بعض أسباب سقوط النظام السوري ! د.محمدعياش

بعض أسباب سقوط النظام السوري !
د.محمدعياش – كاتب وباحث سياسي
سُئل أحد حكماء الدولة الأموية عن سبب سقوط دولتهم وخصوصا في الديار الأندلسية، فأجاب أننا قرّبنا البعيد لنيل وده، وبعدّنا القريب مع ضمان ولائه، وفي النهاية غدر فينا البعيد، وخسرنا ولاء القريب !
بعد أربعة وخمسون عاماً من حكم عائلة الأسد الأب والابن، انطوت صفحة مظلمة من الظلم والجور والعسف بالشعب العربي السوري، الذي تنفس الصعداء، من أقسى أنواع الحكم على مر التاريخ، إذ كان النظام البائد يستثمر في كل شاردة وواردة لتثبيت حكمه بشتى الوسائل حتى لو تحالف مع الشيطان، وهذا ما فعله عندما استعان بإيران على قتل الشعب السوري، إذ تتحمل إيران وميليشياتها مسؤولية قتل العديد من السوريين وذلك على رافعة الطائفية البغيضة المقيتة وجاؤوا تحت رايات ومسميات، فاطميون، زينبيون، أبو الفضل العباس، والكثير من التسميات والرايات، بالإضافة لحزب الله اللبناني الذي عدّ الطريق إلى القدس يمر من القصير حمص وبقية المدن وتصريحات الأمين العام الراحل حسن نصرالله، التي وعد السوريين بمزيد من المقاتلين، حتى لو أمكن له هو أن يكون في عداد المقاتلين في الجبهة السورية.
أخطأ الأسد الابن عندما قامت المدن السورية ضده، وعدهم مؤدلجين خارجيا وينفذون أجندة صهيونية، تصب في مصلحة الامبريالية العالمية، واستهتر كثيرا بالمطالب الشعبية بالحرية والكرامة والعدالة وتوزيع الثروات بالتساوي على الشعب الفقير، واستقوى بروسيا عام 2015 عندما عجزت ميليشيا إيران وحزب الله من زحف الثورة ووصولها إلى تخوم دمشق العاصمة، واعتبر المتظاهرون بأنهم جهلة لا يعرفون ماهية الحرية، وبالتالي فإن القدر الإلهي خصّ الأسد وعائلتة بالفهم والعبقرية لإدارة البلاد والعباد، ومن يرفض الانصياع والخضوع عدّهُ خائن للبلد وللهوية الوطنية، وفي تسويفة غريبة عجيبة اعتبر من يدافع معه ويقتل شعبه هو من يستحق أن يكون سورياً بغض النظر عن جنسه وأصله وأعطاها عنواين براقة كالانسجام والهارمونيا والتجانس وغيرها من تصريحات فلسفية تنشطر وتتشظى على مسامع الجمهور حتى لا يدرك الحقيقة الساطعة أن هذا الرئيس مستعد لترحيل شعب بأكمله واستبداله بمرتزقة وأفاقين ولصوص، والمهم عنده أن يبقى رئيس مدى الحياة وتسليم الراية فيما بعد لابنه وهكذا تبقى سوريا الأسد إلى الأبد!
هناك نصيحة قدمها الأسد الأب للابن مفادها، أن أكون مرهوباً أفضل من محبوباً، وهذه النصيحة عمل بها الأسد الابن بكل طاقاته، ولم يسلم منه حتى زوج أخته العماد آصف شوكت، عندما قرر أن يغتال خلية الأزمة التي تتألف من بعض الوزراء وقيادات حزبية رفيعة المستوى ومن بينهم المسؤول عن التشييع الإيراني في سوريا اللواء هشام بختيار، وعُرفت بتفجير مبنى الأمن القومي السوري 18تموز/ يوليو 2012 بعد أن رأووا عقماً واضحاً منه، وبالتالي قرروا أن يقودوا البلاد إلى برّ الأمان، إلا أنه باغتهم جميعاً وقتلهم ولم يسمح لأي وسيلة إعلامية أن تعرف ما الذي حصل .
مؤشرات كثيرة أرسلتها روسيا تدل على امتعاضها من القيادة السورية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، منع العسكري الروسي الأسد من مرافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما توجه لإلقاء كلمة في القاعدة الروسية حميميم تماشيا مع البروتوكلات الدولية، وقبلها الكرسي المنخفض لوزيردفاعه، وعدم ظهور العلم السوري في كثير من المناسبات، وآخرها الفتور الواضح من بوتين في اللقاء الأخير غداة سقوط حلب بيد ادارة العمليات العسكرية .
إيران دمرت الاقتصاد السوري في أكثر من مواضع، إذ كان لها اليد الخفية بتوقيف بعض المعامل التي تعتمد سوريا عليها لخدمة مواطنيها مثل معملي زجاج دمشق وحلب، وذلك عبر إنشاء معامل بديلة عنها وبسعر أرخص وبروتوكلات سهلة في البيع والشراء الأمر الذي أدى لتوقف المعملين بعد أن كانوا رافداً اقتصاديا مهما لخزينة الدولة، وهناك الكثير من الأمثلة لايتسع المقال لذكرها، بالإضافة إلى وضع يدها بالمطلق على وزارة الصناعة، إذ أصبح الوزير السوري يأخذ تعليماته وتوجيهاته من وزير الصناعة الإيراني، ناهيك عن عدم تدخلها بتوفير الطاقة بكل مجالاتها إلا فقط فيما يخص الجيش وأجهزة المخابرات التي تضمن الولاء المطلق لها، بينما كافة الشعب اكتوى بنار الغلاء والوباء وارتفاع الأسعار ومنافسة الحيتان البشرية عليه!
الخطأ الرئيس الذي عجل بنهايته هو، مراوغته وتنصله من التفاهمات والاتفاقيات، فبعد إعادته للجامعة العربية، وموافقته المبدئية على خطة، خطوة مقابل خطوة، شعرت بعض الدول العربية بنيته بالأخذ لا العطاء وتخذيرهم واللعب على المتناقضات، في الوقت ذاته كان يعد إيران بالمزيد من الامتيازات والاستثمارات.. هذا الثلاثي الداعم، تخلى عنه في الوقت الذي كان من المفروض أن يشاركهم بأفكارهم وخططهم المستقبلية، وقصته تشبه الراعي والذئب الذي أراد امتحان محبة أهله له واستجابتهم له عند تظاهر بهجوم الذئب مرتين والثالثة كانت صحيحة ولكن فقدوا الثقة باستغاثته .
الشعب السوري لم ولن يكن طائفياً بالمطلق، وهناك الكثير من المواقف والأحداث أثبتت ذلك، ابتداءً من فارس الخوري وانتهاء بتعيين مسيحي محافظا لأكبر مدينة اقتصادية في سوريا حلب، ومرورا ًأتركها لكم بالبحث. والتخويف والترهيب الذي مارسه الأسد الابن والأب قبله اكذوبة لتثبيت موقعهم ومكانتهم، وأعتقد جازماً أن طائفته كانت تدرك ذلك من خلال حالة التعايش والممارسة اليومية مع أبناء البلد الواحد، وبالتالي استنفد كل أوراقه الخادعة ولم يبق له إلا الفرار كالجرذ في آخر الليل .