يهود جنّة مال اللّه: من مذكّرات العوالم الثلاثة لآفي شلايم (2/2)

يهود جنّة مال اللّه: من مذكّرات العوالم الثلاثة لآفي شلايم (2/2)
“انتهت الحرب عام 48 بنصر يهوديّ وإعلان قيام دولة إسرائيل في منتصف الليل”، يقول شلايم، في دلالة تحملها عبارة “منتصف الليل” عن شكل قيام الدولة العبريّة وشرعيّتها…
هذا المقال هو الجزء الثاني من قراءتنا في مذكّرات “آفي شلايم”.
“غادرنا العراق لأنّنا يهود ووصلنا إلى إسرائيل بوصفنا عراقيّين” يقول آفي شلايم، ومثله كان لسان حال معظم اليهود العرب القادمين من العراق، بما عرف بـ”الهجرة الكبرى إلى إسرائيل”، والّتي هاجر فيها ما يقارب 110 آلاف يهوديّ من العراق إلى البلاد في الفترة ما بين حزيران/يونيو 1950 وحزيران/يونيو 1951.
قيل وكتب الكثير قبل أن يكتب آفي شلايم عمّا حلّ بيهود العراق من مؤامرة دبّرتها لهم الصهيونيّة من أجل إخراجهم من مدينتهم بغداد على أثر النكبة عام 1948. ومع ذلك، يظلّ لرواية شلايم في مذكّراته عن تلك القضيّة أهمّيّة فيها إضافة على ما كُتِب من قبله لأمرين: الأوّل، لأنّ آفي شلايم كان أبراهام الطفل من بين أطفال يهود بغداد الّذين تركوا مدينتهم برفقة ذويهم، وقد اعتمد شلايم بشكل أساسيّ على ذاكرة أمّه مسعودة وغيرها من اليهود العراقيّين الّذين ظلّوا متمسّكين بذاكرتهم العراقيّة – العربيّة في نبش تاريخ يهود بغداد وقصّة ترحيلهم منها. والثاني، لأنّ شلايم صار مؤرّخًا احترف الكتابة في حقل اليهود والصهيونيّة، ممّا دفعة متوخّيًا موضوعيّة المؤرّخ للنبش في الأرشيفات والوثائق حول رحلة بحثه عن مأساة يهود العراق مع الصهيونيّة. بالتالي، فإنّ لروايته أهمّيّة، ليس لأنّها تفكّك الرواية الصهيونيّة فحسب، إنّما لأنّها تصحّح في كثير من تفاصيل الأيدي الخفيّة الّتي عبثت في بقاء يهود العراق في عاصمته بغداد ما بين 1950-1951.
“انتهت الحرب عام 48 بنصر يهوديّ وإعلان قيام دولة إسرائيل في منتصف الليل”، يقول شلايم في دلالة تحملها عبارة “منتصف الليل” عن شكل قيام الدولة العبريّة وشرعيّتها. كان إعلان الصهيونيّة قيام دولتها في منتصف الليل، غير أنّ السطو على أرض الفلسطينيّين مسلّحًا كان في وضح نهار القرن العشرين. أنتبه يهود العراق إلى الصهيونيّة ومشروعها مبكّرًا منذ ما قبل النكبة بعقود، وقد رفضوها على اعتبار الصهيونيّة “شيء أشكنازيّ”، وهي عبارة مسعودة الشهيرة لابنها آفي حين سألها عنها. وعلى الرغم من مأساويّة أحداث ما عرف بـ”الفرهود”، وهي الاعتداءات على يهود بغداد في مطلع أربعينيّات القرن الماضي، إلّا أنّ الفرهود لم تدفع يهودها للارتماء في أحضان الصهيونيّة. ولمّا أُقِرّ قرار التقسيم في تشرين الثاني/نوفمبر 1947، كان مجلس طائفة يهود العراق أوّل من تنطّع ببرقيّة إلى الأمم المتّحدة عارض فيها قرار تقسيم فلسطين وخلق الدولة اليهوديّة، إذ أدرك يهود العراق أنّ قيام دولة يهوديّة في فلسطين سيقوّض من مكانتهم في العراق، معطوفًا عليه إدراكهم للظلم بحقّ الفلسطينيّين.