دفاعا عن مالك بن نبي من جديد – معمر حبار

دفاعا عن مالك بن نبي من جديد – معمر حبار
مقدّمة المدافع عن مالك بن نبي:
قرأت عصر هذا اليوم ودون سعي منّي لجزائري يكيل للأستاذ مالك بن نبي كلّ الشتائم، والسباب، والتّهم. فتركت فرصة البحر جانبا ورحت أصحّح الأخطاء، وأدافع عن مالك بن نبي، وأردّ عنهم التّهم.
ليست المرّة الأولى -ولا الأخيرة- التي أردّ التّهم، والكذب، والتّزوير فيها عن مالك بن نبي. وليست المرّة الأولى التي أثني علانية، وأنتقده. وغير نادم، ولا آسف.
أنا -الآن- أقضي أيّامي في البحر ببعض البلديات السّاحلية التّابعة لوهران العزيزة علينا. والمراجع ليست بين يدي لأستعملها. راجيا من أهل القراءة، والنقد أن يأخذوا هذه النقطة بعين الاعتبار.
يقرّ صاحب الأسطر أنّه يعتمد في مقاله هذا على ذاكرته. ودون الرّجوع للكتب التي قرأها، ولا مقالاته، ولا مناشيره.
الفكر العالمي لمالك بن نبي:
قال: الأستاذ مالك بن نبي من “الجزأرة”.
أقول: أعترف أنّي لم أقرأ لمالك بن نبي وهو ينادي بما يسمونه “الجزأرة؟!”. ولم يكن هذا المفهوم يومها معروفا، ولا متداول. ولم يستعمل هذا في كتاباته.
للتذكير، مالك بن نبي ألقى محاضرات بالمملكة السّعودية. وكتابه “المسلم في عالم الاقتصاد”. كان نتيجة المحاضرات التي ألقاها بالمملكة السّعودية. وكتبت في الموضوع.
ومن بين أحلامه في بدايات تخرّجه، والبحث عن العمل أن يسافر للمملكة السّعودية. وظلّ يحلم بأداء الحج ومنذ كتابه الأوّل “لبيك”. حتّى رزقه الله بالحج. وكتبت في الموضوع.
مالك بن نبي صاحب فكر يتعدى الحدود. ولا يرضى أن يحصر في بقعة جغرافية كالجزائر، أو غيرها. بل هو عالمي.
نظرة لعناوين كتبه تنبئ بذلك، ومنها: “وجهة العالم الإسلامي”، و”فكرة كمنويلث إسلامي”، و”الفكرة الإفريقية الأسيوية”، “ومجالس دمشق”. كلّها تدلّ على أنّ فكره عالمي يتعدى الجغرافية.
اختلف مالك بن نبي مع الجمعية سياسيا. وظلّ يقدّر الشيخ عبد الحميد بن باديس:
قال: “كراهيته لإبن باديس لا تنتهي”. و”وعداءه واضح لجمعية العلماء المسلمين”.
أقول: كانت اختلافات من النّاحية السّياسية بين مالك بن نبي، والجمعية. خاصّة بعد مؤتمر سنة 1936 بفرنسا. وهذا أمر طبيعي جدّا. وكتبت كثيرا في الموضوع.
اختلف مالك بن نبي مع الجميع. وبما فيهم أستاذه الروحي حمودة بن ساعي، والرؤساء، والملوك، والفقهاء، والجزائريين، والمصريين، والعرب، والغربيين، والزوايا، والزّيتونة، والقيروان، والأزهر، وقادة الثّورة الجزائرية، والسّاسة. ولم يقل أحد أنّه “يكرههم؟!”، أو يكنّ لهم “العداء؟!”.
مالك بن نبي لا يكره الجمعية، ولا يكره الشيخ عبد الحميد بن باديس. ولا غيره. ويكنّ له بالغ المحبّة، والتّقدير، والاحترام. وقد مدح تفسيره للقرآن الكريم، وكتب عنه. ونقلها الأستاذ عمار طالبي في “آثار عبد الحميد بن باديس”. وكتبت عن رسالته. لكن، ظلّ على موقفه السّياسي. وهذا شأنه.
أصل مالك بن نبي:
قال: “فالشجرة الحقيقية لمالك بن نبي تثبت أنه تركي الأصل هجر من اسطنبول إلى قسنطينة.مما يعني أن مالك بن نبي تركي الأصل”.
أقول: أعترف أنّي لم أقرأ عن أصل مالك بن نبي، ولا أتذكّر أنّه ذكر أصوله، ولا أعرفه.
ومن ذكر “الأصول؟!” يريد أن يقول: من العيوب، والتّهم التي توجّه لمالك بن نبي أنّه “تركي؟!”.
الأصل التركي، أو غيره ليس مسبّة، ولا نقيصة. والمرء لا يتحكّم في أصل. ويستحسن بالجزائري -وغيره- أن يتوقّف عن ذكر أصول الآخرين. حتّى لا يقع فيما لا يريد سماعه.
مالك بن نبي الذي انتقد الفرنسيين، والشيوعيين:
قال: “ومالك بن نبي تربى في أحضان الفرنسيين و نهل من معين الشيوعيين”.
قول: مالك بن نبي كغيره من الجزائريين الذين أجبرهم الاستدمار الفرنسي على الهجرة لأجل لقمة العيش. فاضطرّ للذهاب إلى فرنسا للتّعلم، والبحث عن العمل. ونال شهادة مهندس في الكهرباء. وحرمته فرنسا حتّى من تعليم الأميين، وغلّقت الأبواب في وجهه، وطردت أباه من العمل. وظلّ طريدا شريدا. كيف يقال بعدها: تربى في أحضان الفرنسيين؟!”.
لم يكتب مالك بن نبي كتابا واحدا، ولا مقالا واحدا -فيما قرأت- يمدح فيه فرنسا، ولا الاستدمار الفرنسي. بل كتبه، ومقالاته كلّها ضدّ الاستدمار الفرنسي، والقابلية للاستدمار.
مالك بن نبي وسيد قطب:
قال: “الغريب أن ابن نبي التقى في تأثره بما تأثر به سيد قطب”.
أقول: انتقد مالك بن نبي سيّد قطب رحمة الله عليهما. وحركة الإخوان المسلمين -في تقديري- كانت تنظر نظرة ريبة لمالك بن نبي. والسّبب -فيما أزعم- أنّهم يرون أنّه “مقرّب؟!” من الرّئيس جمال عبد الناصر رحمة الله عليه.
الجانب الفني، والعلمي “تخصّص هندسة”، واللّغة الفرنسية. تجعل مالك بن نبي لا يأخذ من سيّد قطب، والإخوان. ولا يمكن -في تقديري- أن يلتقيا. ضف لها أنّ مالك بن نبي انتقد الجميع. وبما فيهم الإخوان، وسيّد قطب.
وقف مالك بن نبي ضدّ إعدام سيّد قطب. وأعلن ذلك صراحة، وسبق أن ترجمت المقطع المذكور في مذكراته:LES CARNETS. لمن أراد الزّيادة.
ما يجب ذكره في هذا المقام، أنّ مالك بن نبي لا يتبع أحدا، ولا يقلّد أحدا، وينتقد الجميع ودون استثناء. ومنهم الإخوان، وسيّد قطب.
مالك بن نبي وماسينيون:
قال: “من الفلاسفة الذين تأثر بهم ؛ أذكر منهم :ماسينين”.
أقول: بل اشتكى مالك بن نبي طوال حياته من مطاردة، وحصار، وتشويه ماسينيون له. والسّعي لأن يجد له بديلا، ويغريه حتّى يسقطه في الفضيحة، أو الأخطاء.
بل يلام مالك بن نبي لأنّه “بالغ؟!” في وصف تهديدات ماسينيون له. كيف يقال أنّه “تأثّر به؟!”.
ثقافة مالك بن نبي الإسلامية الواسعة، والعميقة:
قال: “مالك بن نبي ثقافته الاسلامية معدومة فهو متفرنس اشتراكي حاول صياغة اسلام ثوري اشتراكي في قالب فرانكفوني”.
قال: “مالك بن نبي ثقافته الاسلامية معدومة”.
أقول: لا يقال لصاحب ظاهرة “الظاهرة الإسلامية”، و”شروط النهضة”، و”وجهة العالم الإسلامي”، و”دور المسلم في الثلث الأخير من القرن العشرين”، و”مشكلة الأفكار في العالم
الأحد 8 ربيع الأوّل 1447هـ، الموافق لـ 31 أوت 2025
الشرفة – الشلف – الجزائر