منوعات

الأردن: كيف «نعود للداخل»؟

الأردن: كيف «نعود للداخل»؟

بسام البدارين

 

«العودة للداخل» ليس مجرد عبارة لا معنى لها أو أغنية تراثية يرددها الأردني في المناسبات الوطنية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتحديات وقربها دوما بعض الفرص والامتحانات.
العودة للداخل في المشهد الأردني يتوجب أن لا تتحول إلى مجرد وصفة لفظية بدون مبالغات أو تهويل بالمقابل بصيغة توحي بأن مؤسسات الدولة غادرت الداخل أصلا.
المطلوب مادامت التحديات برسم إنتاج مخاطر لم يعد من الممكن ولا من الوطني إنكارها عودة جذرية وحقيقية للداخل وعلى أساس القناعة الرسمية وليس التكتيك.
وهي عودة باتت طبعا مطلوبة وبإلحاح بعدما شاهد الشعب الأردني على الكاميرات الرئيس الأمريكي والذي يفترض أنه يمثل دولة حليفة جدا يبتز المملكة ويضغط لا بل يسيء لها، وهو يكرر تلك المقولة عن تهجير الفلسطينيين بصورة تعيد ضبط كل إعدادات الأردنيين ولا يمكنهم قبولها.
إذا أصر البعض على اقتراح العودة للداخل لتصليب الجبهة الداخلية، وتكرار هذا الاقتراح بدون مضمون أو محتوى، قد يصبح الكلام هنا تزيدا لا معنى له، خصوصا وأن أي صيغة تقترح اليوم عودة حقيقية وجذرية لإعادة ترتيب أوراق البيت الداخلي عليها أن تكون جدية ومنصفة للدولة والناس معا وعميقة وصريحة، والأهم إضافة مادة حقيقية منطقية تحدد الكيفية والمطلوب بصورة دقيقة.
الوضع الأردني الداخلي اقتصاديا وسياسيا ليس بالسوء الذي يفترضه الكثيرون لكنه ليس مدهشا أو رائعا. في السياق الأمني تحديدا دولة المؤسسات صلبة وقوية وفي ذلك استقرار وأمن لجميع المكونات وامتياز لا أحد يمكنه إنكاره أو الاستغناء عنه من الأردنيين.
الآن توجد إدارة أمريكية تعلن بكل اللهجات نيتها تصفية القضية الفلسطينية والوقوف مع اليمين الإسرائيلي حتى ضد المصالح الوطنية الأردنية، ما يتبقى حقا هو إرفاق النصيحة العمومية بتفاصيل وخطوات قابلة للتنفيذ.
وتلك الخطوات المطلوبة يعرفها القاصي والداني وقد تبدأ حصرا من عند معالجة جريئة لأزمة الأدوات في الإدارة.
والمعنى هنا: آن الأوان لتشبيك الأيدي رسميا مع الزعامات الوطنية وإعادة الاعتبار لطبقة رجال الدولة وكبار المثقفين التي يمكنها أن تشكل جدارا في الحماية الوطنية يساعد الدولة في تشخيص مصالحها.
آن الأوان لوجود أدوات ونخب قادرة على فهم الأردنيين ومخاطبتهم والاستعانة بطاقم وزاري سياسي بامتياز على أن تترك الجوانب التكنوقراطية والفنية للخبراء المهنيين وعلى أن تبدأ جميع القوى والأحزاب السياسية في الإعداد لمؤتمر وطني عام حقيقي وعريض يعيد ضبط البوصلة على طريقة اللجنة الملكية للميثاق الوطني.

آن الأوان لتشبيك الأيدي رسميا مع الزعامات الوطنية وإعادة الاعتبار لطبقة رجال الدولة وكبار المثقفين التي يمكنها أن تشكل جدارا في الحماية الوطنية يساعد الدولة في تشخيص مصالحها

ذلك ليس صعبا وغير مكلف، خصوصا بعدما تبين أن مسار التحديث السياسي على أهميته الاستثنائية لا يجيب على أسئلة المخاطر الإسرائيلية والتي أصبحت أمريكية الآن وعنيفة.
الديمقراطية والانتخابات قوة للدولة قبل المواطن، لذلك تكريسها ومنحها سياقا دستوريا وقانونيا وجعلها أساسا في صناعة القرار السياسي من الأوراق الرابحة للغاية حتى في مواجهة خطة تهجير الفلسطينيين.
نقترح الإعلان عن دفن المقولة التي تقول بأن كلفة «بقاء الأمور كما هي أقل من كلفة الإصلاح السياسي» فقد أدت تلك المقولة وظيفتها بإحباط الأردنيين لعقود ومنعتهم من تلمس طريق الدولة المنتجة.
مصالحة حقيقية وجذرية ونهائية مع الحركة الإسلامية الأردنية باتت مطلبا ملحا والإعلاء من شأن الاحتكام الحصري لنصوص الدستور.
والحرص على ترسانة تشريعات من الطراز العابر وطنيا للاحتمالات والفرضيات ردا على ترسانة الكنيست الإسرائيلي التي بدأت تقضم المعطيات الأردنية حصرا في قرار وحدة الضفتين.
لا حاجة لنا كأردنيين عندما يتعلق الأمر بفلسفة العودة للداخل لبقاء واستمرار الإعلام الرسمي والأهلي الرديء ويتوجب تطويره.
والحكومة إذا كانت جادة وهي تخطب فينا عن إصلاح الإعلام هيكليا لديها وثائق وخطط واستراتيجيات، كل المطلوب منها نفض الغبار عنها. ثمة قوانين غير مكتوبة على المستوى الرسمي تعيق قدرات الأردنيين على المساعدة في حماية مؤسساتهم.
تلك القوانين حصرا ينبغي أن تجمع وتلقى فورا بقرار سياسي مرجعي في متحف الأرشيف استعدادا لمرحلة الاصطدام بعد الاحتكاك ببرامج اليمين الإسرائيلي المعلنة.
قائمة تلك القناعات غير المكتوبة تشمل للأسف عقائد السلام والشراكة مع الإسرائيليين، ومقولات الحرص المطلق على أن تظهر الأمور ممسوكة جيدا، وتلك واحدة من أخطر القواعد الضمنية غير المكتوبة، لأن المطلوب ان تصبح الأمور في البلاد متماسكة وصلبة وليست ممسوكة فقط.
يمكن في الأثناء تخفيف الحمولة الزائدة من الانتهازيين وأصحاب المصالح والأجندات والتخلص من صيغة كلاسيكية كانت تقول دوما بأن حرية الإعلام الحقيقية خطر على النظام العام لأن الحرية الإعلامية المهنية سلاح في حماية النظام العام في الواقع لم يجرب سابقا على المستوى الرسمي.
توحيد الأردنيين باللهجة والموقف يتطلب توقف المغامرات التي تفتن بينهم أو تؤمن بأهمية انقسامهم اجتماعيا بين الحين والآخر.
العودة للداخل طبعا سلاح، لكنها ليست مجرد شعار بل خطوات وإجراءات جريئة وشجاعة.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب