ثقافة وفنون

«البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»… عدالة غائبة عن دولة نفايات

«البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»… عدالة غائبة عن دولة نفايات

محمد عبد الرحيم

القاهرة ـ  بعيداً عن المسلسلات ورواد الكومباوندات، وموضة الملابس الزاهية والسيارات الفارهة، والمشكلات التافهة بين رجل وامرأة، أو شغل أولاد البلد البلطجية الجدعان، وكذا مصنفات تُحسب على أنها من قبيل الكوميديا، ولكنها للاستخفاف والإسفاف أقرب، ثم الطامة الكُبرى المتمثلة في الأعمال الفجة التي تحض أبناء الشعب المسكين على الوطنية ووجوب التضحية بالنفس في سبيل ما لا يعلمون. فما يُطالعه المصريون على الشاشات لا يمت إليهم بصِلة، حيوات أخرى ودُمى تتحرك في عالم آخر، أطلقت عليه المخيلة الشعبية لفظة Egypt، كتفرقة بين عالمين.
ربما هذه الأسباب هي ما جعلت فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يصيب الكثير من النجاح على المستوى النقدي والجماهيري، ربما لأنه يعبّر عن حالة الكثير من المصريين وما يعيشونه الآن، فليس هناك واقع مستقر ولا أحلام في مستقبل، بل حالة من الموت البطيء الذي يتنفسه المصريون.
الأمر الآخر والأهم هو غياب الدولة عن الفئة العريضة من الناس، فلا تتدخل إلا من خلال الأذى، تاركة هؤلاء الذين لا يملكون شيئاً ولا يتحققون في شيء، ولا ينتظرون حتى عدالة قد تتحقق، بل تركتهم الدولة للقضاء على بعضهم بعضا، كمجموعة من مخلوقات درجة ثانية أو ثالثة، أو بمعنى أدق منسيين كنفايات، أو حيوانات في عالم مغلق، منها الشرس والأليف.
المهم بعيداً عن Egypt.
الفيلم أداء.. عصام عمر، ركين سعد، سماء إبراهيم، أحمد بهاء، حسن العدل وأحمد السلكاوي. شارك في السيناريو محمد الحسيني. مدير التصوير أحمد طارق بيومي. مونتاج ياسر عزمي. ديكور مارك وجيه. شريط الصوت محمد صلاح. موسيقى أحمد مصطفى زكي. ملابس ناردين إيهاب. مخرج منفذ رفيق مكرم. تأليف وإخراج خالد منصور. إنتاج 2024.

كلب بلدي
يتصدر (رامبو) العنوان، وبالتالي سيحقق ما يمكن أن يُطلق عليه البطولة خلال مدة الفيلم، ولكنه مجرد كلب بلدي عادي، لا يمتلك شكل وقدرات المرفهين الكلاب، بل يُشارك رفيقه (حسن) الحياة. يبدأ الفيلم بمشهد دموي على شاشة تليفزيون عن ضباع يلتهمون فريستهم، بينما في الحقيقة يقدم حسن دُمية لعبة من القطن لصديقه رامبو، الذي يقوم باللعب، ويتظاهر أنه يلتهمها كما في المشهد المعروض. فالكلب الأليف يتظاهر بالشراسة في لعبة داخل البيت. ومن هذا المشهد تتأسس الحكاية وسلوك الشخصية الرئيسية.

شخص عادي
(حسن) اسم تنتهجه أعمال درامية كثيرة، في الأغلب يحمل الشخص صفاته، وقليلاً ما يأتي بمفهوم المخالفة. يسكن مع أمه في منطقة قديمة شبه شعبية، يعمل حارس أمن في منطقة راقية (الزمالك) وهي مكان مغلق على ساكنيه، والأغراب فقط مجرد عُمال يخدمون هؤلاء بشكل أو بآخر. حيث يقضي حسن فترة عمله في ما يُشبه القفص المعدني خارج المبنى. ليس في عالمه سوى أمه ورامبو، وعلاقة حُب انتهت حتى قبل أن تبدأ. إضافة عن رحلة بحثه عن أبيه من خلال ذاكرته الطفولية، أب غاب بإرادته، حتى مات بعيداً عن زوجته وطفله الوحيد، فقط صوته يأتي من خلال عدة شرائط كاسيت، يقوم حسن بتحويلها إلى ملفات صوتية على تليفونه المحمول.

كلب ضال
وبينما حسن يسير داخل الحيط وليس بجانبه ـ كمعظم المصريين ـ يأتي مالك البيت (كارم) ويريد منه ومن أمه ترك الشقة، حتى يتوسع في أعماله. ليُصر على إهانة الأم وابنها، ويفتعل حفلات الرعب التي لا تنتهي، من تحرش وشجار، فكان لا بد من مواجهته، والتي لا تأتي إلا من خلال (السيد رامبو) الذي لا يستطيع الوقوف صامتاً كباقي الجيران، وصديقه يكاد يلفظ أنفاسه في معركة لا شك في خسرانها، فيصيب رامبو الرجل إصابة تهدد وجوده كـ (ذكر)، فيصبح الثأر بين كلب ضال وآخر أليف.

الهروب
حالة من التهديد المباشر يعيشها حسن، فعليه تسليم رامبو إلى كارم، لينتقم الأخير منه ويقتله، أو الانتقام من حسن وأمه. وإن كان الأب تعوّد الهرب من البيت ثم العودة، حتى هرب في المرّة الأخيرة ولم يعد دونما أسباب، إلا أن رحلة الهرب الآن لها أسبابها، ولكن.. بأي شيء يمكن أن يضحي الشاب؟

المواجهة
يعلم حسن أخيراً أنه لا سبيل إلا المواجهة، فيقوم باستفزاز كارم للمرّة الأولى في حياته، ويحرق سيارته أمامه، بل ويضربه بالفعل، رغم التفاوت الجسماني لكل منهما، وقد أدرك العواقب الوخيمة لتجنب المواجهة منذ البداية. ولكن .. كيف تحول الغضب إلى فعل؟

المأساة
بعد رحلة شاقة من البحث عن مكان آمن للسيد رامبو، بداية من توصية من رب عمله، بالذهاب إلى مكان لمأوى الحيوانات، إلا أن كارم يصل إلى المكان نتيجة وشاية زميل حسن في العمل، ويحاول قتل رامبو، الذي ينجو بأعجوبه. ليأتي الحل عن طريق خطيب حبيبة حسن السابقة، ويتمثل في ترك (رامبو) لأسرة موسرة، تقضي حياتها في دولة أجنبية، وتأتي إلى Egypt فقط في العطلات ـ فلا حلول في هذه المدينة ـ فسيفلت رامبو بفعلته بالهجرة، وهو حل يُذكّر بالأفلام القديمة، عندما يأتي الباشا أو أولاد الذوات الطيبين وينقذون البطل في اللحظات الأخيرة، بمعنى أن هذه الفئة ليست كلها بهذا السوء، منهم ناس طيبون، ويأتي ذلك في مشهد حفل صاخب، حيث يودّع هؤلاء العديد من الأصدقاء الموسريين، ليتحدث حسن إلى رامبو أن هناك سيجد طعاماً جيداً وحياة أفضل، دون أن تنسى سيدة المنزل أن تطمئنه أنه بإمكانه محادثة رامبو عن طريق الفيديو كول.
وبخلاف مباشرة أغنية محمد منير «شجر الليمون» الدبلان على أرضه وعن كل شيء اللي بينسرق منه، بداية من العُمر وصولاً إلى الضي من نِنُه، والتي نسمعها بصوت الأب الغائب من خلال تسجيل قديم بالطبع، تتأرجح الحالة بين شخصية الفيلم وصانعه، بمعنى.. هو عاوزها تسمع الأغنية، مش الشخصية، فتتجسد المأساة في الجزء الأخير من الفيلم ـ مأساة سيناريو ــ هي أن صانعي الفليم لم يختلفوا عن الدولة، التي تتباهى ليل نهار بالحديث عن هؤلاء، ولكنها في الحقيقة لا تراهم سوى مجرد نفايات.

 

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب