فوز ترامب ومستقبل «الترانسجندر»
فوز ترامب ومستقبل «الترانسجندر»
د. مدى الفاتح
«بتوقيع مني في اليوم الأول للرئاسة سنوقف جنون التحول الجنسي»، هكذا قال الرئيس دونالد ترامب لدى لقائه مع «شباب المحافظين» في ولاية أريزونا الأسبوع الماضي. وسط تصفيق حاد من قبل الحضور أردف الرئيس المنتخب قائلاً، إنه سيوقف ما سماه «تشويه الأعضاء الجنسية للأطفال» وسوف يخرج المتحولين من الجيش ومن المدارس. حديث ترامب عن التحول الجنسي، أو ما بات يعرف بظاهرة «ترانسجندر»، التي تشير في الغالب إلى استخدام الرجال تدخلات جراحية وهرمونية من أجل اكتساب مظهر أنثوي، كان يثير حماس جمهوره، المتكون من فئات كانت تضيق ذرعاً بتلك الموجة العنيفة، التي كانت تقودها الجمعيات والمنظمات الداعمة للمتحولين بذريعة احترام الميول الجنسية والنوعية.
كان ترامب، الذي يؤكد أن إدارته الرسمية لن تعترف إلا بجنسين فقط، ذكر وأنثى، يعرف جيداً كيف يستخدم خطاباً قادراً على ملامسة مخاوف الملايين من المواطنين التقليديين، الذين لم تقنعهم شعارات ما بات يعرف بـ»اليسار الجديد»، فهو يقول مثلاً أنه سيحافظ على الأطفال وسيحافظ على المجتمع، حينما يمنع الرجال من المشاركة في الرياضات النسائية، وهو ما يحدث اليوم بكثرة، ما يسبب حالات من الجدل والارتباك.
كان ترامب، الذي يؤكد أن إدارته الرسمية لن تعترف إلا بجنسين فقط، ذكر وأنثى، يعرف جيداً كيف يستخدم خطاباً قادراً على ملامسة مخاوف الملايين من المواطنين التقليديين
مسألة المثلية والتحول الجنسي ليست هامشية في السياق الانتخابي، أو السياسي الغربي، خاصة الأمريكي، فعدد من يصنفون بأنهم «ترانسجندر» في الولايات المتحدة يزيد عن مليون ونصف المليون إنسان، كما أن عدد المتحولين العاملين في الجيش الأمريكي يقدر بخمسة عشر ألفاً، وهم جميعاً مهددون اليوم بفقد عملهم. هذا كله يجعل جهات كثيرة قلقة من أن يمضي ترامب في وعوده، التي سوف تهدم المشاريع، التي كان يعطيها كثير من دول الشمال أهمية، بل تضغط من أجل تحويلها لقيم وقواعد عالمية يجبر الجميع على احترامها. لمسألة الموقف من عابري الجنس، بعد قانوني لا يمكن إهماله، وهو ما يندرج تحت السؤال المتعلق بمدى قدرة الرئيس، الذي سيدخل البيت الأبيض في العشرين من الشهر المقبل، على تنفيذ أفكاره الجريئة، الخاصة بتقييد المساحات الاجتماعية للمتحولين، صحيح أن الجمهوريين سوف يسيطرون على الكونغرس والبيت الأبيض، إلا أنه لا يمكن التقليل من حجم الاعتراضات وجماعات الرفض. من هذه الاعتراضات ما كان نبّه إليه القاضي نيل جورسوتش، إثر مرافعة شهيرة في عام 2020، حينما ذكر أن قانون الحقوق المدنية لعام 1964 يحظر التمييز بسبب النوع، وهو ما يدخل في إطاره الموظفون المثليون أو المتحولون جنسياً، الذين يهدد الجمهوريون بالتضييق عليهم.
المشكلة هي أن التعامل مع شخصية «الترانسجندر» معقد، فبالنسبة للمتحولين وداعميهم، يرون أن من التعدي على حقوقهم أن يتم تصنيفهم كرجال، أما بالنسبة لغيرهم فهم يرون أن من الصعب معاملتهم كنساء، خاصة أنه كانت لذلك في أحيان كثيرة ظلال سالبة، مثل وقوع البعض ضحية اعتداء جنسي من طرف بعض من هم حديثو التحول. يخلق هذا تعقيدات مختلفة على كثير من النواحي، من قبيل توزيع الزنازين في السجون أو استخدام الحمامات والمرافق العامة المخصصة للنساء، كما تتمثل تعقيدات أخرى في انخراط أولئك المتحولين في فرق الرياضات النسائية وفي المنافسات الدولية، خاصة أنه لا يوجد أي تعريف نفسي أو طبي أو قانوني واضح للتحول، فيمكن لأي رجل، والفضل في ذلك يرجع لناشطي حقوق النوع، أن يقرر أنه أنثى وأن يجبَر الجميع على احترام هذا القرار. نقطة أخرى كان ترامب يطرق عليها وهي، التي تدرج تحت بند الرعاية الطبية للمتحولين الأطفال والمراهقين. هذه القضية أيضاً لها بعدان، أولهما البعد الأخلاقي المتعلق باشتباكها مع مفهوم التعدي على الأطفال، فمن الغريب أن الطفل، الذي يعتبر قاصراً ولا يملك، في العادة، التقرير حول أي شأن، يمتلك حق تعطيل هرموناته، أو اتخاذ قرار مصيري، ولا يمكن تعديله، مثل قرار التحول لأنثى.. الذي يحدث، وفق ما يراه معترضون على كل هذه التوجهات، هو ليس فقط سعي الطفل لأن يتحول جنسياً، وإنما حدوث تشجيع من قبل البيئة المدرسية على ذلك، وهذا يتزامن مع إضعاف دور الأهل في توجيه ومراقبة أبنائهم. البعد الثاني لهذه القضية هو المفارقة، التي تجعل الولايات المتحدة، المعروفة بأنها شحيحة الإنفاق حينما يتعلق الأمر بالصرف على الصحة العامة، تنفق ملايين الدولارات وتخصص ميزانيات مفتوحة، من أجل تسهيل هذا العبور الجنسي، الذي تكلّف عملياته ومتابعاته الكثير.
الرئيس ترامب سيكون من الداعمين لقرارات منع حصول القاصرين على أدوية هرمونية، وهي القرارات التي تنفذ في 26 ولاية أمريكية حالياً، لكن هذا لا يعني حسم الجدل بشكل نهائي، فالقضية ما تزال تحتاج بعض التوضيحات، حيث يتساءل مشرعون: ماذا لو كان هذا القاصر قد غيّر جنسه بالفعل، ومن ثم احتاج إلى تلك العلاجات، وكيف يتم التفريق بين العلاج الضروري والتدخل الطبي اللازم، وغيره مما يمكن أن يدخل في نطاق التحريض على تغيير الجنس؟
في عهد الإدارة الديمقراطية المنتهية ولايتها، كانت الحكومة الأمريكية تضغط بشدة نحو عرقلة مثل هذه القرارات المعادية للمنطق الليبرالي، التي سعت لتطبيقها ولايات مثل تينيسي، بحجة أنها تمّيز على أساس النوع. المحامية المقربة من الرئيس بايدن إليزابيث برلوغار وغيرها من القانونيين، كانوا قد خاضوا معارك ونقاشات حادة في مواجهة من يقتربون مما يعتبرونه حريات جنسية شخصية. القانونيون، وكذلك مجموعة من المدافعين عن الحق في العبور الجنسي في الولايات المتحدة، وأيضاً في دول أوروبية، يبنون حججهم على وجود أشخاص يعانون من تشوهات، أو مما يسمونه «اضطراب الهوية الجنسية». هذا التبرير يقدم مسوغاً بالنسبة لهم من أجل التدخل وتقديم المساعدة الطبية، ما ينتج في نهاية المطاف ظاهرة «الترانسجندر». هذه القضية توضح أيضاً حجم الاختلافات القانونية بين الولايات الأمريكية المختلفة، ففي حين تبدي بعض الولايات انفتاحاً وتقبلاً، تظهر ولايات أخرى بشكل متشدد ومحافظ. يمكن لكل هذا أن يشرح لنا أسباب حصول الرئيس ترامب، الذي كان من وعوده الوعد بمراجعة مناهج المدارس، على كثير من الدعم من الأقليات العربية والإسلامية، وغيرها من جاليات دول الجنوب، حيث كانت هذه المسألة المتعلقة بتشجيع التحول الجنسي لدى الأطفال والناشئة، وما يترافق معها من دروس إجبارية متعلقة بالثقافة الجنسية، وباحترام الميول المختلفة، من أهم ما يقلق الأهل، خاصة أن التعرض لهذا التأثير يبدأ منذ سنوات المدرسة الأولى.
الأمر لا يتعلق فقط بالمجتمعات الغربية، حيث تواجه مجتمعاتنا أيضاً الكثير من النشاطات والمنظمات، التي تسعى لفرض قيم اليسار الجديد، على اعتبار أنها قيم حضارية عالمية. نادراً ما يخبرنا أولئك الناشطون وداعموهم من مؤسسات وسياسيين أن هذه القيم ليست مقدسة وليست مكان إجماع، حتى في داخل النادي الغربي، فمن المفارقات أن يتم العمل على فرضها في بيئات مختلفة وبعيدة، وفي دول لا يمكن لثقافتها أن تتصالح معها أو أن تتقبلها. تخيل مثلاً، تحت بند الحرية، أن تحاول هذه المنظمات إقناعك بأن تصنيف المولود ذكراً لا يعني بالضرورة بقاءه تحت هذا التصنيف، لأن في هذا تغولاً على حقوقه، وأن عليك أن تنتظر حتى يصبح أكثر رشداً من أجل أن يختار توجهه وفق ما يراه.
كاتب سوداني