مقالات

مفهوم التوتاليتارية ( الحلقة 3 – 4) قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي

قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي

مفهوم التوتاليتارية ( الحلقة 3 – 4)
قراءة وتلخيص : علي رهيف الربيعي
وسلطة القائد في النمط التوتالي تطغى ليس فقط على القانون بل على المؤسسات كذلك بما فيها مؤسسات الحزب ثم الدولة ثم المجتمع. ومتى تم للقائد ذلك تصبح سيطرته كلية ويخضع الجميع لإرادة شخص واحد . فمدى كلية السيطرة هو إذن مقياس النجاح بالنسبة إلى القائد التوتالي . وإذا عدنا إلى النماذج الأصلية المتمثلة في موسوليني وهتلر وستالين ، نجد نموذج السيطرة الكلية في ذهن كل واحد من هؤلاء القادة، لكن نسبة النجاح في التطبيق تفاوتت ، فكان حظ هتلر وستالين من النجاح اوفر بكثير من حظ موسوليني . واخفاق موسوليني في تطبيق النموذج التوتالي في ممارسة السلطة يعود بالدرجة الأولى لاضطراره إلى السماح لمؤسسات في الدولة وفي المجتمع ، خصوصا الكنيسة ، مشاركة السلطة . فالقائد التوتالي الناجح يلغي كل سلطة ما عدا سلطته ، وهذا الالغاء يشمل ليس فقط المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية إنما يتعداها ليشمل المؤسسات الروحية والأخلاقية والتربوية . وبديهي ان عدم فرض القائد التوتالي سلطته كاملة على المجتمع ليس نتيجة احترامه ، ولو جزئيا ، للقانون أو حرصه على المؤسسات وإنما هو دليل عجزه وقصوره.
ومن المهم ان نلاحظ انه بالرغم من تعاظم قوة الحزب في النظام التوتالي وسيطرته على مختلف مناحي الحياة في المجتمع فقد بقيت السلطة ، فعليا ، سلطة أفراد لا سلطة مؤسسات . واعتمدت سلطة هؤلاء الأفراد اعتمادا تاما على استمرار تأييد القائد لهم وعطفه عليهم ، فكانت الحضوة بدلا من الأصالة أو الجدارة أو الحق أساس سلطتهم وشرط ممارساتها. والجدير بالذكر أيضا ان سيطرة القائد التامة ليست الخاصة المحددة لنظم الحكم التوتالية فحسب ، بل إنها كذلك نقطة ضعفها الأساسية. فاستمرارية النظام التوتالي تعتمد كليا على استمرار فرد إذ يزول النظام بزوال القائد . من هنا خطأ اعتبار نظام الحزب الواحد دليلا كافيا على قيام نظام حكم توتالي . فالحرب الواحد قد يكون قائما على مبادئ وقوانين ومؤسسات واضحة تحمي الدولة والمجتمع من نزوية الأفراد وتقلباتهم.
كما أنه من الخطأ الاعتقاد ان التوتالية هي سيطرة الدولة على المجتمع لأن الدولة ومؤسساتها غالبا ما تكون ضحية النمط التوتالي الأولى . فالقائد التوتالي بإلغائه حكم القانون يلغي الدولة ومؤسساتها . ذلك ان الدولة هي مجموعة مؤسسات وأعراف وأنظمة وقوانين وإدارات نشأت جميعها وتطورت عبر الزمن ، وهي غالبا ما تكون حجر عثرة في طريق تسلط القائد التوتالي وأعوانه في الحزب . وهذا لا يعني، طبعا، أن الدولة لا تتسلط، غير ان الدولة المتسلطة وإن حدت من حرية الفرد فهي لا تلغيها . أما القائد التوتالي فيلغي كل إرادة ما عدا ارادته ، ويصبح بحكم الملغى كل عرف وكل تقليد وكل قانون.
كما أن ظروفا مرحلية معينة قد تجعل السيطرة التوتالية على المجتمع أمرا ممكنا . ففي نماذج التوتالية خاصة النموذج الألماني نجد أن أجواء التحضير للحرب ، ثم الحرب نفسها ، ساهمت في إضعاف الدولة وأجهزتها التقليدية واعطت الحزب مبررا لتجاوز الأعراف والمناهج القانونية في تصريف شؤون الدولة والناس ، وسرعت في الغاء حكم القانون وسهلت عملية تقويض البنية المؤسسية القانونية للدولة. وحدث كل ذلك دون أن تتحرك على نحو فاعل اية قوى في المجتمع لصد الهجمة التوتالية قبل فوات الأوان . فأجواء الحماسة وسيطرة المشاعر على العقل ولدتا جوا محموما ساد فيه التطرف والتعصب والتخوف من متامرين واعداء واعداء معظمهم وليد التخيل والمبالغة…
يتبع..
المصدر :
الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الثاني معهد الإنماء العربي، ص 402، 403، 404.
2025 /01 /19

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب