الصحافه

معاريف.. بن سلمان يعزز مكانته و”الجزيرة” تتفوق على قرار المنع: أين إسرائيل من اللعبة الإقليمية؟

معاريف.. بن سلمان يعزز مكانته و”الجزيرة” تتفوق على قرار المنع: أين إسرائيل من اللعبة الإقليمية؟

بينما نغرق نحن الإسرائيليين، في دفعات تحرير المخطوفين، تسجل السعودية إنجازات ونقاطاً من خلف الكواليس. هذا الأسبوع، بفارق ثلاثة أيام، شكل القصر السعودي حلقة مهمة في جهود حل الحربين اللتين تشوشان النظام العالمي.

الأحد، هبط في الرياض وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، والتقى بولي العهد محمد بن سلمان. الأمير يتمتع بثقة عميقة في البيت الأبيض منذ ولاية ترامب الأولى. فالرئيس الأمريكي يحب رأسه التجارية، وبشكل طبيعي يرى فيه شخصية مركزية في إعمار القطاع. أما الآن فأراد أن يستخدم تقربه من فلاديمير بوتين في محاولة لتحقيق حل في أوكرانيا.

مرت بضعة أيام، واجتمع في قصره في الرياض الخميس الزعماء الأربعة الأهم في العالم العربي: الرئيس المصري، وملك الأردن، ورئيس الإمارات وأمير قطر. اجتمعوا في غرفة المباحثات وحاولوا توضيب الخطة المصرية للحل في غزة. خطتهم مفصلة وكثيرة البنود، وهي معدة لتكون بديلاً لخطة ترامب لإخلاء السكان. من ناحيتهم، فكرة ترامب ليست عملية، ولإنزاله عن الشجرة، من الواجب طرح بديل جدي.

 بايدن فضل قطر، أما ترامب فيفضل السعودية. ويبدو من الآن فصاعداً، أن الرياض ستلعب دوراً مركزياً في كل سيناريو أو حل مهما كان في منطقتنا، سواء في غزة أم في لبنان أم في سوريا، وربما أيضاً في حل المشكلة الفلسطينية وتقريب إسرائيل منها. فهذا ليس المال فقط، بل كيف يستخدمه السعوديون، مع تجربتهم الدبلوماسية، وإلى جانبها قدرة النفوذ. خصوصاً أن من يقف على رأسهم ابن أمراء لم يصل بعد إلى الـ 40 من عمره.

إسدال ستار

 الأحد، مددت المحكمة المركزية في تل أبيب أمر الطوارئ الذي يحظر عمل قناة “الجزيرة” في إسرائيل. لا يسمح لطاقم المحطة بالعمل هنا، وشاشاتهم سودت برزم من “هوت” و”يس”، وسدت أمام المتصفحين الإسرائيليين مواقع الإنترنت الخاصة بالقناة.

 كان لنا حظ، وكثيرون من مخطوفينا عادوا إلى الديار في هذه الأيام، وعند وصولهم رووا شيئاً أو اثنين عن وجود “الجزيرة” هناك في القطاع. يتبين أن آسريهم سمحوا لهم بمشاهدة بث القناة، وهكذا عرفوا بأن الجماهير الإسرائيلية يتظاهرون من أجلهم كل أسبوع. وكانت أقوال عوفر كلدرون مؤثرة على نحو خاص، حين روى بأنه اعتقد على مدى سنة أن ابنه روتم قتل، إلى أن سمع وهو في الأسر بأن الابن حي يرزق، بل ويشارك في الجهود الجماهيرية لتحرير أبيه.

وبالفعل، إلى أن مُنع الأمر عنهم، فإن طواقم “الجزيرة” كانت تصل إلى ميدان المخطوفين لتقابل أبناء العائلة والمقربين. الصور والأصوات بثت ووصلت إلى غزة أيضاً. وكان طاقم المحطة يتعرض أحياناً إلى الشتائم والتهديدات من زعران في شوارع تل أبيب، ورغم ذلك، إلى أن حظر عملها، واصلت البث من هناك. ميراف ليشم غونين، أم رومي، هي الأخرى دعيت إلى أستديو المحطة وأجرت مواجهة بالبث الحي والمباشر مع كبير حماس زاهر جبارين. بشجاعة جمة، روت لمشاهدي المحطة من هم “أبطال” حماس أولئك الذين اختطفوا ابنتها وقتلوا رفاقها عندما كانوا يلهون.

 جاء القانون الذي حظر عملهم في إسرائيل، ولم يسمح لهم بأن يزوروا ميدان المخطوفين أو يجروا المقابلات مع أبناء العائلات. ويتبين من ذلك أن ما كان يحصل عليه المخطوفون من أوكسجين -الأمر الذي كان يعطيهم قوة في الظلام، إن لم يكن معرفة بأن جموع أبناء شعبهم يريدون تحررهم ويقاتلون في سبيله- قد حرموا منه.

 يشهد على ذلك ما قاله المخطوف أوهد بن عامي؛ فقد بث شريط شكر للمتظاهرين الذين تظاهروا من أجل المخطوفين.

فقد روى يقول: ما يبقيك فوق الأرض، أنك ترى أناساً من الشعب يقاتلون في سبيلك. نحن نرى مئات الآلاف. نرى أنهم وصلوا إلى مليون زائد، واو. هذه ليست عائلاتنا فقط؛ هناك أناس في شعبنا يهمهم أمرنا ويريدون أن نعود. وأملي مهم لأحد ما”.

من المفاجئ أن نتبين أن أحداً في إسرائيل لم يجرِ هذا الربط ولم يعرف بأن القناة المشهر بها هي أنبوب مركزي لالتقاط رسائل بالنسبة للمخطوفين الذين يذوون في الأنفاق. هذا لا يعني أن العقول ليست موجودة. في هذه الحرب تبين أن إسرائيل تعرف كيف تدير قتال معلومات وتغرس رسائل بمهنية كبيرة لدى العدو.

الناطق العسكري نفسه دانيال ها، استخدم “الجزيرة” في الأشهر الأولى من الحرب. ظهوره اليومي بث بكامله تقريباً في القناة في بث حي ومباشر وبالترجمة إلى العبرية. وقد استغل هاغاري هذا ليبث رسائل تهديد ليحيى السنوار ورجاله. عملت محافل إسرائيلية طوال الحرب، على أساس يومي في وسائل الإعلام السعودية كي تنشر معلومات تمس بأعداء إسرائيل، وعلى رأسهم حزب الله، وقد فعلوا هذا بخبرة.

إذاً، فإن السياسة الإسرائيلية، التي تفهم شيئاً أو اثنين في قتال الوعي، منعت مساراً تنفساً حيوياً للمخطوفين. هذا يشبه شخصاً تطوع ليقتلع لنفسه عيناً واحدة فقط حتى يضمن قلع اثنتين لعدوه اللدود.

هذا الأسبوع فكرت بالقاضي شاي ينيف، نائب رئيس المحكمة المركزية في تل أبيب الذي مدد أمر إغلاق المحطة شهرين. حضرة القاضي درس الطلب وأقره بتوقيع يده. على مسافة خطوات من مكان جلوسه، يوجد ميدان المخطوفين. في أيام المهرجانات والاجتماعات الاستثنائية، يمكن للخطابات اللاذعة أن تسمع حتى في قصر القضاء. مشكوك أن تكون المحكمة حمت ولو إسرائيلياً واحداً بقراره هذا؛ أما أن تضره فقد أضرته. لم تضر المخطوفين التواقين لقطرة تشجيع من البيت فحسب، بل أ ضرت أيضاً حرية التعبير. ما يدريك أن تجند المحكمة إياها غداً كأداة لإسكان وسيلة إعلامية إسرائيلية؟

هربنا من الساحة

ثمة قاعدة غير مكتوبة في مهنة الصحافة تقول إن هذا ليس عملاً للهواة. فإغلاق بث “الجزيرة” في “هوت” و”يس” أو قطعه عن قنوات الإنترنت في إسرائيل، لم يمس ببث القناة للعالم العربي. هذه الأعمال لم تمس إلا بالجمهور الإسرائيلي المعني به. نظرياً، لأنه يمكن التقاط بث القناة في إسرائيل في وسائل أخرى.

 طاقم المحطة في إسرائيل أيضاً، الذي حظر عمله، ليس المشكلة المركزية؛ فالحديث يدور عن صحافيين هم مواطنون إسرائيليون، يلتزمون بالقانون ويقومون بمهنتهم بمهنية. المضامين الضارة والدعم الواسع من جانب القناة لحماس تأتي ممن تلتقي بهم القناة ومن المراسلين في غزة، بيروت والدوحة.

ثمة سبل للتصدي للإعلام المعادي، أكثر حكمة وأقل ثأرية. مثلاً أن يوضع أمامه جيش من الشارحين اللبقين وحادي اللسان، وإلى جانبهم خبراء وعي. أما إسرائيل ففضلت صرخة النجدة والهروب. وها هي حتى حصلت على تسويغ قانوني بذلك من حامي حمى. “الجزيرة” ليست محطة تلفزيون فحسب. هي حقيقة قائمة، وطليعة مركزية في اللعبة الإقليمية. مع لاعب كهذا، كان يجب المواجهة في الملعب وليس في أطرافه، وإلا فسيُسجل هدف في المرمى الذي بلا حارس.

السبت شاهدنا الدفعة السادسة من تحرير المخطوفين. وقف كل من سديه ديغل حن، وساشا روبنوف ويئير هورن، على المنصة في دير البلح، وعيون ملايين الإسرائيليين انغرست فيهم بتعثر. كل قنوات الإخبار في إسرائيل أخذت الصور من بث “الجزيرة”. في اللحظة إياها الدامعة، الوطنية التي لا تنسى، كانت القناة القطرية المشهر بها شعلة قبيلة شعب إسرائيل.

جاكي خوجي

معاريف 21/2/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب