ما سر هجوم “نتنياهو المضغوط جداً” على رئيس “الشاباك” رونين بار؟

ما سر هجوم “نتنياهو المضغوط جداً” على رئيس “الشاباك” رونين بار؟
يوسي فيرتر
مشهد المخطوفين الذين عادوا كأشخاص غامضين بعد قضاء 500 يوم تقريباً في الأنفاق؛ والشهادات الصادمة التي قدموها بعد ذلك حول ما مر عليهم؛ وعلامات الحياة التي قدموها بخصوص الباقين خلفهم أو علامات الرعب التي وصفت أسوأ ما في الأمر، لا شيء من كل ذلك نجح في تليين أي شخص في المستوى السياسي ممن يرفضون المرحلة الثانية.
توسل العائدين لتسريع تحرير الباقين، الذين يعانون ويتعذبون في غزة السفلى، لم يقنع أي وزير في الحكومة أو أي عضو من أعضاء الكنيست الذين صوتوا ضد، وحتى الآن ما زالوا يهددون بالانسحاب من الحكومة (أو عدم العودة إليها كما هي حال بن غفير)، إذا تمت الموافقة على طلب حماس إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع مقابل إطلاق سراح شامل.
حتى في منتدى الأمل المتشدد يضغطون من أجل الاستمرار في الصفقة بكل مراحلها وثمنها المعلن
عائلات المخطوفين الذين بقوا في غزة، وهي العائلات التي مرت بكل أنواع التعذيب والترويع المحتملة، يفركون عيونهم بدهشة أمام هذه الظاهرة. كيف يمكن العودة إلى الوراء؟ كيف لقيادة كهذه من لا تدرك الجريمة الأخلاقية التاريخية التي ستسجل على اسمها إذا تخلت حتى ولو عن مخطوف واحد؟ حتى في منتدى الأمل المتشدد يضغطون من أجل الاستمرار في الصفقة بكل مراحلها وثمنها المعلن.
يوآف غالنت التقى هذا الأسبوع بستة من الرجال والنساء الذين تم إطلاق سراحهم الشهر الماضي، الذين شقوا طريقاً للوصول إلى وسائل الإعلام، وسمعوا عن تقارير حول من عارض الصفقة وأفشلها ومن أيدها. “كنتَ نقطة الضوء في الظلام”، قال له أحدهم. ولكن غالنت لم يعد هناك؛ ونعرف من الموجود هناك. بحساب سياسي بارد، يفضل نتنياهو التخلي عن الجنود والرجال الشباب الموجودين في القطاع، واستئناف القتال. وهذا يبقي حكومته على قيد الحياة. لو أن الأمر يتعلق به، فحتى الذين عادوا كانوا سيضطرون إلى انتظار جولة القتال التالية.
لقد جره الرئيس ترامب ومبعوثه ستيف ويتكوف رغماً عن أنفه إلى هذه الصفقة. موضوع الفضل في المرحلة الأولى من الصفقة أوصل نتنياهو إلى موجة غضب شديدة كان لها دور في الهجوم المقرف على رئيس “الشاباك” رونين بار، وكان لها تعبير زائد في الرسائل والإحاطات العصبية التي خرجت من محيط رئيس الحكومة خلال الأسبوع. أهذه علامة تدل على رغبة في مواصلة الصفقة؟ القلب يريد التصديق بأنه لا يستطيع إلا المواصلة إلى المرحلة الثانية، لكن العقل يتذكر من يكون هذا الشخص. هناك إشارات أيضاً تدل على هذا التوجه المخيف، مثل المقاربة الباردة، المقطوعة تقريباً عن الواقع، التي أظهرها الذراع التنفيذي لنتنياهو، رون ديرمر، أمام عائلات المخطوفين التي التقى معها. رسالته لها: “سأعارض إنهاء القتال، وأي صفقة تشمل ذلك”، كانت حازمة وواضحة. نحن نعرف القليل جداً عن ديرمر، وأقل من ذلك عن إنسانيته. ولكن فسيفساء بدأت توضح كيف أصبح “الابن الثالث لنتنياهو”، كما يسمى.
مواقف ديرمر وتعاطفه مع نتنياهو وإخلاصه له، كل ذلك لا يبشر بالخير فيما يتعلق بمستقبل الصفقة. الشكوك الطبيعية تحلق فوق الحديث الصادر من مكتب رئيس الوزراء حول محاولة تغيير الصفقة مرة أخرى بواسطة الحركة، وتغيير هيكلية المراحل بصورة ما. في كل الحالات، عندما يتم تشكيل طاقم التفاوض برئاسة ديرمر، بدون دادي برنياع ورونين بار، سيبقى الأمل الوحيد رهن ضغط الجمهور الإسرائيلي وضغط بعض الأشخاص في أمريكا مثل مريام أدلسون وويتكوف وترامب.
مأساة كانون الأول 2023
في تشرين الثاني 2023 أثناء تنفيذ نبضات تحرير النساء والأطفال، وتحرير العمال الأجانب، بدأت تتدفق إلى إسرائيل معلومات حول مصير شيري، كفير واريئيل، وبيباس، الذين اختطفوا أحياء من “كيبوتس نير عوز”. لم يكن واضحاً إذا كانوا أحياء. في الأيام الأولى بعد المذبحة، لم يعرف الجيش الإسرائيلي إذا كان تم استخدام إجراء “هنيبعل” أثناء نقلهم، كما حدث في حالات أخرى تم فيها قتل مخربين ومخطوفين. والانتماء التنظيمي للخاطفين لم يكن معروفاً في البداية أيضاً. بعد ذلك، تبين أن الأمر لا يتعلق بحماس، بل بأعضاء تنظيم صغير، عائلة جريمة محلية تتماهى مع لجان المقاومة. في هذه الليلة، قيل إن المنظمة الجهادية التي تسمى “رب البرية” هي التي اختطفت أبناء العائلة، وربما قتلهم. تم التحقق من هوية جثتي كفير وأريئيل، أما الجثة التي قيل إنها لشيري بيباس فكانت لشخص مجهول. حماس بنفسها بحثت عنهم في القطاع.
في منتصف تشرين الثاني، في موازاة الفيلم الذي ظهر فيه يردين بيباس وهو يبلغ عن موت زوجته وأولاده، امتلك الجيش كل المعلومات لإبلاغ العائلة عن “خوف كبير على حياتهم”، لكن لم يكن هناك دليل ملموس. لذلك، لم يُعلن عن موتهم رسمياً. في نهاية تشرين الثاني، وقبل انتهاء النبضات، أعلنت حماس بأنه لم يُعثر على النساء العشر، باستثناء المجندات، اللواتي كان سيُطلق سراحهن أيضاً.
إسرائيل لم تصدق ذلك؛ كان تقدير المستوى السياسي والأمني بأن حماس غير معنية بتسليم النساء في ذلك الوقت. في هذه المرحلة، اقترحت حماس نبضة أخرى تتم فيها إعادة ثلاث أو أربع جثث، و6 – 7 رجال مسنين فوق سن الستين، كان أحدهم عوديد لايفوشيتس. كان الاعتقاد أن الجثث تعود لأبناء عائلة بيباس. وناقش كابنت الحرب الموافقة على الاقتراح رغم اعتبار ذلك خرقاً فظاً للتفاهمات.
نتنياهو وغالنت وغانتس ورون ديرمر وآريه درعي، قالوا إن ذلك سيلحق إسرائيل ذلاً، وأنها خضعت مرة أخرى لمناورة المنظمة الإرهابية التي هاجمتها قبل شهرين. إذا كانت حماس تخفي النساء الآن، فأي مصلحة لها في إعادتهن لاحقاً؟ كان غادي آيزنكوت الوحيد الذي له اعتقاد آخر، حين قال: “علينا أخذ ما يقدمونه لنا الآن. على العكس، تعالوا نجعل حماس تصدق بأنها تضللنا، ثم نعمل على إعادة النساء”. واقترح أن تطلب إسرائيل أيضاً إعادة الأب يردين بيباس، ليتمكن من دفن أبناء عائلته.
رُفض موقفه، وانتهى وقف إطلاق النار. معظم كبار السن الذين كان يمكن تحريرهم في بداية كانون الأول قتلوا. وقال غالنت الذي قاد معارضة موقف آيزنكوت، بأنه لا يتفاخر بذلك، لكنه لا يندم. أعضاء طاقم المفاوضات -رئيس الموساد برنياع ورئيس “الشاباك” بار والجنرال احتياط نيتسان ألون- دعموا موقف الأغلبية أيضاً. وحسب ما نشر، فإن الون وبار اعترفا بالخطأ بعد ذلك.
شرك لرئيس “الشاباك”
عندما كانت إسرائيل كلها تستعد نفسياً لتفطر القلب الجماعي وبثت القنوات صور أبناء عائلة بيباس الذين تم التخلي عنهم، كانت لنتنياهو اهتمامات أكثر إلحاحاً
الأربعاء، عندما كانت إسرائيل كلها تستعد نفسياً لتفطر القلب الجماعي وبثت القنوات صور أبناء عائلة بيباس الذين تم التخلي عنهم، كانت لنتنياهو اهتمامات أكثر إلحاحاً. الهجوم القبيح على أعضاء طاقم المفاوضات، برنياع وبار وألون، الذين عملوا باسمه وتحت مسؤوليته وبصلاحية طوال 500 يوم تقريباً للمضي بالصفقة (التي أفشلها مرة تلو الأخرى)، كان هجوماً استثنائياً حتى بالمفاهيم المرضية التي اتبعها هنا.
في المساء تذكر اليوم التالي، وبادر إلى نشر فيلم قصير بشر فيه بـ “يوم صعب جداً على دولة إسرائيل، يوم صادم، يوم حزين… القلب يتفطر… نحتضن العائلات”. نحتضن؟ هو رفض الذهاب إلى “نير عوز”، رمز المذبحة ورمز فشله، والمكان الذي اختطفت منه عائلة بيباس. تسعة أشهر وهو يستعد للزيارة. خلال ذلك، قال: “هم يعانون، لكنهم ليسوا أمواتاً”. ولم يطلب العفو كما فعل رؤساء جهاز الأمن، ورئيس الدولة إسحق هرتسوغ (طلب العفو أيضاً أمس، لأن الجيش الإسرائيلي لم يصل إلى كيبوتس نير عوز، ولم ينجح في إعادتهم أحياء). ولكن نتنياهو لا يفعل ذلك. هو يعتقد أن عليهم طلب العفو منه. هو الضحية هنا.
يجب أن يذهب بار في نهاية المطاف جراء مسؤوليته التي تحملها عن دوره في الفشل. لكن محظور عليه التزحزح شبراً واحداً ما دامت تحقيقات “قطرغيت” جارية في مكتب رئيس الحكومة، التي يقوم بها رجاله أو يشاركون فيها. على رأس نتنياهو قطعة زبدة كبيرة، التي لا يكتشفها إلا تحقيقات “الشاباك”. كل ذلك ربما يصل إلى المحكمة العليا. في سيناريو رعب الذي قد يكون واقعياً بسبب بمعرفتنا بأشخاصه المشاركين فيه، ربما يتحول هذا التصادم إلى فصل جديد ومخيف في ملحمة الانقلاب النظامي.
هآرتس 24/2/2025