
القصة القصيرة وجائزة الملتقى

أمير تاج السر
منذ أيام أعلنت في الكويت، نتيجة الدورة السابعة لجائزة الملتقى للقصة القصيرة، تلك المسابقة العظيمة التي أنشأها الأديب الكويتي طالب الرفاعي منذ حوالي عشر سنوات، وأصبحت في سنوات قليلة، الجائزة الأكثر أهمية، والأكثر استقطابا لكتاب القصة القصيرة في الوطن العربي، وحتى في أوروبا وأمريكا.وكانت الجوائز عموما تختص بالرواية في معظمها، وهناك جوائز للشعر، وإن كانت ثمة جوائز للقصة فهي قليلة، وليست فعالة مثل جائزة الملتقى. فكرة الجائزة واسمها استوحاها طالب من ندوة الملتقى، التي تعقد أسبوعيا في بيته منذ فترة طويلة، وحتى الآن، كما أظن ويحضرها الكتاب الجدد جنبا إلى جنب مع الكتاب المخضرمين، وهناك مجاميع قصصية وروايات، وقصائد عرضت على أعضاء المنتدى، ونوقشت بجدية واهتمام، قبل أن ترسل إلى النشر، مما يميزها كثيرا.
إذن نواة الجائزة كانت موجودة، ثم جاءت الفكرة التي تبنتها الجامعة الأمريكية في الكويت أولا، ثم ذهب تبنيها لجامعة أمريكية أخرى، وكلا الجامعتين، ساهمتا بشكل فعال في نشرها، والجائزة نفسها أضافت تميزا للجامعتين بلا شك، في فترة تبنيهما لها، ومع هذه الدورة، ستؤول رعاية الجائزة للمجلس الوطني للثقافة والفنون، وبالفعل كانت دورة مميزة من ناحية التنظيم وحفل إعلان الفائز، وما تلا ذلك من ندوات، ونحن نأمل استمرارية الجائزة بهذا المستوى، وأن يخصص صندوق خاص بالدعم، نشارك فيه كلنا، بسبب أنها جائزة رائدة، أحيت مجالا فنيا، كاد أن يندثر، ولفتت الأنظار كثيرا.
حسب الإحصائيات هذا العام، قدمت للمسابقة مئة وثلاث وثلاثون مجموعة قصصية بعضها من كتاب لهم إسهاماتهم في المجال، وبعضها من كتاب شباب ربما يكتبون لأول مرة، وطبعا لكل كاتب رؤاه الخاصة، وتجليه من عدم تجليه في الكتابة، وبالطبع في مثل هذه الجوائز الكبرى، تكون المنافسة شديدة، والذين يفوزون إنما يفوزون بعد تدقيق كبير. هذه المشاركات الكثيفة، تؤكد أن الرواية ليست وحدها ملكة، في مجال السرد، هناك كتاب مخلصون للقصة القصيرة، يدللونها أيضا وينفقون الوقت في تطويرها، واكتشاف مداخل جديدة فيها، ولم يكتبوا غيرها أبدا، أي لم ينساقوا لجاذبية الرواية وإغوائها الذي شد حتى ربات البيوت، ليكتبن تجاربهن روائيا، وأشخاصا لم يكونوا يعلمون شيئا عن الكتابة، ليكتبوا، وبعضهم نجح بالفعل. وكان الكاتب المصري الراحل سعيد الكفراوي شديد الإخلاص للقصة، لم يكتب غيرها حتى رحل، وأعتقد أنه كان بإمكانه كتابة رواية، لكنه لم يفعل، كذلك يوجد محمد خضير في العراق، وأنيس الرافعي في المغرب وأحمد الفضل في السودان وغيرهم من مبدعي القصة المرابطين في محرابها. أيضا يوجد قصاصون كتبوا رواية أو روايتين، لكن قلبهم وقلمهم، عند القصة القصيرة مثل الكاتب الأردني محمود الريماوي، صاحب النصوص الرشيقة دائما. كما يوجد روائيون مهمون أجادوا في القصة القصيرة أيضا، أمثال محمود الرحبي وعاطف الحاج سعيد، وأحمد مجدي همام، لذلك ما فعلته جائزة الملتقى في دوراتها السبع، أنها أيقظت كتاب القصة القصيرة من سباتهم، وشدت الذين لا يكتبونها عادة، وهذا ما نرجوه في الجوائز دائما. أن تحرك الراكد في الشأن الثقافي، وتثير بعض اللغط الجيد.
ومعروف أن جائزة البوكر في الرواية هي الأكثر حيوية من ناحية جذب الكتاب والقراء على حد سواء، وعلى الرغم من وجود «كتارا» والآن «القلم الذهبي» في السعودية، لكن اللغط يثار فقط حين تظهر قوائم البوكر الطويلة والقصيرة. وإذا تأملنا القصص القصيرة التي تكتب الآن، هل نجد تطورا في التقنية، عما كتبه السابقون؟ أم استمرت بالنهج نفسه، مع تغير المواضيع طبعا بناء على تطور المجتمعات وامتلاء العالم بأحداث جديدة مهولة، يمكن الاستفادة منها في القص مثل، الحروب، والنزوح، ومحاولات السفر المغامر، وغير ذلك؟ حسبما قرأت من مجموعات قصصية حديثة، أجد تطورا كبيرا بالفعل في بنية الحكاية، وسرد الأحداث والاستفادة من الأساطير والموروثات الشعبية، إضافة إلى ما ذكرته من مواضيع جديدة، تماما مثلما استفادت الرواية، وبعض القصاصين الذين يحبون أن يظلوا كتاب قصة قصيرة، بعيدا عن فوضى الرواية، يستطيعون أن يضمنوا قصصهم رواية كاملة في عدة صفحات فقط، ولا بد من الإشارة بمنجز المصري سمير الفيل، التي تعتبر معظم قصصه حكايات شاملة تغني عن قراءة الرواية.
حين كنت أدرس في مصر، وأيام كتابة الشعر، أي قبل أن أتجه للرواية، تعرفت إلى كاتب قصة موهوب، كان يقيم قريبا مني، وأصبحنا نلتقي باستمرار، مع عدد من كتاب وشعراء طنطا، حيث أقيم، وكنا نسافر معا الى القاهرة لنشر إنتاجنا في الصحف والمجلات آنذاك، هذا القاص واسمه فوزي شلبي، كان يعمل في إدارة البريد، ويتميز بنشاطه وتقدمه في الكتابة، وأذكر أن له قصة اسمها «الأنتوبي وحماره والطوفان»، نشرت في مجلة «إبداع» آنذاك، ونالت شهرة كبيرة. فوزي للأسف لم يعش طويلا ليبدع، ولا أدري هل نشرت أعماله في كتب أم لا؟ لكن كان كاتبا حقيقيا للقصة القصيرة، أضاف إلى معمارها، ولم يجرها الى الاختصارات المخلة، أو الومضات الشعرية التي تكتب الآن بدعوى الحداثة. أيضا عاصرت إبراهيم فهمي، الذي كان أبرز أبناء جيلنا، في كتابة القصة القصيرة، ورحل مبكرا أيضا.
إذن كانت جائزة الملتقى فرصة كبيرة للتوقف قليلا عن قراءة الرواية، وتأمل ما أبدع كتاب القصة القصيرة، لذلك أكرر أمنيتي أن تستمر هذه الجائزة لتقدم لنا وجوها جديدة من كتاب القصة، في كل عام.
بقي أن أقول إن مؤسس جائزة الملتقى طالب الرفاعي، من الشخصيات الثقافية المهمة في أيامنا هذه، ويمكنه أن يؤسس ويدير أي نشاط ثقافي بنشاط واقتدار.
كاتب سوداني