مقالات

ريفييرا ترامب: هبل الرئيس واستهبال الأكاديمي

ريفييرا ترامب: هبل الرئيس واستهبال الأكاديمي

صبحي حديدي

بدرجة مقبولة من الوثوق، حتى الساعة على الأقل، بتنا نعرف هوية الرجل الذي تفتقت قريحته عن خطة الاستيلاء الأمريكي على قطاع غزّة، وتهجير سكانه، وإعادة إعماره على نحو سيجعله (طبقاً لاستيهامات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) نسخة ثانية من منتجعات ريفييرا الفرنسية الشهيرة. صاحب هذا المشروع، الذي يجمع الحماقة إلى شَرْعَنة التطهير العرقي السافر، وهوس التوسع الإمبراطوري الأمريكي إلى شهوة الاستحواذ العقاري، وتحويل المساندة العمياء للسياسات الاستيطانية والعنصرية الإسرائيلية إلى «بزنس» استثماري على الطراز الترامبي الأثير… هو الأكاديمي الأمريكي جوزيف بيلزمان، الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، ورئيس «مركز تميّز الدراسة الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا» في الجامعة، والخبير (كما يزعم) في الاقتصاد والعلاقات الدولية.
لافت، بادئ ذي بدء، أنّ الخطة لم تولد وتُقدّم إلى ترامب بعيد إعادة انتخابه وقبيل لقائه مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بل في شهر تموز (يوليو) 2024، وكُشف النقاب عنها للمرة الأولى خلال بودكاست حواري مع بيلزمان، في آب (أغسطس) من ذلك العام. «خطر لي التالي: لم لا أكتب نوعاً من منظور خارج الصندوق حول كيفية إصلاح غزّة بعد أن تنتهي الحرب»، قال بيلزمان، وأردف: «ذهبتْ الورقة إلى جماعة ترامب لأنهم كانوا أوائل من أبدوا الاهتمام بها، وليس جماعة بايدن. وطلب مني فريق ترامب أن أفكّر خارج الصندوق حول ما نفعله بعد الحرب، بالنظر إلى أنّ أحداً لم يكن يتحدث عن هذا الأمر».
لافت، استطراداً، أنّ الخطة نُشرت بالفعل بعدئذ، في «مجلة العالم الدولية» الأمريكية، حيث يشغل بيلزمان موقع المدير التنفيذي، تحت عنوان «خطة اقتصادية لإعادة إعمار غزّة: مقاربة بناء وتشغيل ونقل»، وصارت متاحة على الإنترنت، وفي مقدمتها أشار بيلزمان إلى أنها تمثّل وجهة نظر المركز الدي يديره في جامعة جورج واشنطن. ولا تشير ردود الفعل، لدى قراء المجلة عموماً والأكاديميين منهم خصوصاً، إلى أيّ اهتمام جدّي بالخطة؛ سواء في مستوى رفضها أو قبولها أو حتى السجال حولها، حتى طرحها ترامب من زاوية اعتناقها، وسارع نتنياهو إلى مباركتها (بل استخدم تعبير «التفكير خارج الصندوق» في امتداحها).
وهذه سطور لا تعتزم مناقشة خطة بيلزمان/ ترامب/ نتنياهو بأيّ مقدار من التوسع، لا يتيحه المقام هنا، ولا تستحقه الخطة أصلاً؛ بقدر ما تسعى إلى التشديد على ثنائية انبثاق الخطة عبر استهبال أكاديمي أمريكي فاضح، وهبل رئاسي أمريكي ليس أقلّ فضائحية. وإذا كان ترامب لا يحتاج إلى براهين تؤكد انحيازه الأعمى لسياسات دولة الاحتلال، أياً كانت مضامينها العنصرية المنافية للقانون الدولي وحقوق الإنسان ومبادئ الدستور الأمريكي ذاته؛ فإنّ منهجية بيلزمان في مقاربة الموضوع لا تنهض على معمار أكاديمي علمي في الحدود الدنيا، الأمر الذي قد يفسّر نأيها تلقائياً عن أيّ نقاش جدّي. الرجل، باختصار لا يظلمه البتة، يقول في المقدمة ما يثبت استهبال العقول لأنه يجيز فصل الاقتصاد عن السياسة، وربما التاريخ أيضاً؛ ليس في أيّ بقعة أخرى من العالم الواسع المترامي الأطراف سوى قطاع غزّة، متغافلاً بالتالي عمّا مثّلته وتمثله وتنطوي عليه.
يكتب بيلزمان: «أهداف هذا البحث هي توسيع بؤرة التحليل بصدد إعادة أعمار غزّة، واستخدام منهجية اقتصادية معقولة خالية من العوامل السياسية الكابحة. وبدل التركيز أساساً على تحديات سياسة الماضي، نعالج السؤال العام للتنمية الاقتصادية في غزّة على أساس إطار البناء والتشغيل والنقل، ونأخذ بعين الاعتبار سلسلة من مبادرات سياسةٍ قابلة للتنفيذ ضمن سيناريوهات متعددة».
ولا عجب أن يلتقي هذا الاستهبال الأكاديمي مع هبل تاجر عقارات وضعه ملايين الأمريكيين في البيت الأبيض ورئاسة القوّة الكونية الأعظم.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب