70 ألفاً… بحث: عدد القتلى في قطاع غزة يفوق ما نشرته حماس
70 ألفاً… بحث: عدد القتلى في قطاع غزة يفوق ما نشرته حماس
نير حسون
عدد القتلى في القطاع منذ بداية الحرب أعلى بكثير من العدد الذي يظهر في بيانات وزارة الصحة الفلسطينية التابعة لحماس. هذا ما يتبين من تحقيق جديد نشر الجمعة الماضي في مجلة “لانست”. تقدير وزارة الصحة الفلسطينية المحدث يفيد بمقتل 45.541 شخصاً في القطاع منذ بداية الحرب، إضافة إلى حوالي 10 آلاف مفقود، الذين ما زالوا تحت الأنقاض. وحسب الباحثين في مدرسة الصحة والأمراض الاستوائية في لندن، فإن بيانات وزارة الصحة الفلسطينية هي بالفعل بيانات الحد الأدنى، أما عدد القتلى فأعلى بكثير.
في تشرين الأول، نشرت وزارة الصحة قائمة أسماء تشمل 40.717 اسماً. وفي ظل غياب أي عدد آخر أو أي أدلة تدحض بيانات وزارة الصحة، فإن المؤسسات الدولية والحكومات الأجنبية والصحف العالمية تضطر إلى الاستناد إليها. ورغم ذلك، اعتادت جهات إسرائيلية على نفي تقديرات وزارة الصحة التابعة لحماس بشكل ثابت بذريعة أنها منحازة.
حسب الباحثين في مدرسة الصحة والأمراض الاستوائية في لندن، فإن بيانات وزارة الصحة الفلسطينية هي بالفعل بيانات الحد الأدنى، أما عدد القتلى فأعلى بكثير
حرب 7 أكتوبر هي جولة القتال الأولى التي لا يحصى فيها عدد الضحايا الفلسطينيين بشكل رسمي. الرقم الوحيد الذي ينشره الجيش الإسرائيلي يفيد بمقتل نحو 14 – 17 ألف مخرب منذ بداية الحرب. وحسب موقع الجيش الإسرائيلي، فإن 14 ألف مخرب قتلوا باحتمالية مرتفعة، وحوالي 3 آلاف باحتمالية متوسطة – منخفضة. هذا الرقم لم يتغير منذ آب رغم اشتداد القتال في الأشهر الأخيرة، ومقتل عشرات الأشخاص كل يوم في القطاع. الجيش الإسرائيلي لا يعطي بيانات حول المدنيين غير المتورطين الذين قتلوا في الحرب.
يرتكز التحقيق الحالي على تحليل ثلاث قوائم للقتلى: قائمة وزارة الصحة الفلسطينية، الاستطلاع الذي أجرته وزارة الصحة الفلسطينية في أوساط سكان القطاع بواسطة إرسال نماذج رقمية، وجمع أسماء القتلى من خلال التعازي في الشبكات الاجتماعية، في حين حلل الباحثون التشابه بين القوائم الثلاث بطرق إحصائية. “إذا كان هناك تشابه كبير بين القوائم الثلاث فيمكن الاستنتاج بأنه لا يوجد الكثير من الأشخاص الذين لم يتم ذكرهم في القوائم. أما إذا كان التشابه قليلاً فيمكن الاعتقاد أن هناك الكثير من الأشخاص الآخرين لم يظهروا في هذه القوائم”، أوضح للصحيفة البروفيسور فرانسيسكو تشيتشي، الخبير في علم الأوبئة والصحة والذي وقع على البحث.
وفحص البحث أيضاً الأشهر الثمانية الأولى للحرب، واستنتج بأن عدد القتلى الفلسطينيين أعلى 41 في المئة من التقديرات التي نشرتها وزارة الصحة في غزة في نهاية حزيران، التي بحسبها بلغ عدد القتلى 64.260. مع ذلك، لم يتضمن التحقيق سوى القتلى الذين قتلوا في الهجمات، دون التطرق إلى القتلى نتيجة الجوع أو الأمراض أو البرد. ولم يتطرق التحقيق أيضاً إلى تسجيل حالات الوفاة، لكن الباحثين يقدرون أن عدد القتلى في القطاع الآن 70 ألف شخص تقريباً. “يشير التحليل إلى أن التطرق لبيانات وزارة الصحة هو كتقدير أدنى بسبب عدم وجود إبلاغ”، كتب الباحثون.
في الإجابة على سؤال: أين هم جميع هؤلاء القتلى؟ أجاب تشيتشي بأن عدد الجثث تحت الأنقاض أو في مناطق لا يمكن الوصول إليها أعلى بكثير مما تقدر وزارة الصحة. إضافة إلى ذلك، ربما هناك الكثير من العائلات التي قتلت بالكامل ولم يبق منها من يبلغ عن حالات الوفاة. “من التجربة في نزاعات أخرى في العالم، فمن غير المستبعد أن التسجيل مشوب بالنقص. بل بالعكس، ما نشاهده في معظم الحالات هو أن عدد القتلى، لا سيما والمنظومة الصحية مدمرة، أعلى مما يسجل أثناء المعارك”.
لم يتضمن التحقيق سوى القتلى الذين قتلوا في الهجمات، دون التطرق إلى القتلى نتيجة الجوع أو الأمراض أو البرد
حسب تشيتشي، فإن القتل في غزة استثنائي مقارنة مع نزاعات أخرى في العالم، حتى في نسبة الوفيات، 3 في المئة من السكان، بوتيرة الوفاة أو في العدد الكبير جداً من النساء والأطفال الذين قتلوا في الهجمات بشكل مباشر. يتضح من البحث أيضاً أن رجالا وشبابا في غزة في حالة خطر كبير للوفاة مقارنة بنصيبهم في السكان. مع ذلك، حوالي 59 في المئة من القتلى من النساء والأطفال تحت سن 18 سنة وكبار سن فوق سن 65. “كنت في الميدان في دارفور في 2004، شاهدنا هناك مستوى عالياً جداً من الوفيات نتيجة الصدمة، لكنها كانت تتركز في أوساط كبار السن. كانت وفاة الأطفال بالأساس بسبب المرض”.
توجهت “هآرتس” إلى الخبراء غير المرتبطين بالبحث لإعطاء رأي حول نتائجه. وقالوا إن طريقة قياس الباحثين هي الطريقة السائدة في مجال النزاعات العسكرية. البروفيسور مايكل شباغت، الخبير الدولي في الوفيات في النزاعات العنيفة في جامعة لندن، قال إن أسلوب الإحصاء الذي استخدمه الباحثون طبق في السابق في نزاعات أخرى. “في كوسوفو، حصل هذا الأسلوب على نجاح، أما في البيرو ففشل هذا الأسلوب، لكن هذا البحث هو نتيجة جهود جدية، ولا يمكن نفيه بسهولة. أعتقد أن التقديرات الأساسية التي استند إليها الباحثون موثوقة”، قال.
المؤرخ الدكتور لي مردخاي من الجامعة العبرية، الذي يكتب ويتابع التقارير التي تأتي من غزة عن كثب، قال إن “الحديث يدور عن تقدير موثوق جداً من ناحية منهجية بخصوص تقديرات الوفاة الفلسطينية من بين كل ما نشر حتى الآن. سيبقى هذا التقدير في الخطاب حتى لو ظهرت تقديرات أخرى”. مع ذلك، أشار مردخاي إلى مشكلة محتملة، وهي أن القوائم ترتكز إلى منشورات في الشبكات الاجتماعية، ما قد يفوت سبب الوفاة وشمل الأموات الذين لا يقتلون في المعارك. “هناك معلومات كثيرة ناقصة، وهم يستخدمون الإحصاء من أجل استكمالها، لكن حسب معرفتي، فهذا معياري أو حتى فوق معياري”، قال.
البروفيسور نداف دافيدوفيتش، عالم الأوبئة في جامعة بن غوريون ورئيس قسم السياسة الصحية في مركز “تاوب”، قال إنه “حسب النظرة العلمية، هذا الأمر مشروع، لكن قد يظهر انحياز هنا. وسبب الوفاة ليس معروفاً دائماً، وربما يثور سؤال: هل جميع القتلى قتلتهم إسرائيل، أم أن هذا العدد يشمل أيضاً قتلى على يد حماس؟”، شرح. وحسب قوله، “بالإجمال، المقال يظهر أن حالات الوفاة والمرض في غزة مأساوية، وأن جهاز الصحة هناك في وضع كارثي. لا نريد التنافس حول ما إذا كان أفضل أو أسوأ من الوضع في السودان. يبدو أننا لن نعرف الأعداد الحقيقية ذات يوم. لصالح دولة إسرائيل، لا سيما إذا كانت تريد رؤية نفسها دولة متقدمة، لا يمكنها الوقوف مكتوفة الأيدي، بل عليها العمل مع المجتمع الدولي لإعادة بناء جهاز الصحة في غزة. لا يمكن فصل ذلك عن القرارات السياسية حول اليوم التالي. يجب إنهاء الحرب وإعادة المخطوفين”.
هآرتس 12/1/2025