الآن وهنا في أمريكا: إدارة ترامب تدخل البلاد في نفق مظلم لحماية إسرائيل من النقد وتدمير جامعات النخبة

الآن وهنا في أمريكا: إدارة ترامب تدخل البلاد في نفق مظلم لحماية إسرائيل من النقد وتدمير جامعات النخبة
إبراهيم درويش
تكشف أحداث الأيام الأخيرة أن الولايات المتحدة تنزلق شيئا فشيئا إلى نفق مظلم وعميق، من الصعب عليها أن تخرج منه، والمتابع لقضية الفلسطيني محمود خليل، خريج جامعة كولومبيا واعتقاله في مركز بولاية لويزيانا بعيدا عن عائلته وزوجته الحامل في شهرها الثامن في نيويورك وتهديد إدارة دونالد ترامب والحملة التي شنت عليه لشيطنته باعتباره ضالعا في نشاطات معادية لأمريكا وإسرائيل، تعطي صورة عن المدى الذي تريد الإدارة الحالية بكل ما فيها من صقور وعقائديين من الإنجيليين المسيحيين الذهاب إليه للدفاع عن جرائم إسرائيل التي ترتكبها في غزة والضفة الغربية وضد الفلسطينيين. وفي عرف ترامب بات «الفلسطيني» سبة يمكن أن يستخدمها لوصف أي شخص يعارضه ويبغضه من ساسة أمريكا، كما في حالة تشاك تشومر، أبرز سيناتور ديمقراطي في مجلس الشيوخ، وهو يهودي عندما وصفه بأنه أصبح فلسطينيا، وذلك في مؤتمر بالمجلس البيضاوي يوم الأربعاء مع رئيس وزراء أيرلندا، وقال إن تشومر كان يهوديا ولكن أصبح فلسطينيا. ولعل اللجوء إلى تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم متساوق مع خطاب الإبادة الإسرائيلي الذي زادت وتيرته بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وحاولت إدارة ترامب في احتفالها باعتقال أول ناشط فلسطيني في الحمى التي أشعلتها باسم معاقبة نقاد إسرائيل ومعاداة السامية أن تخرج القضية عن سياقها وكونها خرقا للدستور الأمريكي، كون خليل وهو فلسطيني نشأ في سوريا، وعمل في السفارة البريطانية بببروت كما كشف موقع «ميدل إيست» (11/3/2025) قبل أن يسافر إلى الولايات المتحدة ويحصل على شهادة ماجستير في العلاقات الدولية والعامة، قبل ثلاثة أشهر. وذكرت صحيفة «الغارديان» (13/3/2025) أن خليل كان موظفا بريطانيا يحظى باحترام.
وعندما سئل وزير الخارجية ماركو روبيو عن التعديل الأول في الدستور الأمريكي وحق خليل بالتعبير الحر، رفض الجواب مؤكدا أن الموضوع لا علاقة له بحرية التعبير، وحاول أن يبرر ترحيله بناء على حكم مؤقت استخدم في الخمسينات من القرن الماضي لترحيل اليهود ممن اتهموا بالشيوعية. وهو على ما يبدو أحد مصادر السلطة القانونية التي تستشهد بها الإدارة، في إشارة إلى قانون ماكاران-والتر لعام 1952، فقد اعتقد السيناتور باتريك ماكاران، المشارك في رعايته، أن اليهود «جرذان تخريبية يجب إبعادها» عن البلاد. ووصفت صحيفة «الغارديان» (13/3/2025) عودة الإدارة لهذا الحكم بأنه غريب ونادر.
الدوس على حرية التعبير
وامتلأت الصحافة الأمريكية بالمقالات والتعليقات التي قالت إن مهمة ترحيل خليل بناء على أفكاره ستكون صعبة ولا يمكن إثباته أمام محكمة القانون، ولكن الإدارة التي رحبت بالاعتقال من خلال منشور على منصة إكس «شالوم محمود»، أي مع السلامة يا محمود تبدو واثقة من نفسها وأنها قادرة على ترحيل الذي يحمل «الكرين كارد». وحذر المدير السابق لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» كينيث روث بمقال نشرته صحيفة «الغارديان» (14/3/2025) من مخاطر ترحيل خليل وأنه لو حدث يعتبر دوسا على حرية التعبير، ومثالا صارخا على الرقابة الرسمية الهادفة للحد من نقد إسرائيل. وقال إن كل ما قالته الإدارة عن خليل يتناقض مع الحقيقة، حيث يصفه أصدقاؤه بأنه «هادئ وواضح في كلامه ولطيف». ووصفه أستاذ في جامعة كولومبيا بأنه «واحد يحاول التوسط في الحلول عبر الكلام والحوار، وهذا ليس شخصا متورطا في العنف أو يحرض الناس على فعل أمور خطيرة».
وأضاف روث أن المادة الأولى المعدلة من الدستور الأمريكي تحمي في العادة حتى الخطاب المؤذي، ورغم أن الحكومة تحتفظ بصلاحيات أوسع لترحيل غير المواطنين، إلا أن خطاب ترامب يوحي بنية تجاوز حدود اللياقة. ماذا يعني أن تكون «معاديا لأمريكا»؟ كما رأينا في عهد مكارثي، قد يواجه الناس هذا الاتهام بسبب طيف واسع من الآراء السياسية المشروعة. وتمثل هذه الحملات نقيضا للنقاش الحر الضروري للديمقراطية الأمريكية.
خصوصية إسرائيل
وأضاف روث أن تهمة معاداة السامية التي يحاول ترامب تغذيتها واستخدامها لإسكات النقد للحكومة الإسرائيلية، فهي في طبيعتها مشكلة خطيرة تواجه اليهود حول العالم، لكن الناس يرون أن اتهامات معاداة السامية، مجرد جهود لإسكات نقاد إسرائيل، وهو ما يقلل من قيمة المصطلح في وقت هناك حاجة ماسة لمعالجة المشكلة الحقيقية لمعاداة السامية. وحتى اتهام ترامب لخليل بأنه «مؤيد للإرهاب» يحتاج لتفكيك، فمعارضة إسرائيل وهجماتها غير المتناسبة على المدنيين الفلسطينيين وكذا تجويعهم، لا يجعل أي شخص مؤيدا للإرهاب، فهذا لا يجعل خليل مؤيدا للإرهاب ولكن مؤيدا للمدنيين.
ويعتقد روث أن انتقام إدارة ترامب من خليل هو جزء من هجوم واسع على حرم الجامعات التي شهدت احتجاجات مؤيدة لفلسطين. وقبل أيام من اعتقال خليل، أعلنت الإدارة عن حجب ما يقرب من نصف مليار دولار من الدعم الفدرالي لجامعة كولومبيا، لأنها فشلت بحماية الطلاب اليهود خلال التظاهرات المعارضة لإسرائيل، والتي كانت في غالبيتها سلمية وهادئة.
ويعلق روث أنه تحدث في جامعة كولومبيا قبل أيام من اعتقال خليل و«كيهودي لم أشعر أنني مهدد. وبالتأكيد هناك العديد من اليهود الذين احتجوا ضد إسرائيل، ومرة أخرى فمحاولة ترامب فرض الرقابة على نقاد إسرائيل تنقصها الشفافية». والمشكلة أننا لو «تسامحنا مع خصوصية إسرائيل عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير لنا، فإن هناك استثناءات أخرى ستتبع. وتحدث ترامب شبه مازح من أنه ملك، فهل نحن نسير نحو ملكية تشبه ملكية تايلاند حيث يتم تجريم أي نقد للملك».
كما أن الرقابة على نقد إسرائيل هي استراتيجية فقيرة، فخطة ترامب لحل المشكلة الفلسطينية من خلال ترحيل جماعي لسكان غزة هي في حد ذاتها «جريمة حرب». وقد رفضتها الدول العربية، ولكن فشل الخطة مع أن وكالة أنباء «أسوشيتد برس» (14/3/2025) نشرت تقريرا قالت فيه إن الولايات المتحدة وإسرائيل تحدثتا مع كل من السودان والصومال وجمهورية أرض الصومال غير المعترف بها لاستيعاب فلسطينيين من غزة، وقد رفضت هذه الدول ما ورد في التقرير، مع أرض الصومال قد تحفز من خلال حصولها على اعتراف. ولا يعرف سبب اختيارهذه المناطق المعروفة بقوة دعمها للفلسطينيين.
وبالعودة إلى تصرفات أمريكا ضد نقاد إسرائيل، فإن محاولات الإدارة الأمريكية الحالية لتكميم الأفواه ما هي إلا وصفة للحروب التي لا تنتهي ولمزيد من الجرائم، وهو ما يناسب إسرائيل التي رفضت حل الدولتين وترفض أي خطة لغزة ما بعد الحرب.
فقد سارعت والولايات المتحدة لرفض الخطة العربية أو المصرية التي تحدثت عن ثلاث مراحل لإعادة إعمار غزة بكلفة 53 مليار دولار بدون أي حاجة إلى تهجير سكانها قسرا. وهي خطة رأت صحيفة «واشنطن بوست» (13/3/2025) أنها الوحيدة الموجودة على الطاولة، ويمكن أن تناقش ويتم تجاوز ما فيها من ثغرات، وخاصة غياب التفاصيل حول مستقبل الجناح العسكري لحركة حماس.
لن توفر الأمن
ومع ذلك فحرب ترامب على الجامعات وإن شنت باسم حماية الطلاب اليهود ومنع نقد إسرائيل، إلا أن عددا من المعلقين ومعظمهم يهودا قالوا إنها لن توفر الحماية ليهود أمريكا، بل ستزيد من مستويات العداء لهم، كما ورد في مقال نشرته مجلة «ذي نيوريببلك» (11/3/2025) قالت فيه كاتبته إيميلي تامكين إن تركيز إدارة دونالد ترامب على «معاداة السامية» تجعل من اليهود أقل أمنا، مشيرة إلى أن استخدامها للموضوع خدمة لمصالحها يعرض أيضا حياتهم للخطر. ففي الوقت الذي تقول فيه إدارة ترامب أنها تكافح معاداة السامية لكنها في الحقيقة تحارب جامعة كولومبيا.
وتعلق تامكين بأن التطورات الأخيرة، لا علاقة لها بمكافحة معاداة السامية، أو الحفاظ على سلامة اليهود. بل «يبدو لي أن هذه حيلة تخدم مصلحة إدارة مليئة بالأشخاص الذين يروجون ويرسخون المؤامرات المعادية للسامية والتي تركز على مهاجمة التعليم العالي وحرية التعبير وحرية التجمع والهجرة ومعايير الإجراءات القانونية باستخدام اليهود والخوف اليهودي ومعاداة السامية كذريعة للقيام بذلك».
وأشارت إلى أن عددا من المنظمات اليهودية مثل جمعية الخريجين اليهود من كولومبيا، استقبلت نبأ تخفيض المنح لكولومبيا بقولها «لقد حدث ذلك أخيرا»، مضيفة، أي الجمعية، أن على الناس ألا يشعروا بالأسف على خليل لأن البطاقة الخضراء وفرصة الدراسة في كولومبيا هي امتيازات «ألقى بها بعيدا». وقالت تامكين إن هذا النهج الذي تتبناه الإدارة لن يقضي على معاداة السامية ولن يجعل اليهود أكثر أمنا، بل ويعرض حياتهم للخطر.
وفي مقال بمجلة «ذي أتلانتك» (11/3/2025) كتبه آدم سيروير قال فيه إن الحكومة الفيدرالية لم تقدم أي دليل على ارتكاب محمود خليل أي جريمة جنائية، ومع ذلك، اقتاده عملاء الدولة ليلة السبت من منزله وسلم إلى مركز احتجاز لم تتمكن زوجته الحامل ولا محاميه من الوصول إليه. ورأى أن خليل استهدف وتم تغييبه بسبب آرائه السياسية. وقال إن فكرة أن آراء خليل قد تكون لها «عواقب وخيمة على السياسة الخارجية» للولايات المتحدة هي ذريعة واضحة لطرده، ورسالة إلى آخرين قد يحملون أو يعبرون عن معتقدات مماثلة. ببساطة، لا يوافق مؤيدو ترامب على سياساته، ولذلك لجأوا إلى استخدام سلطة الدولة لترحيله. لقد صور ترامب نفسه مدافعا عن حرية التعبير، ولكن هذا هو ما يعنيه مؤيدو ترامب بـ «حرية التعبير»: إما أن تقول ما يريده مؤيدو ترامب أو تعاقب. وأشار إلى ما قاله ترامب من أن إدارته لن تتسامح مع أي «نشاط مؤيد للإرهاب، ومعاد للسامية، ومعاد لأمريكا». وهذا اعتراف بأن اعتقال خليل لا يتعلق بعواقب على السياسة الخارجية الأمريكية، بل بمعاقبة حرية التعبير. تستخدم الإدارة سلطة الدولة لإسكات من يعبرون عن آراء سياسية لا تعجب ترامب. وتجدر الإشارة إلى أن أنصار ترامب يعرفون أي انتقاد لترامب بأنه «معاد لأمريكا». ومع ذلك رحبت رابطة مكافحة التشهير باعتقال خليل، وإذا كان هناك درس واضح من التاريخ اليهودي، فهو أنه عندما تضطهد الحكومات الناس بناء على آرائهم السياسية وخلفياتهم العرقية، فمن غير المرجح أن تنتهي الأمور على خير بالنسبة لليهود. وأعتقد، يقول سيروير أن رابطة مكافحة التشهير تعلمت دروسا مختلفة من ذلك التاريخ. فهذا النوع من ردود الفعل، حيث تؤيد منظمة تسمي نفسها منظمة حقوق مدنية حرمان الناس من حقوقهم الأساسية في التعبير والإجراءات القانونية الواجبة لمجرد أنها تجد الهدف غير متعاطف، هو ما يعتمد عليه الترامبيون.
ونهج ترامب يتساوق مع أساليب الأنظمة الديكتاتورية، حيث قالت ميشيل غولدبيرغ في صحيفة «نيويورك تايمز» (10/3/2025) إن اعتقال خليل مثل العديد من الأشياء التي قامت بها إدارة ترامب، كان صادما ولكنه ليس مفاجئا. مشيرة إلى تعهد ترامب أثناء حملته الانتخابية معاقبة مؤيدي فلسطين. ويبدو أن الإدارة عازمة بشكل خاص على جعل جامعة كولومبيا عبرة لمن لا يعتبر. ولكن حقيقة أنه كان من السهل توقع هذه الحملة الإيديولوجية القادمة لا ينبغي أن تحجب النظر عن مدى خطورة اعتقال خليل. فإذا كان من الممكن القبض على شخص يقيم بشكل قانوني في الولايات المتحدة من منزله بسبب مشاركته في نشاط سياسي محمي دستوريا، فنحن في بلد مختلف تماما عن البلد الذي كنا نعيش فيه قبل تنصيب ترامب. وقالت إن اعتقال خليل يذكر بالخوف الأحمر في الخمسينات والستينات والمكارثية التي قادها السناتور جوزيف مكارثي الذي وصفته بالدجال والوقح، مشيرة إلى أن مؤيدي فلسطين باتوا اليوم محتقرين على نطاق واسع، تماما كما كان اليساريون أثناء فترة الخوف الأحمر. و«لن أتفاجأ إذا ثبتت شعبية اعتقال خليل، ولكن هذا لن يجعل اعتقاله أقل خزيا أو إثارة للقلق. فقد تم إخطار حاملي البطاقات الخضراء البالغ عددهم نحو 13 مليونا في الولايات المتحدة ـ ناهيك عن الطلاب والأساتذة الأجانب ـ بضرورة مراقبة ما يقولونه». ولم تكن معاملة خليل لتحدث في نظام ديمقراطي حقيقي، كما قال مصطفى بيومي في صحيفة «الغارديان» (11/3/2025) إن التغييب القسري والاعتقال السياسي، وما إلى ذلك، هي مصطلحات معروفة في الأنظمة الديكتاتورية ولكنها تنطبق على أول اعتقال تقوم به إدارة ترامب بجريمة تتعلق بمجرد التفكير، وهو أمر ما كان ليحدث في نظام ديمقراطي. و«لكل دقيقة يقضيها خليل في الاعتقال، ينبغي أن يشعر كل منا بأن حقوقه الفردية في هذا البلد تنتهك. فاعتقال محمود خليل محاولة مكشوفة من إدارة ترامب لتدمير حرية الفكر، وفي الوقت نفسه، اغتيال الإجراءات القانونية الواجبة وحرية التعبير. وهذا تطور ينذر بالشر». ويعلق بيومي: «لنكن واضحين، لو نشأت في مصر أو نيكاراغوا أو روسيا، لعرفت هذا السلوك ولو قرأت أعمال ميلان كونديرا أو أرييل دورفمان أو بريتن بريتنباخ، لعرفته. هكذا تعمل الأنظمة الاستبدادية دائما، سعيا لشيطنة منتقديها وتحييد معارضيها بالأكاذيب والمبالغات والقوة الصارخة لسلطة الدولة. وقد وصل هذا السلوك الحقير والخطير الآن إلى أرض الأحرار وموطن الشجعان وأصبح سياسة رسمية».
بدون رد
والمشكلة هي أن الإدارة الحالية تعمل على مهاجمة كولومبيا تحديدا كبالون اختبار لترى ردة فعل الجامعات الأخرى. وحتى الآن لم تظهر إدارة الجامعة أي مقاومة للإجراءات الجديدة، بل وسمحت لعملاء وزارة الأمن الداخلي بدخول الجامعة وتفتيش غرف طلابية وقامت بمعاقبة الطلاب الذين احتلوا قاعة هاميلتون وأطلقوا اسم الطفلة هند رجب التي قتلت برصاص الجيش الإسرائيلي وعائلتها. واعتقلت يوم الخميس طالبة فلسطينية. وفي تقرير أعدته ناتاشا لينارد في «ذي انترسبت» (8/3/2025) قالت فيه إن جامعة كولومبيا الأمريكية أظهرت كل الاستعداد لاسترضاء الجماعات المؤيدة لإسرائيل ومع ذلك قررت إدارة دونالد ترامب قطع الدعم الفدرالي عنها. ورغم القرار إلا أن مديرة الجامعة بالوكالة أكدت على استمرار حملات قمع المؤيدين لفلسطين بدلا من إظهار الغضب على قطع الدعم. وأشارت لينارد للإجراءات القاسية التي قامت بها الجامعة خلال عام ونصف ضد مؤيدي فلسطين ومنذ أول معسكر تضامن مع فلسطين في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وشملت تعليق عمل جمعيات طلابية وطرد أربعة طلاب. ومرة بعد الأخرى، أظهرت كولومبيا استعدادها لإلقاء الطلاب وأعضاء هيئة التدريس وحرية التعبير والحرية الأكاديمية تحت الحافلة في استسلام لسرد يميني مؤيد لإسرائيل يعامل دعم الفلسطينيين باعتباره إهانة للسلامة اليهودية. وتعلق لينارد أنه لا يمكن استرضاء قوة سياسية مثل اليمين الترامبي، الذي يعتزم تنفيذ برنامج تدميري، ولا يمكن استرضاء رؤية عالمية قومية صهيونية تتحدى العقل وترى معاداة السامية في كل دعوة إلى الحرية الفلسطينية.
على مسؤوليتكم
وفي مواجهة الضغط، طلبت الجامعة من طلابها تجنب الحديث عن غزة وأوكرانيا في منشوراتهم، حسب صحيفة «نيويورك تايمز» (12/3/2025) وقالت إن ستيوارت كارل، المحامي والأستاذ المساعد في مجال التعديل الأول للدستور الأمريكي، حث الطلاب غير الأمريكيين على تجنب نشر أعمالهم عن غزة وأوكرانيا والاحتجاجات المتعلقة باعتقال زميلهم السابق. وقال كارل للحضور في قاعة بوليتزر: «إذا كانت لديكم صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي، فتأكدوا من أنها لا تحفل بالتعليقات عن الشرق الأوسط». عندما اعترض طالب فلسطيني، كان عميد كلية الصحافة، جيلاني كوب، أكثر صراحة بشأن عجز الكلية عن حماية الطلاب الدوليين من الملاحقة القضائية الفيدرالية. وقال كوب: «لا أحد يستطيع حمايتكم. هذه أوقات عصيبة». ويعتبر الجمهوريون جامعات النخبة بؤرا للكراهية، وأشارت مجلة «بوليتيكو» (11/3/2025) إلى ما قاله نائب الرئيس جي دي فانس عام2021، أن «الجامعات هي العدو»، هذا الأسبوع، أعلن البيت الأبيض الحرب عليها. وأضافت المجلة أن الرئيس دونالد ترامب وإدارته صعدوا من هجماتهم على التعليم العالي، وكثفوا جهودهم المستمرة منذ سنوات لعرقلة الجامعات التي يقولون إنها تغذي الفكر التقدمي من خلال تصويرها ليس كمساحاتٍ للابتكار، بل كبؤر للكراهية. وتقول إن الجمهوريين لطالما ألقوا باللوم على الجامعات لكونها بؤرة رئيسية لعددٍ من قضايا حرب الثقافة «الصحوة» التي يحاولون الآن استئصالها، بما في ذلك مبادرات التنوع والمساواة والشمول، والأطر الأكاديمية مثل النظرية العرقية النقدية. وغذت الاحتجاجات التي عمت الجامعات ربيع العام الماضي وسط حرب إسرائيل ضد غزة، دوافع الجمهوريين لمهاجمة الجامعات بسبب مخاوفهم من معاداة السامية، ومنذ توليه منصبه، سارع ترامب إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى معاقبة التعليم العالي.
إنذار نهائي
يوم الخميس تلقت جامعة كولومبيا رسالة من وزارة التعليم تطلب منها أن تنفذ عددا من المطالب كشرط لإعادة الدعم الفدرالي. وذكر موقع «ميدل إيست آي» (14/3/2025) أن الشروط تشمل إعادة تشكيل دائرة دراسات الشرق الأوسط من جديد والاعتراف بالتعريف المثير للجدل للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست والذي اعتبره مفكرون وأكاديميون يهودا مثيرا للجدل لأنه يساوي بين نقد إسرائيل ومعاداة السامية. وأرسلت إدارة ترامب شروطها إلى رئيسة الجامعة المؤقتة كاترينا أرمسترونغ.
وفي الرسالة، طلب من الجامعة أيضا البدء في عملية وضع قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا، المعروف عالميا، تحت الحراسة الأكاديمية. وتتطلب هذه العملية تعيين رئيس خارجي، يمكن أن تعينه الحكومة، لإدارة القسم لمدة خمس سنوات. ومن المطالب الأخرى التي طرحها البيت الأبيض حظر ارتداء الأقنعة في الحرم الجامعي، ومنح «سلطة إنفاذ القانون الكاملة» لأمن الحرم الجامعي من خلال السماح لهم «باعتقال وطرد المحرضين»، وإصلاح عملية القبول في برامج البكالوريوس والدراسات العليا. وأمرت إدارة ترامب جامعة كولومبيا أيضا بتطبيق سياساتها التأديبية الحالية، وإلغاء مجلسها القضائي الجامعي، الذي يضم ممثلين عن الطلاب والموظفين، ومركزة صلاحياتها تحت إشراف رئيس الجامعة. وطلب من الجامعة أن تطبق ما طلب منها بحلول 20 آذار/مارس وعليه فإنها تستطيع الدخول في «مفاوضات رسمية» مع الحكومة الفدرالية وإلا خسرت جميع الدعم الفدرالي. وجاء في الرسالة: «نتوقع منكم الالتزام الفوري بهذه الخطوات الحاسمة القادمة، وبعدها نأمل أن نفتح حوارا حول الإصلاحات الهيكلية الفورية وطويلة الأمد التي من شأنها أن تعيد كولومبيا إلى مهمتها الأصلية المتمثلة في البحث المبتكر والتميز الأكاديمي».