مخاوف من تكرار سيناريو منبج: مناطق «الذاتية» أسيرة القلق

مخاوف من تكرار سيناريو منبج: مناطق «الذاتية» أسيرة القلق
تشهد مناطق سيطرة «قسد» شمال شرق سوريا، حالة قلق بين الأهالي الخائفين على مصير منطقتهم، وسط ضعف في الحركة الشرائية. يأتي ذلك في ظلّ مواصلة تركيا تهديداتها بمهاجمة تلك المنطقة، وإنهاء وجود «وحدات حماية الشعب» الكردية و»قسد» عسكرياً، فيما يطالب السكان هناك بإيجاد تسوية سياسية تنهي حالة الحذر والترقب التي يعيشونها، ومعها واحد من أعقد الملفّات الداخلية السورية.
لا لـ»أبي عمشة»
منذ سيطرة فصائل «الجيش الوطني» على مدينة منبج قبل أسبوعين، بعد خروج «قسد» منها، تنتشر موجة من التندّر الممزوجة بشيء من الجدّية، بين الأهالي الذين يبشّر بعضهم بعضاً بقدوم «أبو عمشة» (والمقصود، فصيل العمشات الذي يتزعّمه القيادي في الجيش الوطني، أحمد الجاسم)، وأنّ «علينا أن نخفي ممتلكاتنا لأن مصيرها السرقة والتعفيش». وكان أهالي منبج قد اتّهموا عناصر من هذا الفصيل بالتحديد بالقيام بعمليات سرقة منظّمة للممتلكات، فضلاً عن اتهامات بالخطف والتصفية والقتل، وهو ما يشكّل هاجس السكان الرئيسيّ. ويقول نشأت، وهو من سكان منبج، إن ما عاشته مدينته «لا يشبه التحرير مطلقاً، إذ تعيش فوضى عارمة مع سيل من الاتهامات بالعمالة لقسد والنظام، كمبرّر لارتكاب الانتهاكات بحقّ الأهالي»، مطالباً بضرورة «تدخُّل الحكومة الجديدة في دمشق لوضع حدّ للانتهاكات الحاصلة في منبج، التي باتت تفتقد الأمن والأمان بعد خروج قسد التي لم تكن تحظى بتأييد كبير في المنطقة أيضاً». بدوره، يؤكد زكريا أن «الأهالي لم يتصوّروا أن يحصل ما حصل في مدينتهم من تجاوزات لا تشبه ما جري في أيّ منطقة أخرى»، مطالباً «بتجميد نشاط الفصائل المؤذية، والاستعاضة عنها بفصائل قادرة على التعامل مع الأهالي وتطمينهم كما حصل في مدينة حلب».
بين الحلّين العسكري والسياسي
تُعدّ مناطق سيطرة «قسد» ذات أهمية استراتيجية وجغرافية واقتصادية، لكونها ترتبط بأكثر من 850 كيلومتراً مع كل من العراق وتركيا، فضلاً عن أنها تضمّ أراضي زراعية خصبة وسدود مياه ضخمة، وآباراً وحقول نفط وغاز، كانت تنتج، قبل عام 2011، أكثر من 90% من إنتاج البلاد. وهذه الأهمية، إلى جانب وجود قواعد أميركية فيها، وعدد غير قليل من السجون ومراكز احتجاز عناصر تنظيم «داعش»، ومخيمَي «الهول» و»روج» اللذين يستضيفان أكثر من 10 آلاف من أفراد عائلات التنظيم، تجعل من مناقشة مستقبل المنطقة حاجة ملحّة.
ثمّة توقعات بأن تلجأ «هيئة تحرير الشام» إلى القيام بدور الوسيط بين «قسد» وتركيا
وفي ظلّ العداء الكبير الذي تكنّه أنقرة لـ»قسد»، التي تعتبرها الأولى امتداداً لـ»حزب العمال الكردستاني»، إلى جانب تسيُّد تركيا الملفّ السوري بعد سقوط النظام، تبدو إمكانية الوصول إلى حلّ سياسي لهذه المنطقة أمراً في غاية التعقيد، وإنْ كان حلّ كهذا أساسياً للحؤول دون تحوُّلها إلى ساحة صراع عسكري. ولذلك، تحاول «قسد» مدّ جسور التواصل مع الحكومة الجديدة، من خلال إعلان موافقتها على حلّ نفسها، والاندماج في الجيش السوري الجديد، والعمل على إشراك شخصيات من «الإدارة الذاتية» في المؤتمر الوطني المقرَّر عقده في الأسبوع الأول من العام الجديد، كمدخل ممكن لتفكيك هواجس أنقرة تدريجياً.
سلّة من العقد
لا يبدو ملفّ «قسد» هو الوحيد الذي يحتاج إلى طاولة حوار وحلول جذرية، في ظلّ وجود أكثر من 200 ألف موظف في مؤسسات «الإدارة الذاتية»، نصفهم عناصر في «قسد» و»الأسايش»، بالإضافة إلى وجود أكثر من 4100 مدرسة تدرّس مناهج خاصة بـ»الذاتية»، وعدد من الجامعات الخاصة، وقانون خاص بالانتخابات والإدارة المحلية والتجنيد الإجباري، بموجب «عقد اجتماعي» (دستور) تحكم «الإدارة الذاتية» على أساسه نحو ثلث مساحة البلاد، منذ نحو عقد. والواقع أن جميع هؤلاء الموظفين سيتحوّلون إلى عاطلين من العمل، في حالة اندلاع الحرب. وفي السياق، يؤكد أحمد، وهو معلّم في مدارس «الإدارة الذاتية»، لـ»الأخبار»، أن «الخوف موجود لدى الأهالي بسبب الدعم الجوي الذي توفّره تركيا لهذه الفصائل، والخوف من دمار كامل للمنطقة، والتسبّب بموجات تهجير كبيرة من جديد»، مشيراً إلى أن «آلاف العوائل مهدّدة بفقدان مصدر عيشها لكونها تعمل لدى الإدارة الذاتية، في حال لم يكن هناك حلّ يراعي وضع المنطقة، بمن فيهم الموظفون الحكوميون وعناصر الشرطة والجيش من غير المتورطين بالدم». من جهته، يدعو آراس كلاً من «قسد والحكومة الجديدة إلى التوصل إلى حلول وسط بما يجنّب المنطقة الدم والدمار»، مناشداً «كل الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة البحث عن حلول لمناطق شمال شرق سوريا، تبعد عنهم ويلات حرب سيكون ثمنها عالياً»، مشدداً على «ضرورة الاتّعاظ من تجربة الـ 14 عاماً السابقة التي عاشتها البلاد، وتجنّب تكرار أحداثها من جديد في الشرق السوري».
ما الحلّ؟
ترى مصادر مطّلعة أن «موقف القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، الإيجابي تجاه قسد، في تصريحاته الأخيرة، جاء بعد تأكيد قسد قبولها بنشر قوات من هيئة تحرير الشام كقوات فصل بينها وبين الجيش التركي، بعد انهيار الجيش السوري الذي كان ينتشر في المنطقة قبل سقوط النظام»، معتبراً أن «هناك إشارات إيجابية يمكن البناء عليها للتوصّل إلى حلول ديبلوماسية، وسط توقعات بدخول واشنطن على الخط كجهة ضامنة للطرفين». كما ترى المصادر أن «أيّ تعثّر للمحاولات الحالية لإيجاد صيغة واضحة لمستقبل مناطق شمال شرق سوريا، سيدفع الأمور نحو التصعيد»، متوقعةً أن «تلجأ هيئة تحرير الشام إلى القيام بدور الوسيط بين قسد وتركيا، لمصلحتها أيضاً في عدم إشعال حرب جديدة قد تؤخّر الاستقرار الذي تبحث عنه لتوطيد حكمها، بعد الحصول على إشارات إقليمية ودولية إلى القبول بها كجهة حكومية رسمية ستدير البلاد خلال السنوات القادمة».