مقالات

الفرق بين الأسد ونتنياهو في ميزان «الجنائية الدولية»

الفرق بين الأسد ونتنياهو في ميزان «الجنائية الدولية»

توفيق رباحي

الصور والشهادات القادمة من سجون نظام بشار الأسد صادمة تفطر القلب. من الصعب أن يتخيّل إنسان سويّ أن هناك بشرا يرتكبون مثل تلك الجرائم في حق بشر فقط لأنهم اختلفوا معهم سياسيا أو عقائديا، أو حتى لم يختلفوا معهم بل لديهم حساب عالق مع أقارب لهم فارين في الخارج أو «مشكوك في وطنيتهم».
لهذا يجب أن يتجنّد السوريون، وينجحوا في إقناع العالم للتجند معهم، من أجل القصاص من بشار الأسد ورموز نظامه طال الزمن أم قصر. في الحالة السورية وما يشابهها يصبح القصاص من المسؤولين عن تلك الفظاعات فضيلة، وأكثر من ذلك واجبا حتى لا يجرؤ آخرون، في سوريا أو غيرها، على تكرار الفظاعات بحق من يختلفون معهم أو عنهم.
رغم كل الصعوبات التقنية والقانونية والسياسية، ورغم الحاجة إلى الوقت والإمكانات المادية، وإلى الإرادة الجادة والصبر، لا مفر من العدالة. فالإطاحة بنظام الأسد تشكل نصف المهمة، أما نصفها الآخر فيتشكل من تحقيق العدالة لضحاياه الكثيرين. ما لم تتحقق هذه العدالة ستبقى المهمة غير مكتملة.
العدالة ضرورية أيضا لسوريا كي تمضي إلى الأمام في مسار التصالح مع ذاتها. والمصالحة غير ممكنة هي الأخرى من دون عدالة. الباقي من عفو وتعويضات وتأريخ يأتي لاحقا وسيكون أسهل وأكثر إنصافا إذا كان تحت غطاء العدالة المنجزة.
رغم أن العدالة المتأخرة عدالة ناقصة، يجب الاعتراف بأنه في الوقت الحاضر قد يكون من الصعب تحقيق هذه العدالة داخل سوريا لأسباب منها التركيبة الاجتماعية للمجتمع السوري وشدّة الحساسيات والخوف من تفشي روح الانتقام وتصفية الحسابات. ومنها أيضا أن رموز النظام المسؤولين عن الجرائم والمسالخ البشرية فارون في الخارج. هذا يجعل المحاكم الدولية المكان المفضّل لتحقيق العدالة المنشودة.
لكن في العالم العربي المنكوب بالكثير من الآفات السياسية والإنسانية، سنكون قريبا على موعد مع نقاش حاد عنوانه الأول هل يجب محاكمة بشار الأسد وعائلته ورموز نظامه أمام القضاء الدولي أم لا.
عدا عن الجدل التقليدي الذي سيفرض نفسه بحدَّة بين مؤيدين ورافضين لمحاكمة دولية للأسد في لاهاي، سيقفز النقاش أيضا إلى الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة وعجز العالم عن محاكمة المسؤولين السياسيين الذين يرعونها والقادة العسكريين الذين ينفذونها. وسنسمع كلاما كثيرا عن النفاق الدولي وسياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها العالم عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين.

عجزُ العالم عن تحقيق العدالة للفلسطينيين لا يعني الامتناع عن تحقيقها للسوريين ضحايا نظام الأسد إذا كان الإنصاف ممكنا

قيل هذا الكلام لما تعرَّض الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير لخطر المحاكمة الدولية بتهمة ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور في بداية الألفية الحالية.
كل ما قيل وسيقال عن نفاق الغرب و«تشطّره» على قادة دول العالم الثالث من غير حلفائه صحيح. وكل ما سنسمع عن استغلال الدول الغربية القضاء الدولي للانتقام من خصومها وحماية حلفائها صحيح أيضا ودقيق، بدليل أن الولايات المتحدة، بغض النظر عن الإدارة التي تقودها، تصفق للمحكمة الجنائية الدولية عندما تفتح ملف فلاديمير بوتين وأوكرانيا، وتهدد قضاتها وتتوعدهم بشر العقاب عندما يفتحون ملف إسرائيل وجرائمها بحق الفلسطينيين.
نعم، كل ما سيقال عن الإفلاس الأخلاقي والإنساني للغرب أكيد وساطع ويزداد وضوحا يوما بعد يوم. لكن كل هذا لا يمكن أن يدفع إلى التغاضي عن جرائم بشار الأسد ونظامه بحق السوريين مهما كانت المسوّغات. عجز العالم عن محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي ومساعديه الضالعين في الإبادة في غزة لا يجب أن يتخذه بعض العرب مسوَّغا لعدم محاكمة بشار الأسد. فما لا يُدرك كله لا يُترك جله. خطآن لا يصنعان صوابا. عجزُ العالم عن تحقيق العدالة للفلسطينيين لا يعني الامتناع عن تحقيقها للسوريين ضحايا نظام الأسد إذا كان الإنصاف ممكنا. كما أن عدم إقامة محاكمة دولية للأسد ورموز نظامه بذريعة غياب محاكمة مماثلة لنتنياهو بسبب غزة لا يحقق شيئا للفلسطينيين. يكفي أن الفلسطينيين يتعرضون للإجحاف فلماذا نضيف لهم السوريين؟
نجاة نتنياهو من المحاكمة الدولية تعود بالأساس إلى الحماية التي يوفرها العالم الغربي لإسرائيل وقادتها. في المقابل يكيد العالم لشعوب المنطقة العربية والعالم الثالث ويحطّم حاضرها ومستقبلها. هذا الواقع الظالم هو الذي يضع العراقيل في طريق إجراءات محاكمة بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت كيلا تصل إلى نهايتها. لكن رغم هذا من الخطأ الوقوع في فخ الاعتقاد بأن الرد على هذا العجز يكمن في العمل على منع محاكمة الأسد وكبار مساعديه.
الواقع الذي يجب أن يبقى حاضرا في الأذهان أيضا هو ذلك الفرق الهائل بين الرجلين: نتنياهو ارتكب الفظاعات بحق الفلسطينيين وعرَّض نفسه لخطر المحاكمة الدولية دفاعا عن بلاده وحماية لشعبه، من وجهة نظره. أما الأسد فكرَّس جهده وموارد بلاده لبناء إمبراطورية الرعب، وارتكب كل تلك الجرائم لمعاقبة شعبه ومنعه من أن يفكر في الخروج عن طاعته. وشتّان بين هذا وذاك. الأول يفتخر به الإسرائيليون وسيخلّدون اسمه ويقيمون له التماثيل، والثاني سيشعر السوريون بالعار أنه واحد منهم، وسيمحون اسمه وصوره وكل ما يرمز له ويلعنونه كلما ذُكر اسمه أو قفز إلى ذاكرة أحدهم.
الشعوب العربية مقهورة ويائسة من تحقيق العدالة محليا، فلا يبقى لها إلا القضاء الدولي. منع العدالة الدولية عنها مظلمة أخرى تضاف إلى سجل هائل من المظالم التي تعرضت لها ولا تزال.

كاتب صحافي جزائري

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب