إصرار ترامب على إفراغ غزة من سكانها
إصرار ترامب على إفراغ غزة من سكانها
صادق الطائي
لم تعد مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتطابقة مع طموحات اليمين الإسرائيلي المتطرف مستغربة. فبعد اعترافه بالقدس عاصمة تاريخية للكيان الصهيوني وإطلاقه «اتفاقات أبراهام» وما نتج عنها، مما بات يعرف اعلاميا بـ»صفقة القرن» وتعيينه صهره جاريد كوشنر عرابا لحملة تطبيع الدول العربية مع الكيان الصهيوني عبر سياسة «السلام من أجل الرخاء». كل تلك الخطوات بدت وكأنها مقدمات لتصريحات ترامب الأخيرة حول تفريغ قطاع غزة من سكانه.
إن فكرة تشجيع سكان غزة على الانتقال إلى الدول المجاورة، مثلت منذ مدة الموضوع المفضل لدى أعضاء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو. إذ أشاد وزير الأمن القومي السابق إيتمار بن غفير بتصريحات ترامب المتعلقة بنقل سكان غزة إلى الأردن ومصر. وكتب على منصة أكس: «أحد مطالبنا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو تعزيز الهجرة الطوعية». كما قال وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش؛ «إن الفلسطينيين يجب أن يهاجروا إلى الدول المجاورة، للسماح بإعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة».
يسعى ترامب لإلقاء الكرة في ملعب شركائه في الشرق الأوسط، بالتلويح بإمكانية قطع المساعدات الأمريكية عن الأردن ومصر، في حال رفضهما خطته لتفريغ غزة وتسليمها أرضا فارغة لليمينيين الإسرائيليين
مثل هذه التعليقات أثارت غضب الفلسطينيين وأزعجت أنصار حل الدولتين، وهناك مخاوف بين الفلسطينيين من أن أولئك المحيطين بالرئيس ترامب سيدفعونه باتجاه أكثر تطرفا عندما يتعلق الأمر بالسياسة في الشرق الأوسط، حيث رفض مرشح ترامب لمنصب السفير الأمريكي القادم لدى إسرائيل، المسيحي الإنجيلي اليميني مايك هاكابي، فكرة وجود دولة فلسطينية على الإطلاق، وقال في مقابلة تلفزيونية أمريكية: «لقد أتيحت للفلسطينيين فرصتهم في غزة. انظروا ماذا حدث هناك». لذلك بدا الرئيس الأمريكي مصرا على تفريغ القطاع، الذي تعرض أكثر من 90 في المئة من مساكنه وبنيته التحتية للدمار، بسبب القصف الإسرائيلي والعنف المفرط والعمليات الانتقامية والابادة الممنهجة، التي مارستها إدارة نتنياهو في غزة طوال 15 شهرا. وقد سعى ترامب هذه المرة إلى إلقاء الكرة في ملعب شركائه البارزين في الشرق الأوسط، إذ ابتدأ يلوح بإمكانية قطع المساعدات الأمريكية عن الأردن ومصر، في حال رفضهما الخطة الشيطانية لتفريغ القطاع وتسليمه أرضا فارغة لليمينيين الإسرائيليين لإعادة بناء مستوطناتهم، التي تم تفكيكها بعد أن انسحب الجيش الإسرائيلي من القطاع عام 2005، حيث تم تفكيك 21 مستوطنة وإجلاء حوالي تسعة آلاف مستوطن من القطاع حينذاك.
طرح الرئيس ترامب فكرة نقل سكان غزة إلى مصر والأردن يوم السبت 25 يناير، قائلاً إنه سيحث زعيمي البلدين العربيين على استقبال سكان غزة، الذين أصبحوا الآن بلا مأوى، حتى «نقوم بتطهير هذا المكان بالكامل». وأضاف أن إعادة توطين معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة قد يكون لمدة قصيرة أو ربما يستغرق وقتً طويلا. كما قال ترامب للصحافيين في المكتب البيضاوي، في إشارة إلى الدمار الهائل الذي أحدثته حرب إسرائيل التي استمرت 15 شهرا، والتي توقفت الآن بسبب وقف إطلاق النار الهش، «إنه موقع هدم حرفيا الآن»، وأضاف: «أفضل أن أتشارك مع بعض الدول العربية، وأن أبني مساكن في مكان مختلف، حيث يمكنهم العيش بسلام». ردود الأفعال على مقترح ترامب الاستفزازي جاءت رافضة ما طرحه جملةً وتفصيلاً، إذ أدانت حركة حماس والسلطة الفلسطينية الفكرة. كما صرح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي للصحافيين، مبينا رفض بلاده لنقل الفلسطينيين المقترح بشكل حازم وثابت. ومن جانبها قالت وزارة الخارجية المصرية في بيان رسمي إن النقل المؤقت، أو الطويل الأمد للفلسطينيين «يخاطر بتوسيع الصراع في المنطقة ويقوض آفاق السلام والتعايش بين شعوبها»، وإن مصر ترفض الأمر بشكل قاطع. كما اتهمت منظمات حقوق الإنسان إسرائيل، بممارسة سياسات التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، والذي عرفه خبراء الأمم المتحدة بأنه سياسة صممتها مجموعة عرقية أو دينية لإزالة السكان المدنيين من مجموعة أخرى من مناطق معينة، «بوسائل عنيفة ومثيرة للإرهاب». وقال عمر شاكر مدير مكتب إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش، إن اقتراح ترامب، إذا تم تنفيذه، «سيكون بمثابة تصعيد مثير للقلق في التطهير العرقي للشعب الفلسطيني وزيادة معاناته بشكل كبير». كذلك أثارت تصريحات ترامب الأخيرة موجة التكهنات في الساحة العراقية، إذ عاد الحديث عن خطة (أمريكية – إسرائيلية) لإسكان 750 ألف فلسطيني في صحراء محافظة الأنبار غرب العراق بالتنسيق مع الأردن. وقد أشارت مصادر صحافية إلى وثيقة مسربة من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية عن مخطط تل أبيب لتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر، وبالتوازي، كشفت مصادر صحافية عن موافقة قيادات سياسية عراقية سنية، على خطة لتوطين سكان الضفة الغربية في محافظة الأنبار العراقية، مقابل الحصول على دعم لإنشاء إقليم سني في العراق. وأفادت التسريبات الصحافية، بأن قيادات سنية التقت عام 2023 بوفد إسرائيلي في دولتين عربيتين، هما الإمارات والأردن، لمناقشة هذا المخطط، ما أثار الكثير من التساؤلات حول الأبعاد الإقليمية لهذه الصفقة المحتملة.
وثيقة وزارة المخابرات الإسرائيليّة المشار لها تعود إلى أكتوبر 2023، فقد أشارت إلى نقل سكان قطاع غزة قسرا إلى سيناء، لافتةً إلى أنّ ذلك «سيحقق نتائج استراتيجية إيجابية وطويلة الأمد». وحددت الوثيقة عملية من ثلاث مراحل وهي، «إنشاء مدن خيام في سيناء، يتبعها فتح ممر إنساني، وبناء مدن في شمال سيناء وعدم السماح للسكان بالعودة إلى النشاط أو الإقامة بالقرب من الحدود الإسرائيلية». وسبق للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أن حذر في 19 أكتوبر 2023، مما سماها «فكرة خبيثة» تتمثل في نقل سكان غزة إلى العراق، وتحديداً إلى محافظة الأنبار المتاخمة للأردن. ونشر الصدر عبر حسابه في منصة «أكس»، تغريدة أفاد فيها: «خسأ كل من قال أو أقر بتهجير الشعب الفلسطيني إلى سيناء، أو الأنبار، أو النقب، أو إلى غير ذلك مطلقاً، وكل من يتماشى مع هذه الفكرة الخبيثة الإرهابية، يؤيد من حيث يعلم أو لا يعلم، تمدد وتوسع الكيان الصهيوني الإرهابي الغاشم». كما أشار السياسي العراقي حميد الهايس (سني) في برنامج تلفزيوني، إلى أن خطة إسكان حوالي 750 ألف فلسطيني في صحراء الأنبار خطة قديمة في سياسة الرئيس ترامب في ولايته الأولى ويتم إحياؤها الآن، وإن الخطة تمثلت ببناء مدينة حديثة في صحراء الأنبار قرب الحدود الأردنية كلفتها حوالي 50 مليار دولار، ويستمر تنفيذها على عدة مراحل قد تستغرق عشر سنوات، والنتيجة توطين الفلسطينيين في العراق، ويبدو أن بعض الساسة السنة العراقيين قد وافقوا على هذا المقترح.
العقوبات الاقتصادية التي طالما لوح بها ترامب تجاه من يخالفون سياساته بالتأكيد مرعبة للأردن ومصر، إذ تتلقى الدولتان مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية كل عام، وأنهما غارقتان بالفعل في أزمات اقتصادية، ولكن السماح بتدفق اللاجئين قد يكون مزعزعا للاستقرار أيضا. تقول مصر إنها تستضيف حاليا نحو 9 ملايين مهاجر، بمن في ذلك لاجئون من الحرب الأهلية في السودان. كما يستضيف الأردن، الذي يبلغ عدد سكانه أقل من 12 مليون نسمة، أكثر من 700 ألف لاجئ، معظمهم من سوريا. لكن من جهة أخرى، تجدر الاشارة الى أن الضغط الأمريكي قد يخاطر بتنفير الحلفاء الرئيسيين في المنطقة الذين تربطهم علاقات طيبة بترامب كزعماء المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، الذين يدعمون جميعا حل النزاع العربي /الإسرائيلي عبر تطبيق آلية حل الدولتين. ومن المحتمل أن يؤدي تصريح ترامب الأخير إلى تعقيد الجهود الرامية إلى التوسط في اتفاق تاريخي بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل لتطبيع العلاقات، وهو ما سعى إليه ترامب جاهدا في ولايته الأولى ويتوقع إتمامه في ولايته الحالية.
كاتب عراقي