تحقيقات وتقارير

انتهى العدوان على غزة؟.. اليوم تبدأ حرب مختلفة في الجانبين

انتهى العدوان على غزة؟.. اليوم تبدأ حرب مختلفة في الجانبين

الناصره / وديع عواودة

 هل انتهت الحرب على غزة؟ سؤال يشغل الجميع، في ظل تلميحات إسرائيلية وأمريكية بأنها ستتجدد، وسط حديث عن احتمالات ذلك فعلاً على أرض الواقع.

المؤكد أن حربًا جديدة تبدأ اليوم في غزة وإسرائيل، في أول يوم من وقف النار. في الجانب الإسرائيلي بدأت، وستتصاعد المعركة لمنع نتنياهو من التهرب من استحقاقات الصفقة ومحاولة تعطيلها وتجديد الحرب نظرًا للضغوط الداخلية عليه، وهي ضغوط مرشحة لأن تتفاقم من جهة اليمين الصهيوني، في ظل مشاهد وصور ثقيلة طعمها مرّ بالنسبة له وللإسرائيليين بشكل عام.

كذلك ستتجدد سجالات وضغوط أخرى داخل إسرائيل من أجل المحاسبة والإصلاح والاستشفاء، في ظل صراع بين معسكرين لم تطفئه الحرب، بل فاقمته.

في المقابل، في غزة أيضًا تبدأ حرب جديدة من أجل ضمان الإعمار، الترميم، والبحث عن مأوى كريم، ولملمة الشمل والجراح. “حماس” باقية في الحكم، رغم أطماع “النصر المطلق”، لكن من المرجح أن تنضم دول مانحة غربية وعربية لإسرائيل في اشتراط إعادة إعمار القطاع بنزع سلاحها أولًا.

احتفالات في الجانبين

في الأمس، سادت مشاهد الفرح في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، فرح ببداية وقف النزيف والوجع وبعودة أسرى بعد طول غياب. بيد أن الاحتفالية تنطوي على مغزى سياسي، وهي جزء من المعركة غير المتوقفة على الرواية على الوعي، ولكلا الجانبين احتياجاته.

الصور في مركز مدينة غزة، أمس، ترمز لما سيأتي، بما في ذلك ملامح ما يعرف بـ “اليوم التالي” في غزة، وهي صور أثارت قلقًا وغضبًا كبيرين في إسرائيل، خاصة أنها عكست قدرة حركة المقاومة في السيطرة والسيادة داخل القطاع بعد ضربات مدمرة استمرت 15 شهرًا.

ويعبر المحلل السياسي في صحيفة هآرتس يوسي فرطر عن هذا الغضب في إسرائيل بقوله إن صور قوات “حماس” في الميدان هي نتيجة رفض إسرائيل لليوم التالي، وللبحث عن بديل سلطوي لـ “حماس”، طمعًا بتكريس الانقسام الجيوسياسي بين الضفة وغزة، وبمنع نشوء ميثاق فلسطيني وطني.

مفاعيل الصورة

وإسرائيل الرسمية وغير الرسمية منزعجة جدًا من صور قوات “حماس” في مركز غزة، أمس، وإذا كانت هذه “المناظر”، فكيف يكون الفيلم؟ لأن ما حصل هو النبضة الأولى من التبادل. استمرارية التبادل، الذي سيتجدد أسبوعيًا، وربما تتكرر الصورة ذاتها، ولذا سارعت إسرائيل لإرسال رسالة احتجاج للوسطاء بهذا الخصوص. غير أن صورة أخرى غدًا ستغذي هذا الغضب والعتب والقلق، وربما تحمل بذور تفاؤلات مستقبلية داخلية وخارجية، وأخرى ترتبط باحتمالات استئناف العدوان، هي صورة عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين في طريقهم للحرية. ولذا حرصت سلطات الاحتلال، هذه المرة، على نقل الأسرى الفلسطينيين في ساعة متأخرة جدًا من الليل، وداخل شاحنات بدون نوافذ، وتحمل أعلامًا إسرائيلية، لا في باصات كما في الماضي.

 

في هذا المضمار اتهمت إسرائيل الصليب الأحمر بالتباطؤ، كي تبدو إسرائيل هي التي تعطل تطبيق الصفقة، ومن المرجح أن تكون الحقيقة عكس هذه الرواية المعلنة، وأن السلطات الإسرائيلية هي التي أبطأت الإفراج عنهم كجزء من هذه المعركة على الوعي، وعي الفلسطينيين والإسرائيليين والعالم.

ويعبر رسم كاريكاتير في “هآرتس”، اليوم، عن هذه الاعتبارات الخفية المرتبطة بالمعركة على الوعي. في هذا الكاريكاتير يظهر بن غفير وإلى جانبه سموتريتش، وخلفهما صورة سيارة الصليب الأحمر تنتظر نقل الأسرى الفلسطينيين من السجن الإسرائيلي، فيما يقول بن غفير لسموتريتش: “لا تستدير للخلف إن رغبت بالنوم الليلة!”

يشار هنا إلى أن الصفقات السابقة أيضًا كانت صعبة للهضم على الإسرائيليين وحكوماتهم، لكن الفارق أن هذه المرة هناك حرب مكلفة وموجعة للإسرائيليين أيضًا، كانت بدايتها وجع وعار بالنسبة لهم بسبب “طوفان الأقصى”.

في 2011، اتخذ نتنياهو قرارًا بإنجاز صفقة مع “حماس” (وفاء الأحرار/شاليط)، وزادت شعبيته في إسرائيل، ففاز في انتخابات 2013، بيد أن هذه المرة الوضع مختلف بسبب سياق الحرب، ومن غير المستبعد أن يكون سقوط نتنياهو أيضًا من نتائج الحرب.

هذه الصور المرافقة للتبادل، والمؤثرة على الوعي، تشارك في زعزعة حكومة الائتلاف، وهي من أصلها ستواجه تحديات داخلية، كاستقالة حزب بن غفير، وأزمة العلاقة مع اليهود الحريديم الرافضين للخدمة العسكرية، علاوة على تحدي المصادقة على الموازنة العامة التي يجب أن تقر في آذار/مارس.

ترامب قدس الله سره!

ويرجح عددٌ من المراقبين الإسرائيليين مثلَ هذا السيناريو، منهم المحلل السياسي في القناة 13 العبرية رافيف دروكر، الذي يقول إن نتنياهو ربما يفعلها ويحبط الصفقة لترضية سموتريتش، محذرًا أن هذا خطير، لأن “حماس” إذا ما فهمت أن إسرائيل لن تنسحب فعلًا من فيلادلفيا في اليوم المحدد، ربما توقف الدفعة الأخيرة من الصفقة (14 مخطوفاً).

ويضيف: “ربما يفجر نتنياهو المرحلة الأولى من الصفقة قبيل نهايتها، كما فعل في المرة السابقة، وبدعم المؤسسة الأمنية للأسف. المرحلة الثانية ستخرج لحيز التنفيذ فقط بعد ضغط ثقيل من ترامب على نتنياهو الذي تستطيع مطالبه تفجير الجولة الثانية من يوم المفاوضات الأول: نزع سلاح “حماس”، وهو طلب لا يمكن لـ “حماس” أن تقبل به”.

 ويقول دروكر إن ذهاب نتنياهو للجولة الثانية في آذار/ مارس، مع تحدي الميزانية العامة وقانون تجنيد الحريديم، ربما يقود لانتخابات في يونيو 2025 نتيجة تصادم الضغوط الداخلية والخارجية. لافتًا إلى أن العودة للقتال من أجل تجنيد أغلبية داخل الائتلاف للمصادقة على الميزانية العامة مع جيش منهك ورئيس أمريكي غاضب و”حماس” منتعشة من جديد، مع مئات الآلاف الغزيين في الشمال يعني أن قرار العودة للحرب قرار مختل، ومن الصعب رؤية كيف نتنياهو يتخذه. ويخلص دروكر للقول، كمراقبين كثر: “سنضطر لعقد آمالنا على ترامب قدس الله سره”!

جولة ثانية؟

يشار إلى أن نتنياهو نفسه قد ألمح، أمس، بالغليظ أنه راجع للحرب. وفي التزامن، قال بايدن، البارحة، إننا ملتزمون بتحقيق المرحلة الثانية من الصفقة، واستعادة المخطوفين، ووقف دائم للحرب بدون “حماس” في الحكم، أو بدون قدرة على تهديد إسرائيل.

في المقابل، صدرت رسالة مشابهة من طرف ترامب على لسان مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد مايكل وولتش، الذي قال إن “حماس” لن تحكم في غزة، وبحال تراجعت فإن أمريكا ستعطي دعمًا لإسرائيل في عمليات تتخذها.

ولاحقًا وعد وولتش عائلات المخطوفين بأن الإدارة الجديدة ملتزمة بتطبيق وقف النار، والتقدم نحو المرحلة الثانية. “حماس” ستدفع ثمنًا باهظًا مثل “حزب الله”، إذا لم تطبق الاتفاق.

ويتفق المحلل العسكري في هآرتس عاموس هارئيل مع دروكر، ويتساءل عن الإصلاح داخل إسرائيل الذي بدأ، والسؤال هل يستمر؟

ويتابع: “الإفراج عن المخطوفات الأُوَل يرمز لخروج ممكن من الحرب. فيما ينشغل نتنياهو وحكومته بصرف الأنظار عن الواقع، فإن المفتاح بيد ترامب”.

ويتفق هارئيل مع من يقول إن عودة مئات آلاف الغزيين للشمال سيصعب عودة الجيش للقتال.

من جهة أخرى، يرى المحلل العسكري في موقع واينت رون بن يشاي أن غزة والغزيين و”حماس” واحد، ولا فرق بينهم. وبدلاً من مواصلة الحرب يقترح أمرًا آخر: “لحماية النقب علينا المطالبة بنزع سلاح “حماس”، بدلاً من شعارات النصر المطلق، وألا تكون “حماس” في الحكم داخل القطاع”.

– “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب