الصحافه

استنتاجات حروب هليفي: إسرائيل أخرجت كلمة “الاحتواء” من قاموسها

استنتاجات حروب هليفي: إسرائيل أخرجت كلمة “الاحتواء” من قاموسها

عندما عرض هليفي على الكابنيت عمليات الجيش الإسرائيلي في الـ 48 ساعة الأولى من الحرب، أشار إلى أن سلاح الجو هاجم 1500 هدف في غزة. هذا عدد هائل يتطلب قدرات استخبارية وعملياتية استثنائية. انفجر نتنياهو غاضباً، وصرخ وطرق على الطاولة. “لم لم تكن 5 آلاف؟” قال لرئيس الأركان: “ليس لدي 5 آلاف هدف مقر”. “لا يهمني الأهداف”، أجاب نتنياهو. “انزل بيوتاً، اقصف كل ما هو موجود”. لقد كان هذا الانفجار جزءاً مما وصف بعد ذلك على لسان غادي آيزنكوت وآخرين، أنه انهيار في أداء نتنياهو في أيام الحرب الأولى. الضباط الذين التقيتهم في تلك الأيام رووا بأن نتنياهو فقد عقله. لا غرو أنه يرفض اليوم كل تحقيق. مشكلته ليست القاضي عميت. حتى لو ترأست غالي غوتليف لجنة التحقيق، فلا يمكنها منع الشهود من الإدلاء بشهاداتهم.

شعر الجيش بأنه وحيد أيضاً. أعضاء الكابنيت تقاتلوا فيما بينهم: لم يوفروا لهيئة الأركان رؤية متبلورة، استراتيجية، زعامة. الجدال في 11 أكتوبر 2023 على الحملة في لبنان بشر بما سيأتي: الجيش، و“الشاباك”، والموساد، ووزير الدفاع غالانت، كلهم أيدوا؛ أما غانتس وآيزنكوت والأمريكيون فقد عارضوا. لم يرغب نتنياهو في التنفيذ، لكنه خاف من تحمل المسؤولية، ومن التسجيل في البروتوكول. عاد نتنياهو وغالانت ليتقاتلا على الحملة في جلسات الكابنيت في الأشهر التالية، أمام عيون مندهشة لرئيس الأركان والجنرالات. لم يكونا قادرين على التوقف عن الخصام. خرجت الحملة إلى حيز التنفيذ في توقيت آخر، في ظروف أخرى بنتائج أذهلت العالم. من كان محقاً؟ ما زالت الآراء، بما في ذلك في الجيش، منقسمة. ثمة وجاهة هنا وهناك.

عملياً، ليس الكابنيت هو من أدار الحرب، بل الجيش. كان هذا هو إحساس لابسي البزات. الجيش بادر، وخطط، ونفذ. نتنياهو أخذ حظوة على كل خطوة نجحت، وهرب من تحمل المسؤولية عن كل فشل. أحياناً، تباهى بأنه كان مشاركاً في كل التفاصيل، وأحياناً ادعى بأنهم لم يرووا له شيئاً، كله حسب النتيجة.

الأزمة بين نتنياهو وهليفي بدأت بالانقلاب النظامي. طيارون ومساعدو طيارين هددوا بأنه إذا ما أجيزت القوانين، فسيتوقفون عن التطوع. وزراء الحكومة ضغطوا باتجاه تنحية جماعية. “اذهبوا إلى الجحيم، سنتدبر أمرنا بدونكم”، هتف وزير الإعلام كرعي، واحد من كثيرين. أما هليفي، فقرر التصرف بشكل مختلف. “كن يساراً نابذاً ويميناً جاذباً”، اقتبس عن هيئة القضاة الدينية “سنهادرين”. من يهدد بالتوقف عن التطوع، يحتاج إلى إقناع وليس إلى تنحية، اعتقد. في 7 أكتوبر، كلهم امتثلوا للخدمة.

في حركة الاحتجاج من هو مقتنع بأن هليفي نجح أكثر مما ينبغي. أولئك الطيارون الذين أعلنوا بأنهم فقدوا الثقة بحكومة نتنياهو قبل الحرب، لم يسمعوا همسة حين قتل في غزة في قصفهم عشرات الآلاف من غير المشاركين، حين عرقل نتنياهو صفقة المخطوفين مراراً واستأنف الانقلاب النظامي بقوة. احتجاج الطيارين ذاب في الحرب. هذا الأسبوع، وقف لأول مرة مساعد طيار، متطوع في خدمة الاحتياط، في سربه وأعلن أنه سيرفض. فأطيح به فوراً.

الامتثال الكامل للخدمة لم يسكت آلة السم. التقى هليفي في أثناء الحرب مع رؤساء المجالس في الجنوب. وقال أحدهم إن الطيارين لم يقصفوا غزة صباح 7 أكتوبر لأنهم فضلوا حياة رجال حماس على حياة اليهود. هليفي صدم. ونسب القول إلى غسيل الدماغ في قنوات الدعاية.

في قيساريا وميامي أيضاً، صنفوا هليفي كأنه كابلاني. جنون الاضطهاد فعل فعله. لكن رفض هليفي تنحية الطيارين لم يكن السبب المركزي للمواجهة التي احتدمت بينه وبين نتنياهو. كل شيء شخصي، لكن نزعة الوجود تحسم. فور انتعاشه، أجرى نتنياهو اختياره: سيلقي بمسؤولية الإخفاق على قيادة الجيش و”الشاباك”. سيسقطون وسينجو. والآلة ستعرف كيف تنتج التفريق: جنودنا أبطال؛ قادتهم خونة. الحقائق غير مهمة ولا حتى الأفعال أو القصورات. يجب أن تسوق للجمهور قصة مؤامرة ظلامية، تتقاسمها قيادة الجيش مع القضاة والنواب العامين، والصحافيين، ومطوري التكنولوجيا العليا، وإخوة السلاح، وعائلات المخطوفين. هم الدولة العميقة التي قامت علينا لإفنائنا. ما كان ترامب ليصيغ هذا على نحو أفضل.

قال هليفي منذ البداية إن الحرب ستكون طويلة: لم يقدر المدة. شريحة القيادة حوله هددت بالتفكك: ضباط كبار انفجروا بكاء. عميد في إحدى الفرق، روى لي بعد بضعة أيام من 7 أكتوبر بأنه ذهب إلى جنازة صديق قتل في أحد الكيبوتسات، وخجل أن يأتي بالبزة العسكرية. لهذه الدرجة أثقلت عليه أحاسيس الذنب، الخجل.

اختار البقاء في ضوء فقدان صلاحيات المستوى والخراب الذي هبط على آلاف العائلات والصدمة على الضباط الكبار. إذا استقال، سيسوء الوضع، كما افترض. اعتزال رئيس أركان في ذروة الحرب سيفاقم الفوضى في الجيش واليأس في الجمهور. في نظرة إلى الوراء، نرى ما حصل لحزب الله وحماس بعد أن صفى الجيش الإسرائيلي زعماءهم العسكريين.

فينكلمان سار معه برأس واحدة. فقد آمنا بأنهما سيجدان في داخلهما عظمة الروح. الحصانة التي أظهراها ستعزز الآخرين. الخط الذي تبنياه تجاه كل الضباط الذين كانوا مشاركين مباشرة في الإخفاق، من رئيس “أمان” فما دون، كان يقول ببساطة: لن تبقوا حتى انتهاء التحقيقات. إذا قررتم الاعتزال قبل ذلك، فافعلوا هذا بالتوقيت وفي الطريقة التي ترونها مناسبة لكم.

ظاهراً، وضعت الحرب حداً لمفهوم الهدوء بكل ثمن. مفهوم طويل السنين تشارك فيه المستويان السياسي والعسكري وأدى إلى تدفق المال القطري إلى حماس وسيطرة حزب الله على جنوب لبنان. وصف هليفي في إحدى محاضراته هذه السياسة بالمثال التالي: مسمار يبرز من الأرضية. يعرض سكان البيت للخطر. بدلاً من اقتلاعه، نفضل التعايش معه.

في تلخيص ولايته، لا يوجد بعد اليوم احتواء، لا في غزة ولا في لبنان ولا في سوريا. الجيش الإسرائيلي لن يسمح بعد اليوم بتعاظم جيش إرهاب على حدود إسرائيل. وهو يعمل بقوة حتى لو امتنع عن الهجوم. هذه هي تعليمات المستوى السياسي، وهو أيضاً الدرس الذي استخلصه الجيش. سيكون الاختبار في المدى البعيد أمام الظروف المتغيرة وحاجة المواطنين الأساسية، هو الهدوء والاستقرار. الهدوء ليس كلمة نابية: هو مقدر حيوي لمجتمع يتطلع للحياة الطبيعية.

ناحوم برنياع

يديعوت أحرونوت 21/3/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب