
من تراثنا العربي-الاستبداد السياسي
بقلم علي رهيف الربيعي
في التراث العربي الإسلامي ، يبرز معنيان للاستبداد السياسي . الأول يجعله مقابلا للشورى ، وهي استطلاع رأي ذوي التجربة والبصيرة في شؤون الحكم. والثاني يجعله مقابلا للمشاركة في الحكم من جهة ذوي العصبية الواحدة الغالبة ، وهو ما قصده ابن خلدون حيث تحدث عن اطوار الدولة وحدد الطور الثاني منها بأنه طور استبداد الحاكم على قومه والانفراد دونهم بالمللك. الاستبداد بالمعنى الأول مذموم ، إذ ان المشورة تخلص من الهوى وتفضي إلى القرار السديد وهو بالمعنى الثاني امر واقع بمقتضى طبيعة الحاكم القائم على تغلب عصبية قبلية معينة .
ويخلط مفهوم الاستبداد مع مفهوم الطغيان في كثير من الأذهان والنصوص . ولكن في الحقيقة ، يشتمل مفهوم الطغيان ، بمعناه العام، على عنصرين لا نجدهما بالضرورة في الاستبداد ، وهما القهر والجور . فالاستبداد من حيث هو تصرف غير مقيد وتحكمي في شؤون الجماعة السياسية، يبرز إرادة الحاكم وهواء ، ولا يعني بالضرورة أن تصرف الحاكم ضاغط بعنف على المحكومين، غير مبال بقواعد العدل والإنصاف . هذا مع العلم ان الطاغية يعني في بعض النظريات الحاكم الذي يستولي على الحكم بصورة غير شرعية ولكنه يحكم بموجب القوانين النافذة . ومن هنا، نشأت فكرة الحاكم المستبد العادل ، وفكرة المستبد المتنور ، بحسب التعبير المشهور في القرن الثامن عشر. فالاستبداد لا يتنافى في ذاته مع العدل والنور ، ولكن تحكم الهوى في التصرف التفردي يبعد الحاكم عن التبصر العقلي في الأمور ، وفي النتيجة عن مسلك النور والعدل.
المرجع :
الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الثاني، ص 54، معهد الإنماء العربي
2025 /01 /23