تحقيقات وتقارير

تداعيات إبعاد فرج والبديل المحتمل

يعتزم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)، إحداث تغيير جوهري في قيادة «جهاز المخابرات العامة»، يشمل استبدال رئيس الجهاز الحالي، اللواء ماجد فرج، رغم العلاقة الوثيقة التي تربط الرجلين. ويأتي هذا التوجه ضمن حملة تغييرات جذرية طالت خلال الأشهر الستة الماضية معظم رؤساء الأجهزة الأمنية في السلطة؛ إذ تم استبدال ثلاثة منهم خلال شهر واحد فقط. واللافت، أن ثلاثة من القادة الأمنيين الأربعة الجدُد تمّ اختيارهم من جهاز «الحرس الرئاسي»، المعروف بولائه الخاص لعباس، الأمر الذي يشير إلى رغبة الأخير في إحكام قبضته على تلك الأجهزة، عبر تعيين قيادات مقرّبة منه ومن دائرته الضيقة.

وفي حين لا يزال فرج، الذي ترأّس «المخابرات العامة» لأكثر من 16 عاماً، يتمتّع بعلاقات قوية مع واشنطن وتل أبيب، فإن تداول أسماء شخصيات محتملة لخلافته يثير تساؤلات حول طبيعة المرحلة القادمة والدور المطلوب من الأمن الفلسطيني فيها. وفيما يتردّد الحديث عن احتمال تعيين فرج لاحقاً في منصب رفيع، سواء داخل «منظمة التحرير الفلسطينية» أو ضمن هيكل قيادي آخر، فإن هذا الأمر لا يزال غير محسوم بعد.

وفي السياق نفسه، يتضح أن بعض المسؤولين الذين تم استبدالهم أخيراً، مثل رئيس جهاز «الأمن الوطني» سابقاً، نضال أبو دخان (عُيّن مكانه اللواء العبد إبراهيم خليل)، والرئيس السابق لـ«الحرس الرئاسي»، منير الزعابي (عُيّن مكانه اللواء محمد الدعاجنة)، قد أمضوا فترات طويلة في مناصبهم وصلت إلى 18 عاماً في حالة الأول، و14 عاماً في حالة الثاني، في حين شملت الحملة أيضاً قادةً لم تتجاوز مدة تولّيهم مناصبهم ما بين عامين وأربعة أعوام فقط، ما يشي بأن هذه التغييرات لا ترتبط فقط بمعايير إدارية أو تأتي من باب «تشبيب» السلطة، وفقاً لما يحاول أهل الأخيرة تبرير الأمر به، بل ربما تكون متصلة بشكل رئيسي برغبة عباس في إحلال شخصيات أكثر ولاءً له، تحضيراً لمرحلة أمنية وسياسية حسّاسة مقبلة.

والواقع أن تلك التحركات لا تجري بعيداً من العين الإسرائيلية؛ إذ أثارت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» مسألة تغيير ماجد فرج، مشيرةً إلى أن عباس، الذي يواجه ضغوطاً متزايدة من حلفائه العرب والغربيين لـ«إصلاح» السلطة، يعمل منذ أشهر على إجراء «عملية تطهير واسعة» في الأجهزة الأمنية. ونقلت الصحيفة عن مصادر ديبلوماسية أوروبية وفلسطينية أن العملية المشار إليها تأتي في إطار تحضير السلطة لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، استجابةً لضغوط عربية ودولية تدفع في اتجاه تجديد القيادة وإصلاح «منظمة التحرير».

أما على صعيد العواصم العربية، فمنذ «قمّة العُلا» عام 2021، تسعى دول عربية رئيسية مثل مصر والسعودية والأردن والإمارات إلى إعادة ترتيب المشهد الفلسطيني، بما يضمن استقرار الضفة الغربية، وإضعاف قوى المقاومة، وتحييد العناصر والعراقيل التي قد تعرقل جهود «التطبيع الإقليمي». ولذلك، فإن شخصيات أمنية فلسطينية مثل ماجد فرج، سبق أن تمتّعت بهامش تحرك واسع وعلاقات مباشرة مع واشنطن وتل أبيب، من دون العودة إلى عواصم عربية مؤثّرة كالقاهرة وعمّان، أصبحت موضع تساؤل وتشكيك في تلك العواصم. وفي هذا السياق، تُبدي القاهرة، التي تحتفظ بنفوذ أمني كبير في الملف الفلسطيني، بحسب مصادر مطلعة، عدم ارتياحها لاحتكار شخصية واحدة قناة التواصل الأمني مع إسرائيل والولايات المتحدة. كما تثير تحرّكات بعض الشخصيات الأمنية الفلسطينية قلقَ الأردن، خصوصاً في ما يتعلّق بملف المسجد الأقصى، فيما ترغب السعودية، التي باتت أكثر اهتماماً بالشأن الفلسطيني، في رؤية «قيادة أمنية فلسطينية منضبطة»، تستطيع التعامل معها مستقبلاً، من دون حسابات سياسية معقدة.

تداعيات إبعاد فرج والبديل المحتمل

حتى الآن، لم تُعلن هوية الشخص الذي سيخلف اللواء ماجد فرج رسمياً، لكن ثمة أسماء تتردّد في الأوساط الأمنية القريبة من الرئاسة. ووفقاً للمعطيات المتوافرة، يُرجّح أن يكون البديل شخصية أمنية من «الحرس الرئاسي»، أو من دوائر قريبة جداً من عباس، أو من ضبّاط يعملون في «مواقع ظلّ» داخل أجهزة الأمن الوقائي أو المخابرات العامة.

وفي ما يتعلّق بمواصفات البديل، فإن أبرز المعايير تتمثّل في أن يكون شخصية شديدة الولاء للرئيس، ولا تمتلك طموحات سياسية مستقلّة؛ إذ يبدو أن «أبو مازن» يسعى إلى تجنّب تكرار «تجربة ماجد فرج»، الذي حاز نفوذاً داخلياً وخارجياً واسعاً جعله «رقماً صعباً» داخل النظام الفلسطيني، لا يمكن لعباس تجاوزه بسهولة، حتى وصل الأمر قبل عام تماماً، إلى أن تدرس تل أبيب تعيين الأول «حاكماً لغزة بعد انتهاء الحرب». وبحسب ما كشفته «هيئة البث الإسرائيلية»، حينها، فإن وزير الأمن الإسرائيلي السابق، يوآف غالانت، اقترح تولّي فرج إدارة القطاع مؤقتاً، إلى حين بناء بديل لحكم حركة «حماس».

وبناء على ذلك، فإنه من المرجّح أن يكون البديل شخصيةً ذات طابع تقني أمني، لا تسعى إلى منافسة مركز القرار السياسي، المتمثّل حالياً بـ«أبو مازن». كما يُتوقّع أن يكون محدود الصلات الإقليمية والدولية، بعكس فرج الذي بنى شبكة علاقات قوية مع الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والأردن، ما يعني أن العلاقات الخارجية ستمرّ مباشرة عبر مكتب الرئيس وليس من الجهاز الأمني ذاته.

على أنه من غير المرجّح أن توقف السلطة أو تقلّص من التنسيق الأمني مع إسرائيل، نظراً إلى أنها تعتبر ذلك «ضمانة» أساسية لاستمرارها، فيما تعدّه إسرائيل «خطاً أحمر» لن تألو جهداً في الحفاظ عليه. ومع هذا، فإن خروج شخصية مثل ماجد فرج، المعروف بعلاقاته الوثيقة بالإسرائيليين وقدرته العالية على احتواء الأزمات، سيؤدّي إلى خسارة قناة اتصال مباشرة مع إسرائيل، ما قد يُبطئ التعامل مع الأحداث الميدانية، ويوسّع الثغرات في الجدار الأمني الذي تشكّله أجهزة السلطة بالتعاون والتشارك بينها وبينها نظيرتها الإسرائيلية، خاصة في المرحلة الانتقالية، والتي سيعمل الجانب الإسرائيلي فيها على بناء ثقته بالمسؤول الجديد.

كما أن غياب فرج، الذي اعتمد عليه الأميركيون كشريك أمني موثوق، قد يفرض على واشنطن إعادة تقييم برامج الدعم والتدريب الموجّهة إلى أجهزة الأمن الفلسطينية، وهو ما قد يؤدي إلى اضطرابات مرحلية وتراجع نسبي في التنسيق الأمني النوعي. وفي حال لم يكن البديل قادراً على تأمين مستوى أداء فرج نفسه، فقد يعزّز ما تقدّم الثغرات الأمنية ويوسّعها ويديمها.


هل لدحلان علاقة بالتغييرات الأمنية الأخيرة؟

رغم أن القيادي المفصول من حركة «فتح» منذ عام 2011، محمد دحلان، المتمركز اليوم في دولة الإمارات، لا يبدو لاعباً مباشراً في التغييرات الأخيرة ضمن المستوى الأمني في سلطة رام الله، إلا أنه لا يزال حاضراً بقوة في خلفية القرار الأمني. ذلك أن عباس يتحرّك وفقاً لقاعدة «من ليس معي فقد يكون ضدّي»، فيما دحلان، بحكم خبرته الأمنية السابقة وعلاقاته الإقليمية النافذة خصوصاً مع الإمارات، يُعتبر مصدر قلق دائم للرئاسة. وبالتالي، فإن هذه التغييرات تعكس في جزءٍ منها رغبةً في تحصين المنظومة الأمنية ضدّ اختراقات محتملة من جانب دحلان أو تياره، خصوصاً أن بعض الشخصيات التي أُقيلت أخيراً كانت تُتّهم بالانفتاح النسبي على دحلان. وبينما تبدو عودة الأخير إلى الساحة الأمنية مستبعدة الآن، فإن مرحلة ما بعد «أبو مازن» قد تفتح له فرصة العودة بدعم من أطراف إقليمية (الإمارات ومصر)، خاصة إذا حصل فراغ قيادي في السلطة أو داخل حركة «فتح».

الاخبار اللبنانيه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب