مقالات

سوريا نهاية مرحلة ​​​​​​​​​​بقلم الدكتور  يوسف مكي

​​​​​​​​​​بقلم الدكتور  يوسف مكي

سوريا نهاية مرحلة
​​​​​​​​​​بقلم الدكتور  يوسف مكي
بشكل مفاجئ، وغير متوقع ترك الرئيس السوري، بشار الأسد، قصر الشعب، وغادر ربما إلى الأبد إلى العاصمة الروسية موسكو. عنصر المفاجأة ليس في أن الرئيس ترك منصبه، فمثل ذلك ليس غريبا على التاريخ السوري، الذي شهد الكثير من الانقلابات العسكرية، منذ عام 1949، ولكن بالطريقة التي غادر فيها، حيث اختار أن يرحل، في لجوء إنساني بروسيا، بعد أن تمكنت عناصر العهد الجديد من الاستيلاء على مدينة حمص، وبدى أن الأمر حسم لصالح الانقلابيين، ومن يقف خلفهم من قوى إقليمية ودولية.
بالتأكيد عندما يرحل أي نظام، سواء بانتهاء صلاحيته، أو بانقلاب عسكري، أو تمكن عصابات من السيطرة على الحكم، يكون هناك خاسرون ورابحون. الخاسرون يبكون على الأطلال، ويتأسون على مرحلة باتت من الماضي، ويواصلون ذكر مآثر النظام، من وجهة نظرهم. أما الرابحون، فيشيطنون، المرحلة السابقة برمتها، ولا يرون فيها أية إيجابية. ويطغى على تقييمهم غل الماضي وأحقاده.
العقل البارد وحده، الذي يستطيع أن يقدم قراءة مختلفة للمرحلة التي مضت. وينبغي في هذا السياق التذكير، بأن حكم حافظ الأسد وابنه، قد استمر قرابة أربعة وخمسين عاما، هي بالتأكيد ليست بالقصيرة. وهي الفترة الأكبر في تاريخ سوريا، منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي، بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديدا في 17 نيسان/ أبريل عام 1946، اليوم الذي غادر فيه الفرنسيون سوريا، وقد بات عيدا وطنيا، يحتقل به السوريون كل عام.
مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، هي مرحلة الانقلابات العسكرية في سوريا بامتياز، ففي عام 1949، بدأت تلك المرحلة بانقلاب حسني الزعيم، ليتبعه انقلاب سامي الحفناوي، ثم انقلاب أديب الشيشكلي. ولم يكن للسوريين في تلك الانقلابات ناقة ولا جمل، وكانت في حقيقتها، وجه آخر للصراع، بين الاستعمار التقليدي، الفرنسي البريطاني، الذي يحاول منع لفظ أنفاسه الأخيرة، في بلاد الشام عموما، وبين الاستعمار الجديد، القادم من خلف المحيط ممثلا بالولايات المتحدة الأمريكية.
لم يسد في سوريا حكم ديموقراطي، على الطريقة الغربية، إلا في مواسم قصيرة، وكانت مرحلة أحلاف عسكرية، بدأت بمشروع دوايت أيزنهاور لملء الفراغ بالشرق الأوسط، ثم حلف بغداد. وكان التهديد لسوريا، يأتي من الشمال والشرق، من تركيا والعراق، وبرعاية بريطانية، حيث الضغوط مستمرة، عليها للانخراط في تلك الأحلاف. لكن التطورات اللاحقة، التي شهدتها مصر، وبروز مرحلة النهوض القومي، والتدافع الشعبي، نحو تلك الأحداث، واحتماء ضباط الجيش السوري، والأحزاب القومية، بعروبتهم، لتحميهم من الغزو، أدى إلى تحقيق الوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا عام 1958.
في 29 أيلول/ سبتمبر 1961، انفصمت الوحدة السورية المصرية، وأي تكن الأخطاء التي حدثت فيها، فإن ذلك لا ينفي ضلوع أطراف خارجية ساهمت في دعم الضباط الذين قادوا الانفصال. ولم تمض سوى فترة قصيرة، هي قرابة عام ونصف حتى حدث انقلاب الثامن من آذار/ مارس عام 1963، الذي قاده ضباط سوريون، يحملون توجهات قومية، بعثية وناصرية، بينهم حافظ الأسد. ولتبدأ بعدها صراعات بين الضباط أنفسهم، انتهت بإزاحة زياد الحريري ولؤي الأتاسي وأمين الحافظ ونور الدين الأتاسي، عن سدة الحكم.
في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 استولى حافظ الأسد على السلطة، فيما بات يعرف بالحركة التصحيحية، وبقي رئيسا قرابة ثلاثين عاما، وتوفي في 17 تموز/ يوليو عام 2000، وتسلم ابنه بشار الحكم من بعده، في ظاهرة توريث لم تشهدها سوريا من قبل. وقد استمر في الحكم حتى الإطاحة به في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، بمعنى أن حكمه استمر أكثر من أربعة عشرين عاما.
خاض والده، مع الرئيس المصري أنور السادات حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973، أدت نتائجها بتحرير مدينة القنيطرة. وقد فتحت تلك الحرب بوابة الدخول الأمريكي، للمنطقة، باعتباره راعيا لمفاوضات السلام، بين العرب وإسرائيل. والتي ظلت مجمدة حتى الغزو العراقي للكويت عام 1990، حين دعا الرئيس الأمريكي جورج بوش، لعقد مؤتمر مدريد للسلام بالشرق الأوسط. واستمرت المفاوضات الماراثونية في عهد الرئيس بل كلينتون، واقترب السوريون والإسرائيليون، من توقيع مسودة اتفاق للسلام، أثناء رئاسة اسحق رابين للحكومة الإسرائيلية، حيث أبلغ رابين، الرئيس كلينتون موافقته على تلك المسودة، وقد عرف ذلك التبليغ بوديعة رابين، لكن رابين جرى اغتياله، وتجمدت كل المحاولات للتوصل إلى سلام بالمنطقة.
في ظل حكم الأسد، الأب والابن تراجعت الليرة السورية، لكنها تمكنت من الحفاظ على سعر معقول، مقابل الدولار. وحتى ما قبل حوادث 2011، لم يتعد سعر الدولار ال 44 ليرة سورية، لكن الأحداث التي عصفت بالقطر السوري، منذ ذلك الحين، وفرض قانون قيصر، والتدخلات الإقليمية والدولية بالبلاد، أودت بالليرة السورية، إلى قعر ليس له حد.
نعم المواطن السوري، طيلة حكم سوريا، منذ الاستقلال، بمزايا عديدة، منها التعليم والعلاج المجانيين، والعيش الكريم. كما أن وتيرة التصنيع، وبشكل خاص بمدينة حلب ظلت تسير بوتائر متصاعدة، لكن ذلك تغير كثيرا، بعد أحداث عام 2011، التي تسببت في نزوح أكثر من أربعة مليون سوري، إلى الخارج. ويبقى الحكم على تلك الحقبة متروكا للتاريخ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب