كتب
مفهوم التوتاليتارية ( الحلقة 1 – 4) قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي (1)
قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي (1)
مفهوم التوتاليتارية ( الحلقة 1 – 4)
قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي (1)
في خطاب القاه موسوليني في 22 حزيران 1925، من ضمن حملة مركزة كان يشنها على معارضيه، وصف الإرادة الفاشية بأنها عنيفة ومصممة وبأنها إرادة كلية. وفي خطاب آخر ألقاه في 28 تشرين الأول من العام نفسه قال في سياق شرحه للمفهوم الفاشي للدولة : ” إن كل شيء في الدولة، لا شيء خارج الدولة ، ولا شيء ضد الدولة”. ويلخص هذا الوصف تلخيصا صحيحا مفهوم الدولة الكلية ، كما نجده عند موسوليني وسواه ممن نظروا إلى الدولة والسياسة بهذا المنظار .
وبالرغم من أن الكلية ظاهرة خاصة بالقرن العشرين ارتبط نشوؤها وتطورها ارتباطا وثيقا بالفاشية وبالقومية الاشتراكية أو النازية، فإنها تمثل نمطا معينا من التفكير والتصرف ونظرة محددة إلى الإنسان والسلطة والسياسة والدولة والمجتمع . إذ إن هناك إشكاليات عديدة حول ماهية هذا المفهوم .
وكما ان إدخال كلمة ديمقراطية اليونانية الأصل إلى اللغة العربية كان مبررا ومفيدا فإن إدخال كلمة توتالية اللاتينية الأصل إلى اللغة العربية قد يكون كذلك مفيدا. وفي الواقع ان كلمة توتاليتارية أصبحت تستعمل في العربية صفة تطلق على أنظمة حكم معينة واحيانا على فلسفة محددة .
لذا سنحاول في عرضنا للنمط التوتالي في الحكم إبراز خصائص التوتالية التي تميزها عن مختلف انواع الديكتاتوريات التقليدية . وفي الواقع إن السبب الرئيسي لشيوع استعمال مفهوم التوتالية وتداوله هو ظهور أحزاب وأنظمة حكم تسلطية تتميز وتختلف عن كل ما سبقها. من هنا كانت الحاجة إلى تصنيف جديد بالرغم من أن التاريخ يحفل بشتى انواع الاستبداد والتسلط . ولعل افضل نهج نتبعه في محاولتنا تعريف التوتالية وإبراز خصائصها المميزة هو النهج الذي يعتمد العودة إلى التاريخ ودراسة ما يصح تسميته ” النماذج التوتالية الأصلية”. ويجمع الباحثون، من مؤرخين وعلماء سياسة وفلاسفة ، على اعتبار الفاشية في إيطاليا والقومية الاشتراكية في ألمانيا النموذجين التوتاليين الأصليين ، ويضيف بعض هؤلاء نموذجا ثالثا هو الاتحاد السوفيتي تحت حكم ستالين . لكننا سنركز على نمطي الحكم الفاشي والقومي الاشتراكي ونعرض لاحقا لبعض الاشكالات التي تبرز عن اقحام نظام الحكم الشيوعي معهما .
لقد نشأ الفكر التوتالي وازدهر في أوربا بعد الحرب العالمية الأولى في أجواء متازمة يشوبها شعور مرير بالغبن ورغبة عارمة في تكثيف الجهود وتوحيدها لتصحيح الأمور وإزالة الحيف كي تسترجع الأمة كرامتها وتفرض ارادها على كل ما عداها. ولم تكن اي حركة إصلاح محدودة لتفي بالغرض، فالرغبة هي في إصلاح جميع المؤسسات وإعادة بناء المجتمع بأكمله . وقد ولد الشعور بأهمية هذا الإصلاح الجذري قناعة بضرورة سيطرة الحاكم القائد ، و المنقذ، والمصلح، على المجتمع ومقدراته سيطرة تامة وولد استعداد لدعم سلطة مركزية قوية تعيد بناء المجتمع وتوحده.
يستطيع المتتبع لسير موسوليني وهتلر وستالين ان يرى تشابها في كيفية وصول كل واحد منهم إلى السلطة وفي كيفية تصرفه بعد وصوله إليها وتحكمه في زمامها. كما أن المراقب يكشف صفات مشتركة لأنظمة الحكم الثلاثة التي نشأت في ظل كل واحد من هؤلاء القادة . ويمكننا ان نعرف نظام الحكم التوتالي ( ومن خلاله مفهوم التوتالية) بعرضنا لأهم هذه الخصائص المشتركة فنقول إن النمط التوتالي في الحكم يعتمد الحزب الواحد بزعامة قائد واحد سلطة مطلقة . ويحيط بهذا القائد نخبة من الأعوان تأتمر بإمرته وتواليه ولاء مطلقا . كما أنه يغلب ان يكون للحزب ايديولوجية رسمية وهدف غالبا ما يحدد بوضوح كالتصنيع أو السيادة العرقية . ويتوسل الحزب التكنولوجيا لاستحداث أساليب الدعاية والاقناع والاكراه حتى يلتزم الجميع بأيديولوجية الحزب ويمارسوها ، وتستقطب كل الطاقات من أجل تحقيق الأهداف التي حددها القائد ، ويظل المجتمع في حالة تعبئة شاملة ومستمرة . كما أن الحكم التوتالي يسيطر على الاقتصاد ويوجهه، ويسيطر كذلك على القوى المسلحة ، وعلى وسائل الاتصال العامة. وتهتم السلطة التوتالية بمختلف نواحي الحياة وتحاول ضبط المجتمع بكامله وتسيره حسب غايات الحزب، وهي تحد الحريات أو تلغيها وتحارب كل نوع من انواع المعارضة وتسيطر على جميع وسائل الإعلام تمارس رقابة صارمة على الصحف والاذاعات ودور النشر ودور السينما . ومن أجل تحقيق كل هذا لا تترد السلطة التوتالية في استعمال العنف والإرهاب.
يتبع..
المصدر :
(1) الموسوعة الفلسفية العربية المجلد الثاني ص 400، 401، 402، معهد الإنماء العربي.
2025 /01 /17