الباحثة الفلسطينية الدكتورة رولا هردل: مشروع تهجير أهالي غزة سقوط أخلاقي للمجتمع الدولي والإسرائيلي

الباحثة الفلسطينية الدكتورة رولا هردل: مشروع تهجير أهالي غزة سقوط أخلاقي للمجتمع الدولي والإسرائيلي
حاورها: محمد نون
شؤون وشجون الواقع الفلسطيني الحالي كانت مدار حوارنا مع الدكتورة رولا هردل خلال زيارتها مؤخرا إلى لندن للمشاركة في عدة نشاطات وندوات في العاصمة البريطانية.
والدكتورة رولا متابعة عن كثب للمشهد الفلسطيني ما بين الداخل الخارج فهي عملت سابقا أستاذة في جامعة القدس حيث قامت على مدار سبع سنوات بتدريس مادة العلوم السياسية، كما قامت بالتدريس أيضا في جامعة هانوفر في ألمانيا.
والدكتورة رولا مقيمة في مدينة رام الله في الضفة الغربية، ولكنها تنحدر من قرية البقيعة الواقعة في الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها عم 1948، وكذلك هي ناشطة في مبادرة «دولتان ـ وطن واحد للجميع» وهي مبادرة تجمع نشطاء ينادون بالسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ويدعون إلى إقامة دولتين متصالحتين على أرض فلسطين.
وعن كل ذلك كان هذا الحوار:
○ هناك طرح واضح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتكامل مع الخطة الإسرائيلية المعلنة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، فهل تخشون طرحا مماثلا يطال الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضا؟
• مشروع التهجير هو مشروع قديم جديد في الأدبيات الصهيونية، وتحديداً في أدبيات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة وخاصة من جانب الحكومة الإسرائيلية الحالية.
كما أن الفلسطينيين واعون تماما بوجود هذا المشروع، ولكن اعتبارا من 7 أكتوبر 2023، ومنذ بداية هذه الحرب الإسرائيلية على غزة كان واضحا أن تنفيذ المشروع قد بدأ.
هذا يعني أن الفكرة الإيديولوجية التي كنا نعرفها عن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحالية ومكوناتها المختلفة التي هي حكومة يمين استيطاني متدين متزمت، قامت باستغلال ما حدث في 7 أكتوبر، واستخدامه ذريعة لإخراج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ، بعدما كان موجودا في الأدبيات والطموحات لديهم.
يعني عندما نقرأ مواقف زعيم أحد الأحزاب السياسية التي تشكل هذه الحكومة، وهو وزير المالية حالياً سموتريتش، نجد أنه كتب عام 2017 «خطة الحسم» وفق رؤيته ورؤية كل المعسكر الذي يمثله، وهو معسكر الصهيونية الدينية، التي هي تيار كبير جداً لا يقتصر فقط على حزب سموتريتش، بل هو تيار إيديولوجي كبير وفيه مدارس، ومراكز أبحاث ويتواجد في مفاصل مهمة في الدولة.
لذا فإن خطة الحسم تنص عملياً على استكمال ما بدأته أو ما قامت به الحركة الصهيونية عام 1948. فإذا تقرأ خطة الحسم لسموتريتش التي نُشرت عام 2017، وهي مترجمة للغة الإنكليزية والعربية، تجد أنه يتم عملياً تنفيذها الآن.
○ إذن تعتبرين أن البداية هي من غزة؟
• عندما قامت حماس بهجومها في 7 أكتوبر، فإن أول رد فعل لي شخصيا كان أن الحالة الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني سيتغير منذ الآن، وغزة لن تكون غزة. والخوف الثاني كان بأن المشروع لن يكتفي بغزة.
وما قامت به إسرائيل في غزة هو عملية محو للوجود الفلسطيني، وكان في جزء منه هو انتقام الجيش الإسرائيلي لما أصابه من فشل، وإهانة، ومن الوجع الذي أصاب الإسرائيليين في 7 أكتوبر وهذا واضح تماما.
ولكن الجزء الآخر هو مخطط ومدروس وهو ضمن هذا المشروع الذي طرحه حاليا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما تحدث عن موضوع التهجير للفلسطينيين من القطاع.
فغالبية الإسرائيليين أيدوا الفكرة لأنها مطروحة وموجودة في أذهانهم وفي أحلامهم بأن يروا البلد كله بدون وجود فلسطيني.
○ ماذا يعني برأيك هذا المشروع الأمريكي-الإسرائيلي؟
• هناك عدة نقاط هنا يجب أن نتحدث عنها.
النقطة الأولى هي أنه على المستوى الدولي والإسرائيلي، فإن طرح هذا الموضوع هو استمرار للسقوط الأخلاقي الجمعي للمجتمع الدولي وللمجتمع الإسرائيلي أيضاً، وهذا يخالف ما يزعمونه بأنهم أصحاب الأخلاق وأن جيشهم هو جيش أخلاقي.
ولذلك فإنه وعندما يتم طرح التطهير العرقي على انه حل من خلال التهجير فهذا يعني بالنسبة لي سقوطا أخلاقيا يتجاوز بدرجات كبيرة كل ما رأيناه خلال سنة ونصف مضت.
وهناك عدم التفات إلى أنه ووفقا للقانون الدولي فإن ما يجري هو جريمة إبادة للشعب الفلسطيني.
أما النقطة الثانية فهي تتعلق بالواقع الفلسطيني، فأين نحن من كل موضوع التهجير؟ وأقصد الجانب الفلسطيني على المستوى الشعبي والمستوى الرسمي؟ هنا يمكنني القول إنه على المستوى الشعبي فإن الناس واعية ومدركة أن هذا المشروع قائم حاليا بغزة وسينتقل أيضا إلى الضفة الغربية، إذ أن غالبية الفلسطينيين في الضفة عندهم إحساس بأن هذا المشروع قد يتم تنفيذه عندهم أيضا. وطبعاً فعندما تسأل أي فلسطيني عن موقفه من ذلك سيجيبك قائلا: «لن أترك أرضي مهما صار».
وهذا ما حصل الآن لغزة التي تحتوي على أكثر من 2 مليون إنسان.
وبالنسبة للضفة فإن قسما كبيرا من الفلسطينيين يعتقدون أن الحرب قد تتدحرج إلى الضفة في أي لحظة، وأن يحصل فيها ما حصل في غزة، وعندهم قناعة بأن هذه الحكومة وهذا الجيش بإسرائيل لم يكن لديهم أي رادع بأن يفعلوا في بعض المناطق في الضفة، ذات الأعمال التي اقترفوها في غزة، وشاهدنا بعضا منها في طول كرم، ومخيم جنين على شكل مصغر.
وباعتقادي فإن الناس جاهزون للصمود والتحدي، لكن السؤال على المستوى الشعبي هو: إلى أي مدى يمكن للناس أن تصمد؟ وهل لديها مقوّمات الصمود؟ أعتقد، أن الناس سوف تصمد، لكن بالتأكيد لن يستطيع الجميع ذلك.
وما يخيفني أكثر هو تحويل هذا الوضع، وضع الحرب والقتل والتضييق الشنيع على الفلسطيني، إلى وضع عادي بحيث يصير وكأنه عملية مقبولة ومشرعنة لهذا الوضع الجديد، بحيث لا يتخذ شكل الحرب المكثفة كما رأيناه على مدار سنة ونصف، ولا يتم بالمقابل التوصل إلى حل دائم، وفي هذه الحالة سيأخذ التهجير شكلا آخر، هو شكل التحرك البطيء وعلى عدة مراحل، وهذا واقع موجود عملياً، ومعناه أن الفلسطيني القادر على إرسال أولاده للدراسة في الخارج، فإنه يرسلهم لكنهم لا يرجعون للعيش في فلسطين لأن الحياة فيها لا تطاق. وهذا الحال يسري على الفلسطيني الذي يحصل على فرصة عمل في الخارج حيث يغادر البلد مهاجرا سواء كان من غزة أو الضفة الغربية أو من داخل أراضي 1948، حيث هناك حالة هجرة حقيقية وخاصة في أوساط جيل الشباب الذين يقولون إنهم لن يعودوا بسبب عدم وجود مستقبل لهم في فلسطين.
○ وماذا عن الموقف الرسمي الفلسطيني تجاه تلك الهجرة؟
• المستوى الرسمي أصبح جزءاً من المشكلة، ان لم تكن هي المشكلة على المستوى الداخلي الفلسطيني. ما زالت هناك سلطتان، واحدة في رام الله والثانية في غزة التي تحكمها حماس منذ عام 2007. إذاً عندما نتحدث عن السلطة، فإننا نعني سلطة فتح وسلطة حماس.
والإشكالية تتمثل في استمرار الانقسام والتقاتل على السلطة. فكيف يعقل أنه وفي الوقت الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني النكبة الثانية ومشروع التهجير وحرب الإبادة الجماعية، نجد في المقابل أن الواقع الفلسطيني ما زال في مرحلة التفاوض على المصالحة بين حماس وفتح؟
لا أحد يمكن أن يستوعب عدم وجود مشروع وطني الآن، فنحن ليست لدينا رفاهية الاستمرار في الانقسامات. وعند الحديث عن أي مشروع وطني نريد، تجد أن الكل مدركون للمشكلة، لكن يبدو أننا قادرون على التشخيص لكن من دون التوصل إلى حل.
○ وما هو الحل برأيكم؟
• للأسف هناك منافسة على السلطة بين مشروعين مختلفين من الناحية الأيديولوجية، وليس بالتأكيد أن الحل يكمن في المصالحة بين حماس وفتح، بل الحل هو تفكيك المنظومة كلها وإعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني أيديولوجياً وتنظيمياً.
○ ولكن كيف تتم إعادة البناء تلك؟
• لدينا منظمة التحرير. وهناك ضرورة للعودة إلى منظمة التحرير كمرجعية للجميع.
صحيح أن منظمة التحرير أصبحت في حالة إفلاس، بل أكثر من حالة إفلاس، يعني أنا شبهتها في أكثر من مناسبة بأنها جثة هامدة فكرياً، وأيديولوجياً، لأنها لم تطور خطابها الوطني، والمشروع الوطني الفلسطيني، وعلى الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة منذ المرحلة المفصلية المهمة في التسعينات من القرن الماضي وهي مرحلة أوسلو وبناء السلطة الوطنية الفلسطينية.
والمنظمة هي جثة هامدة لأن الشعب الفلسطيني صارت فيه تغييرات وتبدلات، حيث إن القوى الوطنية والسياسية تغيرت منذ تأسيس منظمة التحرير عام 1964، ولم يتم تعديل الإطار التنظيمي لمنظمة التحرير.
لكن ورغم ذلك يجب أن نتعامل مع هذه الجثة ولو على مضض لأنها هي الإطار القانوني على الساحة الدولية المعترف به لتمثيل الشعب الفلسطيني.
وإذا ما أريد إعادة بناء منظمة التحرير فيجب أن تكون على أسس جديدة، بحيث تشمل جميع القوى الفلسطينية والفلسطينيين سواء كانوا في أراضي 48 الذين لم يتمثلوا فيها سابقا، أو في المهجر الذين يشكلون نصف الشعب الفلسطيني، وبالتالي ضرورة أن تشمل الكل الفلسطيني في الداخل والخارج.
كما أعتقد بأننا بحاجة إلى قوى سياسية جديدة، وهناك في السنوات الخيرة تشكلات انتخابية جديدة والتي حاولت أن تتنظم، رغم عدم وجود انتخابات رئاسية وبرلمانية منذ سنوات. بعض هذه القوى هي شبابية وأكاديمية ومثقفة لا تريد حركات فتح، ولا حماس، ولا الجهاد الإسلامي، ولا أحزاب اليسار الفلسطيني، وهي مستعدة أن تقوم بتشكيل أحزاب جديدة.
○ وهل ستقوم تلك الأحزاب الجديدة بمحاورة القوى والأحزاب القائمة أم تتجاهلها؟
• هناك ضرورة لقيام أحزاب جديدة يمكنها أن تتحاور مع الأحزاب والقوى القائمة، ويمكنها ان تتنافس معها أيضاً، إذ أن الأمر ليس عملية إلغائية، ولكن في الموضوعين المتعلقين ببناء قوى سياسية وحزبية جديدة وإعادة بناء منظمة التحرير فإن الأهم ليس فقط الأطر وأشكال التنظيم الفلسطيني، بل الأهم هو خلق مشروع وطني فلسطيني، فهل هو مشروع مقاومة؟ أو مشروع تحرير؟ أو مشروع بناء دولة وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وأي شكل من أشكال حق تقرير المصير؟ ومن هو الشعب الفلسطيني؟ هل هم فقط الفلسطينيون الموجودون في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة وفي قطاع غزة؟ أم هم جميع الفلسطينيين بدون استثناء.
○ وما هو تعريفك للشعب الفلسطيني؟
• طبعا، هو كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. والسؤال هو أننا جميعا كفلسطينيين، كيف نتخيل الوجود الجمعي الفلسطيني، وكيف نتخيل فلسطين في السنوات القادمة، بناء على تجربتنا الطويلة على مدار مئة سنة ماضية، وبناء على قراءة موضوعية لوجودنا في فلسطين التاريخية، وبناء على موازين القوى الموجودة بيننا وبين الإسرائيليين، وعلى موازين القوى الإقليمية والدولية المتغيرة.
هذا يعني أنه لا ينفع في الوقت الحالي أن نقول إن المشروع الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الذي تم وضعه عام 1964، هو مشروع مناسب لواقعنا اليوم، نعم قد يكون مناسبا لكننا بحاجة إلى إعادة قراءته بناء على كل هذه المتغيرات.
○ حتى في حال تبلور مشروع وطني وفق طرحك الحالي، هناك من يرى أن الطرف الآخر أي الإسرائيلي ألغى من حساباته تماما قيام دولة فلسطينية.
• من الواضح لي أن الجانب الإسرائيلي غير معني بأي حل في هذه المرحلة إلا حل الحسم وتصفية القضية الفلسطينية أو الوجود الوطني الفلسطيني، وهو غير معني بحل الدولتين، لكن يجب ألا ننسى كفلسطينيين أن الموضوع ليس متعلقا بالجانب الإسرائيلي، ولا يمكن أن نبقى نردد بأن الفلسطيني لا يريد حلا، ويجب أن نتعلم في حديثنا وفي بناء مشروعنا الوطني وبناء الدعم لهذا المشروع الوطني دوليا.
وإن أغلب المجتمع الدولي الرسمي داعم لحل الدولتين، رغم وجود الكثير من الإشكاليات في حل الدولتين، حتى الإدارة الأمريكية لما قبل عهد ترامب كانت داعمة رسميا لحل الدولتين، لكن هذا الحل ليس منّة إسرائيلية علينا بأن تعطينا دولة أو لا تعطينا، بل نحن نتحدث عن حق تاريخي في هذا المكان، وأنه يحق للشعب الفلسطيني أن تكون له دولته وحق تقرير المصير في إطارها، وهذا ليس متعلقا برغبة الإسرائيلي.
أعتقد أننا كفلسطينيين وبعيدا عن الظروف الحالية مع الإسرائيلي والمجتمع الدولي بشأن إمكانية وجود حل، لا يمكن أن نسمح لأنفسنا باستمرار تلقي الحلول من الخارج، بل علينا أن نطرح نحن حلا لأنفسنا وللآخر، ولهذا ينبغي علينا تحمل مسؤولياتنا وبناء مشروع وطني استنادا لارتباطنا ووجودنا التاريخي في هذه الأرض.
○ وهل هناك مقولة أخرى غير حل الدولتين؟
• هناك طروحات عديدة فلسطينية وغير فلسطينية. دولة ديمقراطية واحدة، دولة ثنائية القومية وغيرها من الأفكار. الواقع القائم الآن بين النهر والبحر هو ثنائي القومية وسلطة سياسية واحدة هي إسرائيل التي تسيطر على الأرض والمجموعتين القوميتين بمنظومات قانونية، سياساتية، إجرائية مختلفة ومتباينة تجاه اليهودي والفلسطيني والتي تتمحور حول استمرار إلغاء الحق الفلسطيني بتقرير المصير، منظومة فوقية يهودية، واحتلال عسكري وتمييز وابرتهايد واستعمار استيطاني عنيف. وفي السنة الأخيرة نحن نشهد مستويات إضافية من هذا المشروع العنيف في قطاع غزة والذي يشهد حرب إبادة واقتلاع وتهجير.
○ لكن ما هي رؤيتك أنت؟
• بداية، وبما اننا في لندن، أعي ان غالبية الفلسطينيين في الشتات تنادي بحل الدولة الواحدة، في حال تحدثوا أصلا عن حلول في هذه المرحلة وفي ظل ما يحدث في السنة ونصف الأخيرة. أنا لست ضد حل الدولة الواحدة لكنني أعتقد أنه حل غير قابل للتطبيق، على الأقل في الظروف الحالية، كما أنني لست متأكدة ان الشعب الفلسطيني تخلى عن فكرة دولة فلسطينية مستقلة. أن الحديث عن الدولة الواحدة في هذه الظروف هو حديث عن تعميق دولة الفصل العنصري أي الدولة اليهودية من النهر إلى البحر وهذا ما يريده جزء كبير من الإسرائيليين، وهذا يشكل باعتقادي تهديداً حقيقياً على المدى القريب والبعيد للوجود الوطني للشعب الفلسطيني. بالمقابل هناك حل الدولتين، لكي عن أي دولتين نتحدث؟ أن حل الدولتين الكلاسيكي يعاني من إشكاليات كبيرة خاصة وأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تتعامل مع هذا الحل ـ منذ ثلاثين عاما- بأنه سيؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، بل كل ما كان يطرحه الإسرائيليون هو شيء أكثر من حكم ذاتي، وأقل من دولة. كما أن حل الدولتين الكلاسيكي كان فيه إشكاليات عديدة تتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية وحق العودة للشعب الفلسطيني ووضع مدينة القدس، وهي القضايا التي تم تأجيلها إلى المراحل اللاحقة رغم أنها قضايا جوهرية لا يمكن ترحيلها. كذلك كيف يمكن إقامة دولتين منعزلتين كل واحدة عن الأخرى بعدما أصبحت حياة كل طرف مرتبطة بالطرف الآخر. وعلى سبيل المثال فإن القدس اليوم يعيش فيها إسرائيليون وفلسطينيون، وكذلك هناك قرابة 800 ألف مستوطن يهودي – إسرائيلي في الضفة الغربية، كما يوجد في داخل إسرائيل ما يقارب مليون و800 ألف مواطن فلسطيني، وهناك العديد من القضايا المشتركة وبينها الاقتصاد والمناخ والتحديات والشوارع والحيز الجغرافي المشترك، طبعا بفوقية يهودية وسيطرة ونظام احتلال واستعمار وفصل عنصري إسرائيلي.
○ بناء على ذلك ما هو الحل برأيك؟
• هو ليس حلا جديداً، الجديد هو الاهتمام المتزايد به في الأوساط الرسمية والدبلوماسية الغربية والإقليمية. وهو حل يمكن النظر اليه كإطار يجمع ما بين حل الدولتين والدولة الواحدة، وهذا هو الحل الذي نطرحه في مبادرة البلاد للجميع، وهو يعني حل الدولتين المبني على تفكيك نظام السيطرة والفوقية العرقية اليهودية ومبني على الإقرار بالواقع ثنائي القومية وعلى مبدأ المساواة والشراكة في الأرض وليس على مبدأ الفصل والعزل التام الذي يريده الإسرائيلي. مع ذلك، نحن نؤمن ان وجود دولتين مستقلتين ليس كافياً لاستدامة الاستقرار وللتعاطي مع الواقع الذي أصبحت فيه حياة الفلسطينيين والإسرائيليين متقاطعة ومتشابكة الى حد كبير، ولذلك هناك حاجة لتأسيس مؤسسات مشتركة لإدارة القضايا التي ستبقى مشتركة للشعبين، يمكن لهذا النظام المشترك ان يكون كونفدرالية او اتحاد بين الدولتين.
كما تطرح المبادرة حلولاً للقضايا التي ما زالت عالقة ولم يتم نقاشها في حل الدولتين الكلاسيكي بما فيها قضية المستوطنات والمستوطنين وقضية حق العودة واللجوء الفلسطيني، ومكانة فلسطينيي الـ 48. الأمر الأخير هو الحدود المفتوحة بين الدولتين وحرية الحركة والتنقل والعمل للجميع.
○ وكيف يمكن حل قضية المستوطنات؟
• يجب تفكيك كل منظومة الاستيطان لأنها منظومة استعمارية وعنيفة، ويجب أن يكون أي حل لقضية المستوطنات بموافقة فلسطينية، لأن المستوطنات عمليا، مبنية على 22 في المئة من الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية، أي 22 في المئة من فلسطين التاريخية، فلا يمكن الحديث عن أي حل للمستوطنات إلا بموافقة فلسطينية رسمية.
ولا يجب أن ننسى أن المستوطنات هي غير شرعية وفقا للقانون الدولي والقانون الإسرائيلي أيضا.
ويجب تفكيك المنظومة العنصرية الفوقية التي قامت عليها المستوطنات، وإذا أراد بعض المستوطنين البقاء في دولة فلسطين وتحت السيادة الفلسطينية فيمكنهم البقاء كرعايا في الدولة الفلسطينية مع احتفاظهم بالجنسية الإسرائيلية، لكن باستثناء أولئك الذين يجب إرسالهم إلى السجن لأنهم إرهابيون ومتهمون بالإرهاب ضد الفلسطينيين.
إذن فالحل الذي نتحدث عنه هو حل دولتين لكن مع حدود مفتوحة نسبيا، ووجود كونفدرالية بين الدولتين لمعالجة القضايا المشتركة.
ويجب أن يتم العمل على بناء آلية للتعويضات عن الاستيطان والأراضي التي سُلبت في حال بقي بعض المستوطنين وبعض المستوطنات، لأن السؤال هو عن أي استيطان نتحدث؟ هل نتحدث عن مستوطنات صارت مدنا وتمت شرعنتها في القانون الإسرائيلي؟ أم عن المستوطنات التي تعتبر غير شرعية وفقا للقانون الإسرائيلي؟ فيجب أن نتحدث عن تعويضات لمن سُلبت أرضهم من الفلسطينيين.
○ قد يقول البعض إن أحلامكم وردية؟
• لا، لا، ليس حلما ولا شيئا غير قابل للتحقق، رغم أن كل الحلول المتداولة تبدو وردية في الواقع الأسود الذي نعيشه ومع ذلك ما هي الاحتمالات الأخرى؟ إنها حالة عدم الحل الذي ما زلنا نعيشه منذ انهيار عمليات السلام بداية العام 2000، وهي الحالة التي ينتفع منها الإسرائيلي فقط ويستكمل مشروعه بإلغاء الوجود الفلسطيني منذ العام 1948.
○ هل هناك أطراف إسرائيلية جدية وفاعلة تدعم طرحكم هذا؟
• المجموعة كبيرة وفي تزايد حتى في السنة الأخيرة وهي مجموعة إسرائيلية وفلسطينية.
○ وما مدى قدرة هؤلاء الإسرائيليين على التغيير؟
• دورهم محدود لكنه يكبر وخاصة في السنة الأخيرة، وأنا لا أتفق معك بأن الدور ينبغي أن يكون على الإسرائيلي، بل ينبغي للفلسطيني أيضا أن يكون له دور.
مع ذلك يجب الاعتراف إن الوضع القائم هو وضع محبط ولا يدعو إلى العمل السياسي ولا إلى التفكير بأي طروحات، والواقع هو سيء إلى درجة كبيرة، وإذا كنا نريد الاستمرار في وجودنا في فلسطين فيجب أن نفعل شيئا.
وأخيرا إن ما يسمى الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني (رغم أنني لا أحب هذه التسمية) ليس أول صراع في التاريخ، وهناك صراعات أخرى في تاريخ البشرية تم حلها.
إن التاريخ البشري ليس في حالة ثبات إنما هو في حالة متحركة، وقد يحدث شيء ما قد يفتح الأفق.
لذلك ليس لدينا رفاهية الاستسلام لواقع التهجير والقتل والنفي وشطب القضية الفلسطينية وعدم السعي من أجل حل آخر.
وفي النهاية، هناك شعبان يعيشان بين النهر والبحر، والسؤال هو كيف سيكون شكل المستقبل لهذين الشعبين؟ وما يحصل حاليا من جانب إسرائيل هو أن الحل يتمثل في الحسم العسكري وبإلغاء الشعب الفلسطيني. ولذلك فإن أقل ما ينبغي القيام به من جانبنا ـ كفلسطينيين- هو ضمان بقاء الوجود الفلسطيني الجمعي. ان حرب الإبادة ومشاريع التوسع الاستيطاني والتهجير التي اتخذت منحىً مكثفاً مؤخراً تهدد هذا الوجود بشكل حقيقي ولذلك علينا السعي للتوصل الى تسوية سياسية.