سوريا: بعد اختبار الساحل… توترات على الحدود مع لبنان والقنيطرة

سوريا: بعد اختبار الساحل… توترات على الحدود مع لبنان والقنيطرة
منهل باريش
هشاشة الوضع في جنوب سوريا ستنعكس على السلطة في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، وتضعف من قوة المفاوضات الجارية مع قوات سوريا الديمقراطية.
عاد الهدوء إلى منطقة الحدود اللبنانية-السورية بعد اشتباكات عنيفة اندلعت بين الجيش السوري والجيش اللبناني، وجاء الاتفاق عقب اتصال بين وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، ونظيره اللبناني ميشال منسى الإثنين الفائت.
وأفادت وكالة الأنباء السورية «سانا» نقلاً عن المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع بأنه تم الاتفاق بين وزارتي الدفاع السورية واللبنانية على وقف إطلاق النار، وإنهاء الاشتباكات المندلعة بين الجانبين على الحدود، وتعزيز التعاون والتنسيق بين الجانبين.
من جانبها، قالت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان، أن اتصالا بين وزير الدفاع اللبناني ونظيره السوري بحث الأوضاع المتوترة على حدود البلدين، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار، على أن تنسق مديرية المخابرات اللبنانية وجهاز الاستخبارات السوري لتفادي تطور الأحداث وسقوط ضحايا مدنيين من البلدين. وعلمت «القدس العربي» أن الوزارتين عينتا ضابط تنسيق في كل منهما لمتابعة شؤون الحدود المتداخلة وفرض الأمن على الجانبين.
وفي الإطار، قال القيادي في الفرقة 52 في الجيش السوري العقيد باسل ادريس في اتصال مع «القدس العربي» إن الاتفاق ينص على «انتشار الجيش اللبناني على طول الحدود اللبنانية واخذ دوره بمنع مسلحي حزب الله والعشائر بنقل وتهريب المخدرات والأسلحة وغيرها من الممنوعات عبر الحدود». ومن مهام الجيش اللبناني أيضا حسب الاتفاق «منع مسلحي العشائر ومقاتلي حزب الله إطلاق النيران ومنع استهداف عناصر الجيس السوري من داخل الأراضي اللبنانية».
وحول الواقع الأمني والعسكري الحالي بالنسبة لحوش السيد علي بعد سيطرة الجيش السوري الجديد عليها، أشار ادريس إلى أنه جرى الاتفاق على الانتشار على أطراف القرية والسماح لأهلها بالعودة إليها.
ولفت ادريس وهو ضابط منشق عن جيش النظام السوري البائد منذ العام 2012 وينحدر من مدينة القصير إلى أن المنطقة كانت تحت حماية جيش الأسد اسميا لكن كانت اليد العليا فيها لحزب الله اللبناني كما كان من المتعذر على الجيش اللبناني دخولها أو تفتيشها أو ملاحقة المطلوبين اللبنانيين فيها باعتبارها داخل الأراضي السورية وهو ما خلق منها بيئة نشطة لصناعة المخدرات وتهريب وتجارة السلاح.
وعن التهديدات المستقبلية نوه إلى أن انتشار الجيش السوري على الأطراف سيساهم بالتدخل السريع لفرض الأمن ومنع أي نشاط إجرامي في البلدة.
وكانت الاشتباكات اندلعت الأحد الماضي في منطقة ريف القصير بريف حمص الغربي الجنوبي بعد وصول تعزيزات عسكرية للجيش السوري إلى المنطقة، وعقب مقتل ثلاثة عناصر تابعين لوزارة الدفاع السورية داخل الأراضي اللبنانية.
ونعى ناشطون وإعلاميون عسكريون ثلاثة مقاتلين في الإدارة الجديدة ينتمون للواء علي ابن ابي طالب والذي انتشر في ريف حمص الغربي لضبط أمن الحدود مع لبنان وملاحقة عناصر جيش النظام السابق المختبئين في المناطق الحدودية المتداخلة.
بموازاة ذلك، أصدرت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني، الأحد الفائت، بيانا جاء فيه «بعد مقتل سوريين وإصابة آخر في منطقة القصر- الهرمل، نقل المصاب إلى أحد المستشفيات اللبنانية، إلا أنه فارق الحياة، وعلى إثر ذلك نفذت القوات اللبنانية إجراءات وتدابير أمنية في المنطقة، وأجرت اتصالات مع الجانب السوري، حيث تم تسليم جثامين القتلى للسلطات السورية صباح الإثنين».
وفي هذا السياق، تضاربت الأنباء حول مقتل العناصر الثلاثة، فبحسب وكالة «سانا»، نقلت عن مصدر في وزارة الدفاع السورية أن مقاتلين يتبعون إلى حزب الله اللبناني اختطفوا بكمين على الحدود العناصر إلى داخل الأراضي اللبنانية، وجرت تصفيتهم هناك.
من جهته نفى الحزب علاقته بالأحداث، فيما قال وزير الإعلام اللبناني نقلاً عن وزير الدفاع ميشال منسى أن «القتلى ليسوا من الجيش، ولا يتبعون لوزارة الدفاع، بل من المهربين».
الجيش الإسرائيلي في القنيطرة
وعلى صعيدٍ آخر، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي الخميس، عن إجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق في هضبة الجولان السوري المحتل، وحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» فإن هضبة الجولان ستشهد حركة للمركبات والجنود بشكل مكثف، كما ستسمع أصوات انفجارات ضمن مناورات عسكرية سينفذها جيش الاحتلال في الجولان.
وقال متحدث باسم جيش الاحتلال أن المناورات ستتم في المنطقة ولا يوجد أي تخوف أمني خلال تنفيذها. وكان الجيش الإسرائيلي قد قطع ليل الخميس الماضي الطريق الواصل بين قرية الرشيد ومدينة نوى على بعد 10 كم من شريط فض الاشتباك، وهي المرة الأولى التي تقترب فيها قوات الاحتلال بشكل فعلي من مدينة درعا، وفي ريف القنيطرة الجنوبي توغلت وحدات عسكرية تابعة لجيش الاحتلال إلى محيط قريتي الناصرية وغدير البستان.
وقال الناشط في القنيطرة، شادي ابو زيد في اتصال مع «القدس العربي» إن رتل جيش الاحتلال الاسرائيلي ضم معدات هندسية نوع كاتربلر «بلدوزر» وناقلات جند ودبابات ودمر الجيش نقطتين عسكريتين يتبعان جيش النظام السابق هما «سرية ابو درويش» وهي نقطة مراقبة روسية سابقة والنقطة الأخرى هي «سرية الكوبرا» وفجر الجيش الإسرائيلي مستودعا للأسلحة شبه فارع إضافة إلى تحصينات هندسية.
وقالت مصادر محلية من قرية العدنانية لـ «القدس العربي» إن آليات عسكرية ثقيلة تابعة لجيش الاحتلال تتحرك بكثافة خلال اليومين الماضيين داخل الأراضي المحتلة بموازاة قرية العدنانية، وأضافت المصادر أن آليات الجيش الإسرائيلي والفرق الهندسية تعمل بين خطي «برافو» و«ألفا» وتبني نقاط عسكرية في سياق إنشاء ما تطلق عليه إسرائيل بـ «السياج الأمني».
إلى ذلك، شنت طائرات الاحتلال الثلاثاء الماضي عدة غارات جوية على منطقة عسكرية تنتشر داخلها مدافع ثقيلة كان يستخدمها جيش النظام السابق في منطقة خان أرنبة بريف القنيطرة، وقال جيش الاحتلال في بيانٍ له إنه لن يسمح «بأي تهديد عسكري لإسرائيل مصدره جنوب سوريا»، كما استهدفت عدة غارات جوية تحصينات عسكرية سورية في محيط قريتي شمسين وشنشار بريف حمص الجنوبي، على الحدود السورية اللبنانية، فيما قصف سلاح الجو الإسرائيلي ليل الاثنين الماضي مدينة درعا ومحيطها، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 19 آخرين حسب ما أفاد به الدفاع المدني السوري «الخوذ البيضاء».
وحسب مصادر محلية فإن إدارة الأمن العام في القنيطرة تفضل عدم مواجهة الجنود الإسرائيليين وإثارة غضبهم وتطلب من المدنيين عدم اعتراض دورياتهم بعد أن جرت مواجهتها في وقت سابق ما دفع جيش الاحتلال إلى إطلاق النار على المتظاهرين وجرح نحو سبعة مدنيين إصابة بعضهم كانت بليغة.
وعينت الرئاسة السورية الجديدة القيادي المعروف في حركة أحرار الشام الإسلامية، أحمد الدالاتي محافظا للقنيطرة، في محاولة من الرئاسة استيعاب الضغط الإسرائيلي حيث يعتبر دالاتي واحدا من أكثر الأشخاص قربا من الرئيس الشرع، ويتوقع أن يلعب دورا مهما في مفاوضات غير مستبعدة مع الإسرائيليين.
وزارة الخارجية السورية، دانت من جانبها الغارات الإسرائيلية التي تسببت بمقتل ثلاثة مدنيين، وجاء في بيان الخارجية السورية أن هذا العمل «عدواني وجزء من حملة تشنها إسرائيل ضد الشعب السوري والاستقرار في البلاد».
مشيرة إلى أن هجمات الاحتلال المتعمدة تكشف تجاهل إسرائيل التام للقوانين والأعراف الدولية، ولفت البيان إلى أن استمرار إسرائيل في اعتداءاتها لا يشكل انتهاكا للقانون الدولي فحسب، بل يمثل تهديدا مباشرا للأمن الإقليمي والدولي.
ودعا بيان الخارجية، مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وكافة الهيئات الدولية ذات الصلة للتحرك بسرعة لوضع حد لممارسات إسرائيل غير القانونية وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974.
كما دانت وزارة خارجية المملكة العربية السعودية في بيانٍ لها انتهاكات إسرائيل المتكررة، ومحاولاتها لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، واصفة الانتهاكات بأنها مخالفة للاتفاقيات والقوانين الدولية ذات الصلة.
وأكد بيان وزارة الخارجية السعودية على «ضرورة نهوض المجتمع الدولي أمام هذه الاعتداءات، وأهمية اضطلاع الدول الأعضاء في مجلس الأمن بدورهم، والوقوف بشكل جاد وحازم أمام هذه الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في سوريا ومنع اتساع رقعة الصراع».
ويشكل الواقع الأمني في الجنوب السوري واحدا من أخطر العقد على الإدارة السورية الجديدة، خصوصا مع استمرار القصف الإسرائيلي في عمق محافظات الجنوب الثلاث. ولم يعد القصف متركزا في السويداء ودرعا والقنيطرة، بل يحاول جيش الاحتلال التركيز مؤخرا على أرياف دمشق الجنوبية كما هو الحال في القصف على الكسوة التي تعتبر بوابة دمشق الجنوبية وشكلت ثقلا عسكريا سابقا في جيش النظام باعتبارها مركزا لقيادة الفرقة الأولى دبابات.
هشاشة الوضع في جنوب سوريا يضعف قوة المفاوضات الجارية مع قوات سوريا الديمقراطية وتؤخر التوصل إلى عمل اللجان التي لم تُؤسس وتأجل تشكيلها للجلسة القادمة من المفاوضات بين وفد الرئاسة السورية ومظلوم عبدي مطلع نيسان (أبريل) المقبل.