بوتين يتحفّظ على المقترح الأمريكي لهدنة مؤقتة في أوكرانيا ويرهنها باستعادة كورسك

بوتين يتحفّظ على المقترح الأمريكي لهدنة مؤقتة في أوكرانيا ويرهنها باستعادة كورسك
آدم جابر
وضع فلاديمير بوتين، كورسك في الميزان، خلال رده على مقترح الهدنة الأمريكي، مشددا أنه سيحدد الخطوات المقبلة، بناءً على ما تحققه القوات الروسية لجهة طرد قوات الأوكرانية من المنطقة.
باريس ـ بعد الاجتماع الذي احتضنته الشهر الماضي العاصمة السعودية الرياض بين مسؤولين أمريكيين وروس- في تواصل على مستوى غير مسبوق منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا-، كانت مدينة جدة السعودية هذا الأسبوع أيضاً على موعد مع اجتماع مماثل هذه المرة بين مسؤولين أمريكيين، اقترحت واشنطن خلاله هدنة مؤقتة لثلاثين يوماً للحرب في أوكرانيا، رحبت بها كييف وتحفظت عليها موسكو.
ففي أول اجتماع رفيع المستوى بين الولايات المتحدة وأوكرانيا منذ المشادة الكلامية الحادة في البيت الأبيض بين الرئيسين دونالد ترامب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والذي احتضنه مدينة جدة الساحلية السعودية يوم الثلاثاء الماضي، وافق الأمريكيون على استئناف المساعدات العسكرية لكييف وتعهد الجانبان بتوقيع اتفاق المعادن «في أقرب وقت ممكن». في حين أيدت أوكرانيا مقترحاً أمريكياً لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما، مع إمكانية تمديد هذه الهدنة بموافقة الطرفين. كما وافقت أوكرانيا على إجراء مفاوضات فورية مع روسيا لوضع حد لثلاث سنوات من الحرب.
لاقى المقترح الأمريكي للهدنة المؤقتة ترحيباً من حلفاء أوكرانيا الغربيين، حيث اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا بأنه يُعدّ تطوراً إيجابياً قد يُشكّل خطوة نحو سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا. كما أشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتقدم المحرز وقال إن الكرة هي الآن «بوضوح في الملعب الروسي». وكذلك فعل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر متحدّثًا عن «تقدّم ملحوظ» في محادثات السلام بشأن أوكرانيا.
نقل الأمريكيون مقترحهم إلى الروس، رامين الكرة في ملعبهم. وفي هذا الإطار زار المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف موسكو يوم الخميس والتقى بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ردّ على العرض الأمريكي، بالتأكيد أن بلاده «تؤيد» الهدنة التي اقترحتها واشنطن، لكنه عبّر في الوقت نفسه عن «تحفظات» حيالها، مشددا على أن هناك «قضايا مهمة» ما زالت عالقة يجب حلّها قبل وقف إطلاق النّار. وبعث فلاديمير بوتين برسالة إلى نظيره الأمريكي دونالد ترامب عبر فيها عن «تفاؤل حذر» حيال الهدنة المقترحة في أوكرانيا، مشدداً على أنها بحاجة إلى مزيدً من النقاش. كما اعتبر بوتين أن «أيّ تسوية يجب أن تضمن سلاماً طويل الأمد»، في إشارة مبطّنة منه، حسب مراقبين، إلى رفض بلاده لانضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي «الناتو».
الرئيس الأمريكي، اعتبر أنّ نظيره الروسي أدلى بتصريح «واعد للغاية» لكن «غير مكتمل» بشأن الهدنة المؤقتة المقترحة، محذرا من أن رفض روسيا للعرض سيكون «لحظة تثير خيبة أمل العالم للغاية». في حين، اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن التصريحات التي أدلى بها نظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن تنطوي على «تلاعب»، متّهما إياه بـ«التسويف» بهدف مواصلة النزاع. من جانبهم، حثّ وزراء خارجية الدول الأعضاء في «مجموعة السبع» في ختام اجتماع لهم بكندا، يوم الجمعة، حثّوا روسيا على الموافقة على مقترح الهدنة الأمريكي، ملوّحين بفرض عقوبات ضدها. وشدّد وزير الخارجية الأمريكي على هامش هذا الاجتماع على ضرورة تقديم الطرفين الروسي والأوكراني «تنازلات». وفي هذا الصدد، طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الجمعة، روسيا بالكف عن «التجاوزات والمطالبة»، والقبول بالعرض الأمريكي.
وأمام مطالبة الرئيس الأمريكي له، يوم الجمعة، بـ «الحفاظ على حياة» الجنود الأوكرانيين، ردّ الرئيس الروسي بدعوة القوات الأوكرانية المحاصرة في منطقة كورسك الروسية الحدودية إلى «الاستسلام»، معتبرا أن ذلك يضمن لهم «الحياة والمعاملة الكريمة»، ذلك في وقت تضيق فيه القوات الروسية الخناق على نظيرتها الأوكرانية، بعد شنّها في الأيام الأخيرة لهجوم مضاد سمح لها باستعادة أجزاء كبيرة من هذه المنطقة الروسية الحدودية، التي استولت عليها القوات الأوكرانية في شهر آب/أغسطس، وباتت توشك الآن، على ما يبدو، على فقد موطئ القدم الذي حصلت عليه بشق الأنفس في هذه المنطقة الروسية.
ووضع فلاديمير بوتين، يوم الخميس، كورسك في الميزان، خلال رده على مقترح الهدنة الأمريكي، حيث شدد أنه سيحدد «الخطوات المقبلة» بشأن وقف إطلاق النار المقترح، بناءً على ما تحققه القوات الروسية لجهة طرد قوات الأوكرانية من منطقة كورسك الروسية. وقال: «بناء على كيفية تطوّر الوضع على الأرض، سنتفق على الخطوات المقبلة لإنهاء النزاع والتوصل الى تفاهمات مقبولة من الجميع». وردّ الرئيس الأوكراني، متهما نظيره الروسي بالسعي إلى «جرّ الكل إلى مناقشات لا نهائية لتقويض الدبلوماسية عبر طرح شروط صعبة جداً وغير مقبولة من البداية».
وأعلنت روسيا يوم الخميس أنها سيطرت بشكل كامل على مدينة سودجا الواقعة في منطقة كورسك، والتي سقطت في أيدي القوات الأوكرانية بعد وقت قصير من هجومها المفاجئ في آب/اغسطس الماضي. عشية ذلك، زار بوتين منطقة كورسك يوم الأربعاء، أمرا جيش بلاده أن «تنجز» المهمة قريباً. وأكد له رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف «استعادة السيطرة على نحو 1100 كيلومتر مربع من الأراضي التي احتلها الجيش الأوكراني منذ آب/اغسطس، أي أزيد من 86 في المئة من المنطقة التي احتلت سابقا».
وكانت أوكرانيا قد فجَرت واحدة من أكبر المفاجآت في الحرب باقتحام قواتها الحدود وسيطرتها على نحو 1300 كيلومتر مربع من منطقة كورسك الروسية، الأمر الذي عزز من معنويات قادتها وأكسبهم ورقة تفاوض محتملة. ومن شأن الاستعادة الروسية الكاملة للمنطقة أن يُشكل ضربة قوية لأوكرانيا ضمن مساعيها لاستخدام سيطرتها عليها كورقة تفاوضية في محادثات السلام مع موسكو».
هذا السلام المحتمل، استبق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر التوصل المحتمل إليه، بعقد اجتماع افتراضي يوم السبت، شارك فيه قادة الدول الداعمة لأوكرانيا، لاسيما الأوروبية، والساعية إلى إرساء أسس تحالف من أجل حماية أي اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.
«القدس العربي»: