ما يدور في إسرائيل استكمال لانقلاب عام 1977 ببناء مرحلة الدولة الثالثة

ما يدور في إسرائيل استكمال لانقلاب عام 1977 ببناء مرحلة الدولة الثالثة
أولى الخطوات التنفيذية كانت إقرار “قانون القومية” عام 2018، والذي مهد الطريق فعلا لبناء إسرائيل الثالثة، والتي تبلورت معالمها في انتخابات عام 2022 وتشكيل حكومة أقصى اليمين بـ64 مقعدا منها 14 مقعد لأحزاب سموتريتش وبن غفير.
صدر في عام 2017 كتاب بعنوان “لماذا تنتخب اليمين ويحكم اليسار؟!” للكاتب إيرز تدمور، إعلامي معروف وأحد مؤسسي حركة “إذا أردتم” (إم ترتسو) اليمينية. للإجابة عن هذا السؤال المفصلي عاد إيرز إلى انتخابات عام 1977 والتي فازت فيها الصهيونية اليمينية الإسرائيلية بقيادة مناحم بيغن ولأول مرة منذ قيام الدولة.
أطلق على هذه الانتخابات في حينه الانقلاب، إذ شكلت فعليا أولى محطات إسرائيل، الدولة الثانية، بعد ما حكمت الصهيونية الليبرالية الاشتراكية بقيادة حزب “مباي” إسرائيل الأولى منذ قيام الدولة على انقاض النكبة الفلسطينية عام 1947 .
في إسرائيل تعد كل دورة انتخابات مفصل تحول تاريخي لا تتغير فيها الحكومة فحسب، بل تتغير معها معالم الحكم والمجتمع أيضا كنتاج طبيعي لوحدة صراع الأضداد بين يهودية الدولة وديمقراطيتها داخل نظام اليودقراطية وديمقراطية الشعب السيد.
هنا، انتبه إيرز تدمور لحقيقة أنه على الرغم من قيادة حكومة الصهيونية اليمينية الدولة الثانية بقيت الدولة الأولى العميقة تدير الدولة وتوّجه سياساتها من خلال تقلد نخبها وموظفيها الوظائف وقيادة المؤسسات المؤثرة.
وهذا ما يشخصه إيرز باستمرار حكم اليسار على الرغم من فوز اليمين في الانتخابات. وعليه، وضع في كتابه خارطة الطريق لتغيير هذا الواقع والتحول لدولة إسرائيل الثالثة، محددا ضرورة تغيير الدولة العميقة في ثلاثة مجالات:
أولا: الإعلام بفتحه لتنافس السوق بمعنى خصخصته.
ثانيا: تغيير المبنى القضائي من خلال لجم قوة وتأثير المحكمة العليا على السلطة التشريعية، الكنيست، وسن قوانينها ومعها التحكم في الهيئة التنفيذية، الحكومة.
ثالثا: العمل على تغيير المبنى التنظيمي والقيادي في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية وصولا لمضامين التعليم التي يجب أن تنسجم مع رؤية اليمين.
هذا بالإضافة لاستبدال الموظفين الكبار والنخب المسيطرة على عمل المؤسسات الحكومية والسلطات المحلية، بنخب وموظفي اليمين الحاكم.
كتاب إيرز تدمور هذا أصبح خارطة الطريق لنتنياهو وحزب “الليكود” ومعه باقي أحزاب الصهيونية الدينية والحريديين.
أولى الخطوات التنفيذية كانت إقرار “قانون القومية” عام 2018، والذي مهد الطريق فعلا لبناء إسرائيل الثالثة، والتي تبلورت معالمها في انتخابات عام 2022 وتشكيل حكومة أقصى اليمين بـ64 مقعدا منها 14 مقعد لأحزاب سموتريتش وبن غفير بعد أن كانت قوتهم 6 مقاعد في الانتخابات التي سبقت عام 2018. وبهذا، تعلق مصير حكومة نتنياهو بأكثر الأحزاب تطرفا وفاشية مدعومين بمثلهم من داخل حزب الليكود، وهم من يصرون على استمرار الحرب اليوم.
من هنا، تفسر وتفهم خطوات الحكومة وإصرارها على التغيير الجذري من خلال خطة الانقلاب القانوني والتنظيمي على المؤسسة القضائية، وعلى رأسها المحكمة العليا، بما فيه الإصرار على عزل المستشارة القضائية للحكومة، وسن قوانين تثبت النهج والتوجه.
كذلك، عملت وتعمل الحكومة على خصخصة الإعلام وتسهيل مهمة تسلل إعلاميي اليمين لكل القنوات والمؤسسات الإعلامية لا بل تأسيس قناة 14 وغيرها من قنوات ومراكز إعلامية يمينية فاشية.
وأبعد من هذا، قامت الحكومة باستبدال قيادة الجيش، والشرطة، والأمن العام، بقيادة ولائها الخالص لليمين ولرئيس الحكومة نتنياهو، وهذا ما يفسر أيضا عزل رئيس الشاباك الحالي، رونين بار. كذلك، طالت هذه السياسة تغييرا جذريا في موظفي الدولة العميقة من وزارات ومؤسسات دولة وحكم محلي.
يحدث هذا مع إحداث تغيير جذري في مؤسسات التعليم العالي، كان ذلك على مستوى النخب القيادية لهذه المؤسسات أو على مضامين برامج التعليم الصانعة للوعي الجمعي الإسرائيلي.
وفوق كل هذا، انتقلت إسرائيل الثالثة من إستراتيجية إدارة الصراع إلى حسمه وإقامة الدولة اليهودية بين النهر والبحر مع إعطاء الفلسطينيين ثلاثة خيارات: إما العيش خانعين خاضعين كأفراد وليس كأمة وشعب مع حكم محلي في الضفة وغزة (بدون السلطة الفلسطينية)، أو الهجرة (الترانسفير) الطوعي والقسري، أو الحرب حتى الإبادة، وهذا ما يفسّر الحرب على غزة والضفة.
خلاصة القول:
ما يحدث في إسرائيل هو استكمال لانقلاب عام 1977، والذي يُتوّج منذ الانتخابات الأخيرة عام 2022 ببناء إسرائيل الثالثة بقيادة أقصى اليمين، والتي ترى في حسم الخلاف الداخلي اليهودي جسر عبور لحسم الصراع مع الفلسطينيين.
تعتبر هذه الحكومة أن أميركا بقيادة ترامب ودعم الصهيونية المسيحية الإنجيلية لها أفضل مرحلة وفرصة لتحقيق أهداف إسرائيل الثالثة.