الأردن وبناء مشهدية وطنية: هجمات فوضوية على المشككين تنتج المزيد منهم

الأردن وبناء مشهدية وطنية: هجمات فوضوية على المشككين تنتج المزيد منهم
بسام البدارين
المشهدية الوطنية بحاجة إلى تفعيل دور دولة المؤسسات والقانون ومواجهة الافتراءات والحرص على الجبهة الداخلية والتركيز على ما يجمع الأردنيين بدلا من تسليط الضوء على ما يفرقهم.
عمان ـ
لا مبرر للاعتقاد بعد الآن في الأردن بأن التركيز المبالغ فيه على وجود فئة قليلة مشكوك بولائها بصرف النظر عن هوية عناصر تلك الفئة هو الملف الذي ينبغي التوسع فيه وطنيا وإعلاميا في هذه المرحلة الحرجة.
ولا مبرر للاعتقاد سياسيا بأن ما يصفه الخبير الفريق قاصد محمود بالعودة إلى بناء مشهدية وطنية بناءة ومثمرة تراقب الأولويات وتلتزم بها برنامج عمل يتضمن تسليط جرعة إضافية من الأضواء على مناطق الخلاف والتجاذب في المجتمع بدلا من تحجيم الخلافات بعيدا عن التهويل والمبالغات والتركيز على ما يصفه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بالأولوية المطلقة الآن وهي حماية الوطن الأردني في مرحلة حرجة.
خاطب مع نهاية الأسبوع الماضي المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة الشعب برمته مقترحا انه آن الأوان للدفاع عن الدولة من حيث وجودها وسيادتها وهويتها.
خطاب العضايلة هنا رسالة تفيد بوضوح بأن التنظيم الأكبر والأعرض في البلاد جاهز تماما للتموقع خلف المؤسسة في مرحلة مشروع تصفية القضية الفلسطينية.
ذلك نداء سياسي مكرر في الواقع من جماعة الإخوان المسلمين منذ عدة أسابيع وحصرا من اللحظة التي نشرت فيها منصة مجلس الوزراء الإسرائيلي اليمين المتطرف خريطة سيموريتش الشهيرة عن إسرائيل الكبرى من حيث الحقوق التاريخية والتي تظهر أيضا ضم منطقة كبيرة مأهولة في الأردن شرقي النهر.
هذا نمط من المخاطر لا يستوي معه حسب الجنرال محمود الاستمرار بالغرق في التجاذبات والنقاشات الترفية بقدر ما يتطلب الانتباه والحذر لأن لحظة الاصطدام الأردنية بأطماع اليمين الإسرائيلي المعلنة قديمة لا محالة وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه المملكة شن الحرب على إسرائيل لأسباب مفهومة تستطيع الدفاع عن نفسها. الفرصة بالقياس يفترض أن لا تكون متاحة لشيطنة المعارضين والملاحظين وأصحاب الرأي مجددا في البلاد. وينبغي أن لا تكون متاحة بصيغة تسمح لبعض الأقلام بتزييف الوقائع والحقائق واحتكار صفة التحدث باسم المؤسسات الرسمية وادعاء توزيع صكوك الولاء والانتماء هنا أو هناك.
الانطباع الذي يسانده حتى القطب البرلماني خميس عطية هو ذلك الذي يتحدث عن دولة القانون والمؤسسات حيث بنية تشريعية صالحة لمحاسبة ومساءلة كل من يتلقى تعليمات خارجية أو يسيء للبلد ومصالحه ومواقفه.
عطية وفي خطاب متوازن تحت قبة البرلمان طالب بالرد على المشككين والمسيئين ومتلقي التعليمات من الخارج بذراع القانون العادل، الأمر الذي يفترض أن يحول دون توزيع الاتهامات الفرضية هنا وهناك بالجملة وبدون أدلة أو براهين.
مجددا بناء مشهدية وطنية قادرة على النفاذ من نتائج وتداعيات مشاريع تصفية القضية الفلسطينية جزء أساسي منه طبعا وقف التشكيك ووضع حد له. لكن طبعا بالمقابل أيضا مواجهة المزاعم التي تلجأ إلى تضخيم ملف المشككين بمعنى منح التشكيك أكثر مما يستحق بدلا من تجاهله والمضي قدما إلى الأمام.
والمعنى هنا أن المشهدية المنشودة وطنيا بحاجة إلى تفعيل دور دولة المؤسسات والقانون ومواجهة الافتراءات والشائعات بكل أصنافها والحرص كما يرى محمود وغيره على سلامة وصلابة الجبهة الداخلية بحيث يحصل التركيز حقا لا قولا على ما يجمع الأردنيين بدلا من تسليط الضوء على ما يفرقهم خصوصا وأن الروايات المشككة بصرف النظر عن هوية مصادرها لا وزن لها في الواقع الاجتماعي، ولا يحفل بها الرأي العام مع تكدس عناصر تفيد بتوحد الموقفين الشعبي والرسمي تماما في رفض سيناريوهات التهجير الأمريكية.
ثمة من يحاجج بأن سلامة الجبهة الداخلية تتطلب الفرز والتصنيف.
وثمة من يحاجج بأن تلك السلامة والصلابة المنشودة تتطلب التطرق للتفاصيل في الاتهامات حتى لا يصبح الاتهام حرفة عند الاختلاف في الرأي، الأمر الذي يوحي ضمنا بأن توسيع قاعدة النقاش بعنوان أجندات داخلية مشبوهة ومرتبطة في الخارج مسألة ينبغي أن تحسب بدقة أكبر وتخضع إلى فلاتر تقتضيها المصلحة ليس لأن المشككين وأصحاب الأجندات الخارجية ليسوا موجودين فهم في الواقع موجودون، ولكن لأن الموجة الأكبر من التفسير وإعادة تعليب وتغليف القراءات هي تلك التي تستجيب ضد المشككين بعملية تشكيك أعمق للدولة والمؤسسات وعلى أساس فرضية تقول بأن أجندات الخارج نجحت فيما يبدو بالتسلل إلى المؤسسات.
الرأي الأخير تبناه أعضاء في البرلمان السابق ونشطاء يحترفون الشيطنة والتحريض.
والخلاصة في الاستنتاج أن السماح بحملة ضد «مجهول وغامض» تحت عنوان التعليمات الخارجية بدون دقة في التجاوب الحكومي وترسيم وتعريف وإجراءات قانونية تبيح صنفا من الفوضى العامة.
وفي الوقت الذي تكون فيه الأهداف نبيلة من وراء التحذير يبرز التجاوب بمتوالية هندسية تنتج حجما فرضيا هائلا من التشكيك أثناء ممارسة الولاء والادعاء بوجود مشككين في مفارقة لا تحصل إلا في الحالة النخبوية الأردنية.
«القدس العربي»: