صياغة المفاهيم الجمالية بعدسة الإسباني باو أسكيلييس بلو
محمد البندوري
استطاع الفنان باو أسكيلييس بلو أن يثبت فنيا ما تحمله عدسته من تقنيات جديدة في فن التصوير الفوتوغرافي للتدليل على آرائه وتصوراته وفلسفته في التعبير بالصياغة الضوئية، إذ يبدي قدرته الفائقة في توظيف الصورة على عدة مناح، منها التكوين والأداء التصويري والتقنيات والتعبير بما تحمله كل هذه المعالم من مفاهيم وأفكار ورؤى تتجسد في التقنيات التي يستعملها لبعث القيم الفنية والجمالية في الصورة. فهو الذي يجسد كل مقومات الصورة المتكاملة، والمتناسقة في مختلف المضامين التي تنفذ إلى الأعماق، والتي تتضمن القيم الفنية والجمالية. موظفا من خلال الإشارات التي تحتويها أعماله: الأيقونات والتماثليات والمؤشرات التي ترصد العلائق المختلفة بين الدوال والمدلولات. إذ تحضُر الطبيعة الصامتة في أعماله الإبداعية التي يؤسسها على البعد التقني والجمالي، عن طريق إخضاع المادة للتصورات الجمالية، مؤوّلا الفضاءات والمشاهد والطبيعة الصامتة، برؤيته الفنية الفوتوغرافية، إلى منتوج بلاغي جديد، حيث ينطلق من موقع مركَّز لأخذ الواضح، وغير المرئي، ليخرج عن المألوف، وفق مسلك فني تعبيري، يجعله يُعيد تأسيس المشهد، ويمنحه أبعادا ودلالات أخرى، تسمح له بالانفصال عن المشهد الواقعي، والارتماء في المشهد الجمالي الفني، ليمنح القارئ فرصة قراءة أعماله في أبعادها الجمالية والفنية، ومضامينها الفلسفية. فالمبدع يتميز بجودة الالتقاط، والتصوير الدقيق، وصياغة محتوى الصورة في حلة فوتوغرافية فنية تحتوي جهازا مفاهيميا وتعبيريا، وهذا طبعا يتأتى بتوظيف حدس الفنان وموهبته في الإبداع وبعث الجديد، لأن ذاكرته تشتغل في مختبر المواد المختلفة، بتفاصيلها وحيثياتها التي ترسخت في تصوراته، غير مرئية؛ ينسُج منها موقفا أو قضية، ليضع القارئ أمام عوالم استطاعت عدسته أن تلتقطها، بروح فنية عالية، ليُشكّل منها موضوعا أساسيا ورمزيا، إلى أن تكتمل الرؤية التي تقود عمله الفني إلى التعبير الدقيق بعمق تعبيري وثقافي واضح المعالم.
والظاهر في هذه التجربة العالمة، هي تلك الرؤية النقدية التي تحملها أعماله في بُعدها الجمالي والفني والدلالي المستمد من الواقع، وفي اختراقها له بالإحالة عليه، وبصنع مسافة تُغشي المضامين. لكن وحدها الرؤية البصرية النقدية تستطيع تخبير محتويات أعماله، والكشف عن فنية الفنان الفوتوغرافية وابتكاراته التي غالبا ما تقوده إلى أشياء العالم الخفية. فالمبدع يصور وفق المؤثرات الضوئية والوعي بمستويات اللون المطلوبة، التي تتناسب ورُؤاه المعرفية وحسه الإبداعي وذوقه الرفيع، إذ غالبا ما يُخرج مشهدا من بؤرة السواد، دالا على المعنى، باعتباره تلك المادة المستقبلية التي تعود إليها كل المشاهد. فيجعل القارئ يغوص في رحلة فلسفية بين الواقع والصورة، لتشغيل حواسه، وللوقوف عند الرؤية الفنية المضمرة وراء الأعمال، والوشائج التي تجمع بين عناصرها. ويتبدى أن هذه الأعمال التأملية تَعبُر المكان بصمت، لأنها تخضع لأسلوب ممنهج، يفسح المجال لتوظيف المهارات الفنية والتقنية المتفردة، ما يخدم الأهداف ذات الدلالات والمغازي العميقة. لتختلف الصورة كليا عن الصورة المعتادة لما تحتويه من إشارات وعلامات ضوئية وإيحاءات لها تأثيراتها الخاصة ومعاييرها الجمالية النوعية. ما ينم عن أفكار المبدع المتجددة، وخياله المنفتح على مستوى التكوين والإضاءة، ليضع القارئ أمام أعمال تنطق بمعانٍ ودلالات متعددة، غنية بالدلالات في سياق وشائج قائمة بين ما تحمله المضامين والمادة الجمالية في علاقة ترسخ جانبا من التداخل بين المفردات الفنية، وجوهر المادة الفوتوغرافية بكل ما تحمله من معانٍ وتأويلات تميز في عمقها الخطاب الفني.
كاتب مغربي