماذا لو استيقظوا غدًا وانقلبت الأحوال إلى غير صالحهم، وذلك ليس من المستبعد في زمن المُتغيّرات، سيّما بعد الذي حصل في سوريا مؤخرًا…؟ ولمصلحة من ستتوجه بوصلتهم، وفيهم الخسيس والرخيص، ومن يتباهى بجنسيته الأجنبية، ولا يخجل من عمالته، وما يعتبره وجهة نظر في مفهومه للخيانة…؟ ولو دققت قليلًا في صفحاتهم، وكيف حصلوا على البعثات الأكاديمية، وشهادات الدكتوراه من الخارج، لتبيّن لك فضل النظام الوطني القومي التقدمي، بقيادة الرئيس صدام حسين عليهم، وعلى أُسَرِهِم، وكان الأحرى على هؤلاء، أن لا يتحلُّوا سوى بالقليل القليل من الخجل والحياء، ويلتزموا الصمت وإخراس ألسنتهم ، خاصةً بعد ثمانية عشر عاماً على اغتيال قائد العراق، وما تركه هذا الغياب من فراغٍ استراتيجي، ليس في تغييب الوطنية العراقية وإحلال العراق الطائفي المذهبي المنكوب وحسب، وإنما فيما وصلت إليه الأمة من انحطاطٍ في سيادتها، ومهانة في كرامتها، وليس سوى الأقزام والعملاء من يمثلونها اليوم، ويبيعونها بالمواقف الساقطة، قدر بيعهم لكل قِيَم الشرف والعروبة والدين…
في ذكرى الشهيد، لا بد للعراق أن يكسر القيود، وهو لم ينفك عن حنينه للحكم الوطني منذ غزو واحتلال هذا القطر في العام 2003، ونُفاجَأ بصدّاميين جُدد، سمعوا الحكايات عن الشهيد فأحبوه، كما تشهد فلسطين والعراق وسوريا اليوم ولادة الآلاف من قيادات الميدان، والذين هم ذخيرة الأيام القادمة، ليبقى الشهداء نبراسًا حيًّا للأجيال القادمة، ونرى عيون أبي عُديّ، وأبي عمار، وجمال عبد الناصر، في ملامح أكثر من بطل وقائد في أمةٍ ولّادة، قال فيها خير البشرية، عليه الصلاة السلام:
“الخير بي وبأمتي إلى يوم الدين”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب