مقالات

مفاهيم اقتصادية / اجتماعية إسلامية بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

مفاهيم اقتصادية / اجتماعية إسلامية
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
المركز العربي الألماني / برلين
العدد : 429
التاريخ : 202
الاشتراكية هدف إنساني نبيل للبشرية منذ أقدم العصور، ولم يكن الإسلام بعيداً عن التأكيد على الاتجاهات الإنسانية، وهذه جاءت في القرآن الكريم وفي الاحاديث النبوية الشريفة، بصورة واضحة، رغم أن المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية لم تكن بتلك الدرجة من الوضوح في تلك العصور المبكرة (بسبب حجم الفعاليات الاقتصادية)، إلا أن ما ورد في القرآن والاحاديث كان واضحاً، بما يستحق القول أنه المفاهيم الإسلامية كانت سابقة لعصرها.
1. الاشتراكية :
” ما المراد بالماء واشتراك الناس فيه كما ورد في قوله (ص): ” المسلمون شركاء في ثلَاث: في الكلاء، والماءِ، والنارِ “
المقصود بالماء في قوله (ص): هو الماء المطلق عن الحرز، كماء العيون والابار والأنهار، لا الماء المقَيد بحرز والمعالج بتقنيات ووسائل مكلفة؛ كشبكات ومحطات المعالجة والتحلية والتنقية التي تتكلف مبالغ طائلة في إقامتها وصيانتها حتى تضمن مناسبة الماء للاستخدام الإنساني، حتى فرضت الدولة الرسوم المالية مقابل الانتفاع بخدمة توصيل المياه مع مراعاة تقديم الدعم المناسب لعموم أفراد المجتمع، حتى لا يكون هناك ضرر عائد على المواطنين ولا على الشركات. “.
ـــ رواه الإمام أحمد
ـــ العلامة البيضاوي في ” تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة”
في الحديث الشريف وتفسيره الاقتصادي / الاجتماعي، مغازي عميقة، غير تلك السطحية التي تبسطه، ولا تمنحه نفحة العصر. وتبعده عن الاستخدام الواقعي المفيد في الحياة الاقتصادية / الاجتماعية المعاصرة. وسنفسره وفق المعطيات الحديثة ووفق تفسير دار الإفتاء المصرية.
فهنا لدينا الناس / المسلمون / المجتمع، يشتركون كملكية عامة في ثلاثة من أهم مصادر الحياة في الأزمنة القديمة، وحتى الحديثة، فالكلأء هو النباتات التي تمنحها الطبيعة، وتستفيد منها المخلوقات كافة : البشر والحيوان، كغذاء وكمنتج للغذاء، والماء الذي هو أساس الحياة بكافة أوجهها، ومرافقها، والنار، بوصفها المولدة للطاقة الضرورية للحياة لتشغيل البدن، والحياة : إعداد الغذاء، الانارة، وإبادة الحشرات والطفيليات.
وكلمة الاشتراك هي حق الناس/ والمجتمع بأسره بالخيرات الطبيعية، وإتاحتها للكافة بمعني زج جميع القوى العاملة في عملية الإنتاج، ولا يمكن تخيل عزل أو استبعاد جزء من المجتمع من أساسيات العمل الجوهرية.
2. الاحتكار :
وهنا أود أن أشير إلى أمر طالما حرص علية الإسلام في الكتاب والسنة، إلا وهو الإدانة الواضحة الصريحة للاحتكار. فالمحتكر وفق تفسير أبن باز ” المحتكر: هو الذي يشتري السلع وقت مضايقة الناس، وقد جاء في الحديث لعن ذلك والوعيد فيه، والنبي ﷺ قال: لا يحتكر إلا خاطئ، وقال: من احتكر فهو خاطئ يعني: فهو آثم. كما أفتى علماء الدين: الاحتكار من الكبائر.. حـرام شرعاً، وبحسب الدكتور مصطفى عرجاوي ( أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر) ” يحض الإسلام على الكسب الحلال والعمل المنتج ويحارب الاحتكار الذي يقوم على استغلال حاجة الناس ،ورفع أسعار المنتجات والإثراء على حساب المجتمع “.
3. الربا :
كانت القيادات الأرستقراطية القبلية المكية وفي مقدمتهم قريش تهيمن وتسيطر على الموقف الاقتصادي التجاري في المدن الثلاث (مكة، يثرب، الطائف) وفيهم أصحاب الأموال ومن يمارس إقراض المال بالربا(الفائدة)، التي كانت تمثل الأداة الرئيسية لتراكم الثروة، ومنها استقرت بايديهم السلطات الاقتصادية والاجتماعية والقضائية والدينية.
وكان المضي في هذه العملية يعني ويضمن تطورها وارتقائها، وذلك يستلزم عدا شروطها الاقتصادية/المالية، السيطرة على أنظمة البيع والشراء والديون وطرق سدادها والتصرف في حالة العجز عن السداد وتحديد نسب الفوائد على الديون وما إلى ذلك من إدارة العملية وأحكام الربا (الفائدة) : ” وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ” 276 ـ البقرة)، كما لعن الرسول (ص) الربا ” آكل الربا وكاتبه وموكله وشاهديه” حديث ).
والربا (الفائدة) هو اليوم واحد من أبرز ملامح وصفات الاقتصاد السياسي للرأسمالية (نشاط البنوك والبيوت المالية) وفي نفس الوقت من اعقد المشكلات التي تواجه البلدان النامية. والفائدة على راس المال (Capital export) في تراكمه قد يبلغ أضعاف المبلغ المدين لقاء فوائد عالية. وبالفعل فإن أقطار أميركا اللاتينية وأفريقيا قد دفعت أضعاف مضاعفة لمجموع المبالغ المدينة بها إلى البلدان الرأسمالية والمصارف الدولية، وإن خدمة الدين (قسط الدين + الفائدة) قد أضحى المشكلة الرئيسية لكافة البلدان النامية التي بلغ لدى عدد كبير منها درجة العجز الكلي عن إيفاء الديون بسبب ارتفاع فوائدها وشروطها القاسية.
والإسلام إذ يدين ويحذر من الربا، بل ويحرمه” وأحل الله البيع وحرم الربا ” 215 ـ البقرة). إن تحريم الربا بهذه الدرجة القطعية المؤكدة يضع الأساس الجوهري للاقتصاد السياسي الإسلامي الملامح الإنسانية لمجتمع العدالة الاجتماعية، والفقرة الأساسية في مكافحة القهر الاجتماعي وظروفه.
4. العمران : التنمية
وإذ نصت الشريعة (القرآن والسنة) أن الأرض قد خلقت ليسكنها الإنسان وليعمرها. وتشير نصوص كثيرة على العمل الذي يهدف إلى الإصلاح والأعمار وعلى التساكن. وهذه تفوق كثيراً في عمق معناها وأبعادها الحقيقية البسيطة التي توصل لها الفكر الرافديني القديم والإغريقي القائلة ” إن الإنسان حيوان اجتماعي بالطبع “.
فالدعوة على العمران تعني الإيمان بالعمل وهو سبيل الإنسان الأوحد للتطور وإلى الحياة الجماعية والالتزام بالمجتمع، ومن بين تلك النصوص الكثيرة ” كانوا اشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها “9 ـ الروم ) وكذلك ” هو أنشأكم في الأرض و استعمركم فيها ” 61 ـ هود).
إن التمعن في الدعوة إلى العمران والكف عن حياة الحل والترحال إنما له دلالات اقتصادية واجتماعية وسياسية بالغة الأهمية، لا سيما في تلك المنطقة التي شعت منها الدعوة والحركة الإسلامية، فحياة البداوة هي التي حالت أساساً دون قيام تجمعات سكانية كبيرة ومدن، عدا: مكة ـ يثرب، الطائف، وهي مدن بسيطة كما مر ذكر ذلك، الأمر الذي قاد بالنتيجة إلى تخلف الهياكل والبنى السياسية، لذا تخلفت منطقة وسط شبه الجزيرة العربية بصفة خاصة عن سائر المناطق العربية شمالها وجنوبها من إقامة السلطة السياسية حتى قيام الدولة الإسلامية، ” فلا يمكن للمدينة أن تنمو مع البداوة، وحياة الحل والترحال، هي حياة بلا ملامح”.
والدعوة على العمران تنطوي أساساً على معان اقتصادية في التحول إلى أنشطة وميادين جديدة في حياة الناس، قامت أساساً على تكامل اقتصاد الأمصار العربية وحرية التبادل الاقتصادي للسلع والمنتجات ورؤوس الأموال، وتكاملت، وبذلك تضاعفت معدلات التداول السلعي ألبضائعي، انعكس ذلك مباشرة على مستوى معيشة ورفاهية المواطنين الذين شعروا بمزايا قيام الدولة الواحدة القوية التي افتتحت آفاقاً رحبة ونهضت روابط بين الأمصار العربية والمدن وانفتحت أمام شبه الجزيرة المجالات باتجاه العراق وبلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا وسائر بلاد العرب.
والتساكن والعمران وازدهار الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لم يكن يتم دون توفر فقرات أساسية أهمها: الاتصالات وتأمين الضمانات الاقتصادية والسياسية. وبداهة كان أمن القوافل التجارية وضمان مرورها عبر أراضي تهيمن عليها قوى دولية أو محلية / بدوية، وتلك تدخل في مجال العلاقات الدولية للدولة العربية الإسلامية.
وفي مؤلف أبن خلدون المهم (المقدمة) تفصيل واف عن عمق فكرة التنمية الاقتصادية في الفكر السياسي الإسلامي، ولا سيما في المرحلة من العصر الإسلامي الوسيط فصاعداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• فقرات ومقاطع من هذا البحث مقتبسة من مؤلفنا ” الاستهلال والاستكمال ” الصادر عن دار ضفاف : الشارقة/ الدوحة / بغداد، 2004 الجزء الثاني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب