تناقضات الضغط والمرونة بين خامنئي وترامب

تناقضات الضغط والمرونة بين خامنئي وترامب
مثنى عبد الله
تنفس الإيرانيون الصعداء حين قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (لا نرغب في أن نكون صارمين مع إيران.. لكنهم يجب أن لا يحصلوا على قنبلة نووية). وقال أيضا (إن التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة ستدمر إيران بالتعاون مع إسرائيل مُبالغ فيها لأقصى حد). لكنهم استغربوا قول المرشد الأعلى الإيراني في يوم الجمعة 7 فبراير/ شباط الجاري (ليس من الفطنة أو الحكمة أو الشرف إجراء محادثات مع الولايات المتحدة)، لأن ما بين القولين من مرونة وضغط يوجد الكثير من التناقض.
ومهما يكن الأمر فإنه ينبغي عدم فهم تصريحات دونالد ترامب حرفيا، أو أن لها مآلا مباشرا، أي بمعنى أن المقاصد غير ما تحمله لغة ترامب، فهو الآن يريد أن يقطع الطريق على طهران باتجاه تطوير القوة النووية، وهذا هدف مُعلن بين الترامبيين الجُدد، ونتنياهو. أيضا هو منزعج جدا من الفائدة التي جنتها طهران من عائدات النفط الإيراني، التي بلغت بحدود 53 مليار دولار في عام 2023، و54 مليار دولار في عام 2022، في حين هو انسحب من الاتفاق النووي في 8 مايو/أيار عام 2018 بهدف تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، لكن دخول الصين والهند إلى السوق النفطية الإيرانية أنعشه وجعله مفيدا لها. وعليه فهدف ترامب اليوم، بالإضافة إلى فرض أقصى العقوبات على طهران، الدعوة أيضا لكل القانونيين في وزارة المالية والخزانة الأمريكية للبحث عن كل ما يمكن أن يُشكل أعلى مستوى قياسي في العقوبات الأمريكية على إيران. وكل هذا يدعو إلى التساؤل في ما إذا كان هناك تصعيد نحو مواجهة أم نحو حل. وهل أن حديث ترامب عن محاول إيران اغتياله تدعم فكرة المواجهة؟ خاصة أنه قال، إن إيران إذا حاولت اغتياله فسوف يتم محوها.
لا شك أن ترامب قد حزم أمره في تصفير صادرات إيران النفطية وأغلق كل الطرق في وجهها، حتى الاستثناءات الاقتصادية، التي كانت ممنوحة لها في تصدير الغاز إلى العراق، على سبيل المثال، قد تم إلغاؤها، لكنه في الوقت نفسه يعلن عن رغبته في التوصل إلى اتفاق نووي معها. على الجانب الإيراني نجد أن المرشد الأعلى يُصنّف أي حوار مع الولايات المتحدة بأنه سيكون قرارا غير حكيم وغير شريف وخاليا من الفطنة، بينما أعلنت إيران الدولة استعدادها لحل الخلافات مع واشنطن بالطرق الدبلوماسية. هذه التناقضات بين الضغط والمرونة من جانب الطرفين، تجعل الكثير من المراقبين يتساءلون عن النوايا من هذه السياسة، فالبعض منهم يصفه بأنه يعكس تحولا استراتيجيا في السياسة الأمريكية تجاه إيران، في حين عده آخرون بأنه مجرد تكتيك تفاوضي.
واهم من يعتقد أن لدى ترامب ضغينة سياسية إزاء الإيرانيين والعكس صحيح. هو فقط يكره أن لا يكون هو المستفيد من الكعكة الإيرانية، وهم يكرهون أن لا يحظون برعايته
إن طبيعة شخصية ترامب ونظرته إلى كل شيء على أنه صفقة تدفع للقول بأنه يبحث عن صفقة اقتصادية قياسية، لكن من خلال التصعيد ولي ذراع الإيرانيين في هذه المرة، فهو يعتقد أن إيران اليوم أضعف مما كانت عليه في عام 2018. بالتالي فعينه على مجموعة من القطاعات الحيوية، التي يُفضّل أن يُدخل اليها الصناعات الأمريكية وليس الصناعات الأوروبية، مثل البوينغ بدلا من الإيرباص الأوروبية، في تطوير الترسانة الجوية المدنية الإيرانية، وبقية الصناعات التكنولوجية الأخرى، لكن أي عرض لاتفاق تعاون أو لصفقة سياسية، المفروض أن تقوم على مبدأ المساومة والقبول بالشروط والشروط المُضادة. لكن ترامب عندما يدعو الإيرانيين فهو يناديهم بنبرة الأمر الواقع، بمعنى أنا أفرض وعليكم أن تستجيبوا، وعليه فإنه لا يتحدث بمنطق أحادي يصل بين نقطتين.. هو يريد الآن أن يضغط أكثر ما يمكن. يريد أن يحقق حلم نتنياهو بأنه في حقبة ولايته الثانية تصبح إيران أبعد ما تكون عن العصر النووي، هذا هو الهدف الأساسي، أما الهدف الثاني فهو أن لا تقوم لإيران قائمة بعد اليوم، خصوصا بعد خسارتها سوريا وحزب الله اللبناني، بمعنى أن تُطوى صفحة ما سُمي بالأذرع الإيرانية في أربع دول عربية، وتنتهي سياسة فرض إرادتها على تلك الدول. وكل هذا يعني تجويف الدور الإيراني على المستوى الإقليمي.
أما في الجانب الإيراني فقد سمعنا تصريحا لمسؤول فيها قال، إنهم يريدون منح فرصة لدبلوماسية ترامب. والسؤال هو، هل تشير هذه التصريحات إلى مرونة دبلوماسية حقيقية، أم أنها بضغط من الأزمات الداخلية والخارجية الإيرانية؟ وكي تكون الإجابة واضحة يمكن قياس الموقف الإيراني على مستويين، ولاية ترامب الأولى 2017-2021، والولاية الثانية 2025-2028. لا شك إن الإيرانيين خلال الولاية الأولى كانوا يتنفسون الصُعداء، ويقولون إنهم متمسكين بالصبر الإيراني وبعدم الانفعال، ظنا بأن تمر السنوات الأربع بما للترامبية وما عليها، وبعدها لكل حادث حديث. لكن منذ عام 2022 عندما ظهرت مؤشرات تُعزز أن ترامب سيظل أسما ورقما قويا في المُعادلة الانتخابية الأمريكية، بدأ الإيرانيون يحسبون الحسابات من جديد. كما أنهم اليوم من الناحية الاقتصادية في وضع أسوأ مما كانوا عليه بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. وعليه فالسياق مُختلف ولربما هناك نوع من المرونة الإيرانية، هي التي تُفسر لنا لماذا يتطرف ترامب ويقفز الى أعلى الشجرة، مُصدرا هذه الإملاءات بدءا من تصفير النفط الإيراني، مرورا بإلغاء الاستثناءات في مجال تصدير الغاز إلى العراق، وانتهاء بقطع الطريق على إيران من صنع القنبلة النووية. فهل فشلت سياسة الصبر الاستراتيجي الإيراني، وبات عليها أن تتجرع كأس السُم من يد ترامب ؟
الوحيد هو الخُميني الذي أعلن أنه تجرّع السُم، حين قبل بوقف إطلاق النار في الحرب العراقية ـ الإيرانية في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم، بعد أن شعروا بالتهديد الوجودي للنظام. واليوم هم في الموقف نفسه، ومع ذلك لن يُعلنوا عن تنازلات. لكن لا يستغربنّ أحد إن سمع السردية الإيرانية تقول، إن طهران براغماتية وتريد المصلحة القومية الإيرانية في المقام الأول وغيرها من التعليلات، بل الأكثر ربما نسمع أو نرى ما قد يرقى إلى مشروع صفقة اقتصادية ضخمة، خاصة أن ترامب وماسك يريدان أن يستفيدا من الأسواق الإيرانية، وأن يقطعوا الطريق على الأوروبيين الذين كانوا يستفيدون أكثر من الأمريكيين أيام الاتفاق النووي بين الأعوام 2015- 2018.
واهم من يعتقد أن لدى ترامب ضغينة سياسية إزاء الإيرانيين والعكس صحيح. هو فقط يكره أن لا يكون هو المستفيد من الكعكة الإيرانية، وهم يكرهون أن لا يحظون برعايته. عليه يمكن القول إن الاقتصادي والمالي ترامب، هو أكثر من السياسي ترامب عندما يتعامل ببراغماتية مع الإيرانيين. فهل نسمع قريبا اتفاقا إيرانيا أمريكيا؟ ربما.
كاتب عراقي