إيلون ماسك خطر على الديموقراطية الأوروبية؟
إيلون ماسك خطر على الديموقراطية الأوروبية؟
علي عواد
رغم أن إيلون ماسك يُعدّ من أبرز روّاد التكنولوجيا، إلا أن نشاطه الأخير على منصته «إكس» وانخراطه في تعزيز السردية اليمينية أثارا سخطاً عارماً. وتصاعدت الضغوط على الاتحاد الأوروبي لاتخاذ خطوات حاسمة ضد تدخلات ماسك في السياسة الأوروبية، ولا سيما مع استضافته اليوم الخميس، الزعيمة المشاركة لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي المتطرف، أليس فايدل، في بث مباشر «سبايس» على «إكس». أمر أثار انتقادات حادة من قادة الاتحاد الأوروبي والمشرّعين الذين طالبوا المفوضية الأوروبية باستخدام قانون الخدمات الرقمية (DSA) لمحاسبة ماسك، ولا سيما إذا ثبت أن منصته تمنح فايدل ميزة غير عادلة في الانتخابات الألمانية القادمة.
وأكد المتحدث باسم المفوضية، توماس رينييه، أن مسؤولية خاصة تقع على عاتق المنصات الكبرى في ما يتعلق بالمحتوى الذي قد يؤثر في نزاهة العمليات الانتخابية، مشيراً إلى أنّ المفوضية تراقب «إكس» منذ أكثر من عام. وقد عبّر قادة أوروبا عن قلقهم من تدخله في سياسات بلدانهم. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «من كان يتخيل قبل عشر سنوات أن مالك إحدى أكبر الشبكات الاجتماعية في العالم سيتدخل مباشرة في الانتخابات، بما في ذلك في ألمانيا؟»، في حين علّق المتحدث باسم الحكومة الألمانية بأن «الأشخاص الطبيعيين، العقلاء، والمحترمين هم الغالبية الساحقة في هذا البلد»، وأكد أن «تصريحات ماسك… لن تؤثر في بلد يبلغ عدد سكانه 84 مليون نسمة عبر الأكاذيب أو أنصاف الحقائق». من جهته، صرّح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر: «أولئك الذين ينشرون الأكاذيب والمعلومات المضلّلة على نطاق واسع لا يهتمون بالضحايا، بل بأنفسهم»، مشيراً إلى أنّ هذا النوع من الأشخاص يحصل على «متعة غير مباشرة من العنف في الشوارع». أما رئيس الوزراء النرويجي يوناس غار ستوره، فقد أعرب عن قلقه قائلاً: «من المقلق أن يتدخل رجل يتمتع بقدر هائل من الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي وموارد اقتصادية ضخمة بهذا الشكل المباشر في الشؤون الداخلية لدول أخرى». وأضاف: «هذا ليس الشكل الذي يجب أن تكون عليه الأمور بين الديموقراطيات والحلفاء».
أمام هذا الوضع، اعتبر الاتحاد الأوروبي نفسه في مواجهة ما يبدو تهديداً لنزاهة العملية الديموقراطية. ووفقاً للتقارير، قد يجد ماسك نفسه في مواجهة غرامات باهظة تصل إلى 6% من الإيرادات العالمية لشركته إذا ثبتت مخالفته لقانون الخدمات الرقمية (DSA) الذي يعد أداة أساسية لتنظيم عمل المنصات الاجتماعية الكبرى وضمان التزامها بالشفافية في أوروبا، وخصوصاً في حال التأثير في الانتخابات الألمانية. وأثار قرار ماسك باستضافة أليس فايدل غضب قادة الاتحاد الأوروبي والمشرعين، الذين حثوا بروكسل الاثنين الماضي على استخدام كامل قوتها القانونية لكبح جماح الملياردير وقطب التكنولوجيا. لكن إحدى القضايا الرئيسية التي تواجهها بروكسل هي كيفية تحديد ما إذا كانت الخوارزميات التي يديرها ماسك تقدم «ميزة غير عادلة» لجهات معينة على حساب منافسيها. تصريحات النائبة الألمانية ألكسندرا جيس أبرزت هذا التحدي، إذ فرّقت بين حرية التعبير وبين «التلاعب الخوارزمي» الذي قد يؤدي إلى تضييق مساحة الأصوات التقدمية.
يتزامن هذا التصعيد مع انخراط ماسك في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فقد أظهر أنه يلعب دوراً مركزياً كمستشار ووسيط دولي غير رسمي، بما في ذلك اجتماعاته مع زعماء عالميين. هذه العلاقات تضع الاتحاد الأوروبي أمام معضلة جيوسياسية. بالتوازي مع التحديات التقنية والقانونية، من غير الواضح مدى استعداد بروكسل لمواجهة تصعيد محتمل مع واشنطن الترامبية. وقد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في مواجهة مع الإدارة الأميركية الجديدة إذا جرى اتخاذ إجراءات صارمة ضد ماسك.
في ظل صعود «النظام الرقمي» (الأخبار 28 كانون الأول/ ديسمبر 2024) الذي بدأ يُحكم قبضته على مفاصل سياسية أساسية في العالم، تواجه الديموقراطيات تحديات غير مسبوقة تتمثل في التعامل مع نفوذ التكنولوجيا المتصاعد، الذي يتجاوز الإطار الاقتصادي ليصبح لاعباً رئيسياً في الساحة السياسية. هذا النفوذ يبرز عبر منصات التواصل الاجتماعي التي أضحت أدوات مؤثرة قادرة على تشكيل الرأي العام وحتى التأثير في نتائج الانتخابات.
يسعى الاتحاد الأوروبي، الذي يملك واحداً من أكثر الأطر التنظيمية تطوراً في العالم، إلى إيجاد توازن بين الحفاظ على حرية التعبير وضمان النزاهة السياسية. مع ذلك، فإن تنفيذ هذه القوانين يواجه تحديات كبيرة، خاصة عندما يكون المتحكمون بهذه المنصات شخصيات نافذة مثل ماسك، الذي استطاع دمج سلطته الاقتصادية والتكنولوجية مع تأثيره السياسي.
السؤال الجوهري هنا: كيف يمكن للديموقراطيات التقليدية التكيّف مع هذا النظام الجديد؟ هل ستكون قادرة على فرض سيادتها على الفضاء الرقمي كما فعلت عبر التاريخ مع المؤسسات التقليدية؟ أم أن هذه التحولات تتطلب إعادة تعريف لأسس الديموقراطية نفسها في عصر البيانات والخوارزميات؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة ستحدد ليس فقط مستقبل الديموقراطية في أوروبا، لكن أيضاً في العالم بأسره. ستكون تجربة أوروبا في هذا المجال نموذجاً أو درساً. ما سيحدث في الأشهر والسنوات القادمة سيكشف ما إذا كانت الديموقراطيات قادرة على مواجهة هذا التحدي الجديد أم أنها ستخضع هي أيضاً لقوة «النظام الرقمي» المتصاعدة.