قرار الأبطال في غزة أوتواصل الوهم!

قرار الأبطال في غزة أوتواصل الوهم!
بكر أبوبكر
هاهي المنطقة العربية أو ماتسمى منطقة (الشرق الاوسط) بالصياغة الغربية تشتعل نارًا في كل مكان، فلا تكاد تجد بقعة في فلسطين، وحيث الاحتلال الإسرائيلي إلا ومشتعلة سواء داخل فلسطين في غزة المنكوبة بالتهجير أو الإبادة الجماعية أو بالضفة، أو في جوار البلاد حيث الطائرات الإسرائيلية بل والدبابات وطوابير المشاة قد حققت هيمنتها على الأجواء والأراضي المجاورة خاصة في سوريا ولبنان فلا يكاد يمر يوم بلا قصف أو تدمير متشابك مع تمدّد عدواني جغرافي سكاني، وفي إطار الهيمنة والتهديدات للجوار التي باتت بالنسبة للقيادة الإسرائيلية الحاكمة سياسة لم تعد فيها تكتفي بالهدوء مقابل الهدوء! بل وتعلن عن فرض جدول أعمالها (أجندتها) على المحيط بكل جبروت القوة والهيلمان المدعوم من الشريك بالإبادة أو المتغاضي العلني وهو الشريك الأمريكي قائلة: أنا سيد المنطقة الأوحد شاء من شاء وأبى من أبى.
هذه اللمحة /النتيجة من الحالة العربية المزرية المجاورة للكيان الإسرائيلي ترتبط بالحالة العربية العامة المتراخية أو المرتعبة أوالمنسحقة في كل مكان، وهي نتيجة منطقية لجبروت العدوان الإسرائيلي-الامريكي الهمجي الفاشي، وإليه نتيجة أيضًا لسوء تقديرالفصائل للقوى المتحكمة بمعادلة المنطقة والظروف الموضوعية، ونتيجة اللاوعي بالوسيلة وجدواها، ونتيجة افتراضات فشلت (أن العدو لن يدخل بريًا، وأنه يخاف من خسائره البشرية، وأننا سننهيه بالمعارك وجهًا لوجه، وأن “محور المقاومة” صلب مع “وحدة الساحات” وأن، وأن….) وأنه نتيجة التهييج العاطفي الإعلامي المتآمر، ونتيجة التحشيد الكلامي والتضليل العربي، كما هي نتيجة قلة تقديرالقوى المختلفة، ونتيجة عقلية المغامرة والوهم، وعقلية عدم المراجعة أو الاعتراف بالفشل، أو إعادة التفكيرالصحيح أونقد الذات، ونتيجة الافتراق الوطني أيضًا، وضلال الشاة المنفردة، التي كتبنا فيها عديد المقالات وهي الحالة السلبية التي ميّزت تصريحات عديد قيادات فصيل “حماس” الفلسطيني الذين ظنوا بنواياهم الأولية أن الأوان قد آن لتدمير الكيان، فوقعوا في الفخ الإسرائيلي بما لا يختلف مع الاستدراج الذي فعلته أمريكا مع النظام العراقي فسقط بالحفرة وغزا الكويت فكانت النتيجة أن تم تدمير العراق، وهو الحاصل مثله حاليًا لكن بضخامة ماثلت خراب الحرب الاوربية (العالمية) الثانية لمدينة “درسدن” الالمانية كنموذج، وبما يحصل من تدمير غزة والضفة بل ومجمل القضية الفلسطينية والمحيط العربي ككل.
إن الذي حصل إثْراليوم الأول والاستدراج أو المباغتة أو المراهنة أو الطوفان أن العالم الاستعماري (الاستخرابي) الغربي الرسمي وعلى رأسه أمريكا قد شارك مباشرة في تدمير الشعب العربي الفلسطيني بالسلاح والمال والاقتصاد والاعلام، وتحييد أي تحرك فعلي للعرب وقتل أي رؤية سياسية عادلة، فدخل الشعب الفلسطيني في متوالية قتل وحصار وإبادة لا تنتهي، فسقطت الأهداف الأولى، ثم تتالت التراجعات عن الأهداف لتنحصر بالحفاظ على ذات الفصيل.
لم يكن سوء التقدير أو الاستدراج أو المغامرة غير المحسوبة..الخ هو الحاصل من قبل “حماس” ومن تبعها، بل إن اللاحق كان أسوأ من السابق إذ أن كل النتائج المميتة والقاتلة حيث دمار الشعب واحتلال الأرض لم يكن لها أن تؤثر بالقرار! بل واتجهت “حماس” لتقليص أهدافها شيئًا فشيئًا من التحرير للأرض أو حماية الأقصى الى “الكل مقابل الكل” بمعنى تبييض السجون، ثم شعارالانسحاب من غزة أولًا، الى الجزء مقابل الجزء بعد تكسير السلاح، ثم الانسحاب ليس من الأقصى أو من فلسطين أو الضفة مثلًا، بل مما تبقى من غزة (بعد القضم القسري للمنطقة المحايدة) مقابل الأسرى الإسرائيليين (يسميهم الإسرائيليون المخطوفين) ووقف العدوان وافتراض بقاء الذات ضمن لعبة المفاوضات التي اليد العليا فيها للإسرائيلي.
في خضم الاندفاعة الميدانية والاعلامية التهييجية المرتبطة بوهم القوة العسكرية الفلسطينية المحورية مقابل أعتى آلة حرب بهذا العصر سقط “محور المقاومة والممانعة” بتغير النظام في سوريا، وخرج حزب الله بعد مقتل إمينيه العامين من المعادلة، وتراجعت إيران فكانت النتيجة فرعنة “نتنياهو” وقبيله، وانتهاء “المحور”، وتراجع فكرة القوة العسكرية المناضلة بمواجهة الحوت الامريكي- الإسرائيلي، وعليه ورغم هذا الواقع لم تجد-الا القلة-قيادة حماس أن الوقت قد حان لإعادة النظر والمراجعة ومحاسبة النفس بل تراها بالغالب سادرة في تنظيرها للموت الجماهيري الجماعي من أجل الحزب! ومصرّة على التماشي مع معادلة تقليص أرض غزة مقابل بقاء الحزب! ومحاولة المداورة والمناورة بغرابة عزّ نظيرها مع الأمريكان على مظنة أنها ستكسبهم مقابل الإسرائيلي ما ثبت فشله بالقطع. ومع كل ذلك وسقوط كل الرهانات الحمساوية على الأمة أو على المحور، وعلى ذاتها المنفصلة عن الكل الوطني، وسقوط كل أهداف النبضة الأولى إلا أن رفض أو حرج إعادة التفكير والمراجعة والتنازل أو التراجع لأجل الشعب والأمة ظلت متحكمة برأس قادة “حماس”.
إن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أن النكبة الثانية والكارثة قد حلت بنا، وأن القضية الفلسطينية ككل بدأت تفقد كل أوراقها حيث التراجع الفعلي عن فكرة الدولة الفلسطينية فيما يطرح من مبادرات تسمى “مسار سياسي!” وحيث “حماس” المتحجرة المتصلبة رغم فشل كل الأهداف المتناقصة مازلت تغرّد بعيدًا. ورغم معرفتها-وإن لم تعرف فتلك طامة كبرى-أنها أصبحت خارج السياق وأن المطلوب إما بقائها أوبقاء الشعب الفلسطيني البطل، وهو الحوار بالنار الذي تقوم به آلة الحرب الإسرائيلية، ورغم ذلك فإن الوعي يظل ذابلًا، وحريق الأكباد تفوح روائحه، وامكانية مد اليد للآخرين تظل مهتزة.
الأمور بخواتيمها هكذا قالت العرب فدخلنا الآن بالنفق المظلم بعد الاستدراج أو المغامرة أوسوء التقدير والفشل الوطني والعربي، فالدولة الفلسطينية في خبر كان! وحيث القيادة الفلسطينية بشقيها الشمالي والجنوبي تعاني من حصار شديد وتتنازعها أوهام الخلود، أو أوهام إمكانية أن الدور القادم دورها! وما الخروج من النفق المظلم انتصارًا للشعب الفلسطيني وتعزيزًا لصموده وبقائه على أرضه الا قرار الأبطال فقط.
بكر أبوبكر