مقالات

ما المخاوف المصرية من الواقع الجديد في سوريا؟

ما المخاوف المصرية من الواقع الجديد في سوريا؟

مثنى عبد الله

تتقاطر الوفود الرسمية العربية والأجنبية على سوريا، للقاء القيادة الجديدة والتعرف على توجهاتها السياسية والأمنية، إلا إن مصر وهي فاعل كبير في المنطقة العربية، وكانت وسوريا ضمن دولة واحدة في النصف الثاني من خمسينيات القرن المنصرم، ما زالت تتوجس من الانفتاح على السلطة الجديدة في دمشق. لذلك كان تواصلها مع القيادة الجديدة متأخرا، حتى إن وزير خارجيتها اتصل بنظيره السوري الجديد بعد ثلاثة أسابيع من سقوط الأسد. في حين كان موقف دول الخليج العربي والأردن لافتا ومُسرعا في التواصل، وتقديم المساعدات، مع ذلك حطت طائرة شحن مصرية في مطار دمشق حاملة أولى المساعدات الإنسانية في الرابع من الشهر الجاري.
عادة ما يكون التأخر في الانفتاح على الآخر في العلاقات الدولية يعكس حالة من الحذر والخوف، في حين أن التواصل يعطي فكرة أن الطرف المُبادر يعي أن هنالك حقائق جديدة ينبغي التعامل معها كي لا تسبقه الأحداث، والتواصل بين الدول وسيلة مهمة لتهدئة المخاوف، وربما حتى الحصول على ضمانات من الطرف الآخر.
صحيح حصل تواصل هاتفي بين وزير خارجية مصر ووزير الخارجية السوري في القيادة الجديدة، لكن مؤشر هذا الاتصال يؤكد المخاوف بصورة واضحة، فرئيس الدبلوماسية المصرية يتحدث عن أن التغيرات التي يجب أن تحصل في سوريا لا بد أن تتم من الداخل، ولا بد أن تكون تغيرات وطنية، ومن دون إملاءات خارجية، كما يجب أن تشمل كل مكونات وأطياف المجتمع السوري، بالتالي هذا الكلام يعكس أن المخاوف المصرية موجودة.. وهنا لا بد من القول إن مخاوف مصر ليس لها تأثير على سوريا، لأنه ليس لدى مصر حضور فاعل على الأرض، فهي لا تؤثر على فصيل معين ولا على قوة داخلية، بحيث تكون لها ورقة ضغط، لذا يبدو أنها تحاول الحصول على ضمانات، رغم أنها تعرف أن الضمانات في السياسة الدولية من غير أوراق ضغط لن تكون ذات فاعلية كبيرة. لكن ما مؤشر في الأروقة السياسية والإعلامية المصرية اليوم، هو الحديث عن أن هنالك مجموعة عوامل أدت إلى تأخر الجانب المصري في التواصل مع القيادة الجديدة في سوريا، ويعزون ذلك إلى أن العلاقات بين البلدين قبل الإطاحة ببشار الأسد كان شقها الأساسي أمنيا، حيث كانت هنالك زيارات لعلي مملوك رئيس جهاز المخابرات السوري السابق إلى مصر، ولقاؤه برئيس المخابرات المصرية، أي أنه كان هناك تنسيق أمني بين الطرفين، خصوصا في ملف الإخوان المسلمين، وبما أن القيادة السورية الجديدة تحمل طابعا موصوفا بالإسلام السياسي، فقد تأخرت مصر في الانفتاح عليها. ويقولون أيضا إن أحد الشخصيات المصرية المتهم بقضايا جنائية والموجود خارج مصر، ظهر في صورة فوتوغرافية مع أحمد الشرع. وشخص آخر ظهر في فيديو وهو يُحرض على القيادة المصرية أثناء زيارته لدمشق. وشخص ثالث تم منحه رتبة عقيد في الجيش السوري وهو أيضا مطلوب في مصر، ويزعمون أن كل هذا زاد الطين بلّة وجعل مصر تتريث في الانفتاح بشكل كبير على سوريا أسوة بدول عربية أخرى. في حين أن أحمد الشرع أشار بشكل واضح، إلى أن هذه المؤشرات لن تجعل سوريا تتدخل، أو تكون ممرا لأي مواقف سياسية ضد الدول العربية، ثم جاءت تصريحات أسعد الشيباني وزير الخارجية السوري الجديد، تؤكد محورية مصر ودورها السياسي.

المصلحة السياسية والجيوسياسية تتطلب أن تكون مصر وسوريا على درجة عالية من التنسيق، لكن للأسف تسيطر على العقلية السياسية العربية مسألة المخاوف الأمنية، فيما تبقى التهديدات الاستراتيجية غائبة عن الحسابات

يبدو أن المشكلة الحقيقية هي أن الجانب المصري متلبّس بعقدة المخاوف الأمنية، خاصة المتعلقة منها بمسألة الإخوان المسلمين، كما ينظر إلى الإدارة السورية الجديدة من منطلق الخلاف المصري التركي المتعلق بهذا الملف، على اعتبار أنها مدعومة من أنقرة، في حين كان على مصر أن تفكر بالجوانب الاستراتيجية التي هي أكبر من المخاوف المتعلقة بفصيل سياسي تعاديه. كما كان يُفترض بها أن تهتم بمسألة تمدد نفوذ دول أخرى في سوريا، وأن تتوجس أكثر فأكثر من تمدد النفوذ الإسرائيلي واحتلاله أراضي سورية أخرى. فهذه كلها يمكن أن تشكل أدوات ضغط خارجية على النظام السوري الجديد، للوصول إلى ترتيبات معينة تخدم مصالح هذه الأطراف، خاصة أنه في مرحلة الولادة الجديدة وأمامه عقبات داخلية كُبرى في شتى المجالات، وكل هذه النقاط تخل بالميزان الاستراتيجي في المنطقة العربية إن حصلت، بل تهدد بصورة مباشرة الأمن الإستراتيجي لمصر نفسها، وعليه فالمصلحة السياسية والجيوسياسية تتطلب أن تكون مصر وسوريا على درجة عالية من التنسيق، في كل المجالات وسيكون منها المجال الأمني أيضا، لكن للأسف تسيطر على العقلية السياسية العربية مسألة المخاوف الأمنية، فيما تبقى التهديدات الاستراتيجية غائبة عن الحسابات.
أما كيف تنظر القيادة السورية الجديدة إلى هذا التحفظ المصري، فهي ومنذ البداية كانت منفتحة على جميع الاتجاهات العربية والدولية، ويبدو أنها تتفهم الخطوات المتأنية من الجانب المصري تجاهها، بل إنها تتحدث عن أن هنالك إشارات إيجابية من القاهرة من خلال استمرار بعثتها الدبلوماسية العمل في دمشق. كما إن لقاء وزير الخارجية المصري بنظيره الصيني اللذين أكدا فيه دعم المرحلة الانتقالية في سوريا، تعتبره القيادة السورية خطوة داعمه لها. أيضا تؤكد السلطات السورية على أن علاقتها الجيدة بتركيا لا تعني أنها غير منفتحة على الآخرين، والدليل على ذلك الوفود العربية التي تقاطرت على دمشق من دول عربية ليست محسوبة على المحور التركي، وكل هذه المؤشرات تؤكد أن هذه القيادة قدمت ضمانات كافية بأنها تسير في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك يبقى التحليل السياسي يقول، إن هنالك قلقا مصريا من تركيا أكثر منه قلقا من سوريا. وهذه الأخيرة مجرد عنوان يختبئ خلفه القلق الحقيقي لصانع القرار السياسي المصري، فلطالما تصارعت مصر على النفوذ الإقليمي مع تركيا، كما زاد قلقها مؤخرا في ما لم ينتبه اليه الكثيرون، وهو الوساطة التركية في التقريب بين الإثيوبيين والصوماليين، وفض الخلاف الذي كان بينهما، ثم تبع ذلك إنجاز دبلوماسي وجيوسياسي تم للأتراك بسقوط نظام الأسد.
يقينا أن مصر تتخوف من أن تكون الحالة السورية مُلهمة لبعض الشرائح المجتمعية المصرية، لكن كلام أحمد الشرع كان واضحا في عدم وجود فكرة تصدير الثورة السورية إلى الآخرين.

كاتب عراقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب