عالم ترامب: فوضى اقتصادية وتضخم وتقطيع سلاسل الإنتاج العالمية وإصابة الاستثمارات الأمريكية

عالم ترامب: فوضى اقتصادية وتضخم وتقطيع سلاسل الإنتاج العالمية وإصابة الاستثمارات الأمريكية
إبراهيم نوار
لا يمكن وصف تداعيات رفع الرسوم الجمركية على كل دول العالم بنسب تتراوح بين 10 إلى 50 في المئة بأقل من كلمة واحدة هي «الفوضى». وتبدأ الفوضى من هبوط أسعار الأصول المالية والمادية بلا قاع، وارتفاع معدلات التضخم بلا سقف، والنظر إلى المستقبل بلا يقين. ولا يتعلق الأمر بالدول الفقيرة فقط مثل ليسوتو وميانمار، بل تمتد الفوضى أيضا إلى دول غنية مثل السعودية، التي اضطرت إلى زيادة إنتاجها النفطي وتخفيض أسعارها الرسمية، مع الهبوط الحاد لسعر النفط في السوق إلى ما دون السعر اللازم لتوازن الميزانية بنسبة 31 في المئة. وفي مواجهة الفوضى التي خلفتها قرارات ترامب قررت دول أن ترد فورا بتعريفات جمركية مساوية للتي فرضها ترامب، مثل الصين. بينما تريثت دول أخرى مثل بريطانيا على أمل إصلاح الأزمة بالمفاوضات. وقد أسس الرئيس الأمريكي ترامب قراره بإعلان حرب تجارية على العالم، بما فيه جزر البطاريق في القطب الجنوبي، على فرضية أن العالم يستغل الولايات المتحدة، وأنها بعد عقود من هذا الاستغلال يجب أن تسترد ما خسرته، وأن تصلح ميزانها التجاري، عن طريق تحصيل رسوم جمركية إضافية، يقدر أنها ستعود على خزانة الحكومة بإيرادات تتراوح بين 600 مليار دولار إلى تريليون دولار سنويا على الأقل. ووعد ترامب ناخبيه بالسمن والعسل من تلك الإتاوات الجمركية.
في حربه التجارية على العالم فرض ترامب حدا أدنى للرسوم الجمركية بنسبة 10 في المئة على كل دولة العالم، كما فرض رسوما أكبر بنسب مختلفة على حوالي 50 دولة إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي، تتراوح نسبتها بين 11 إلى 50 في المئة. الكاميرون كانت الدولة صاحبة النسبة الأقل في هذه المجموعة (11 في المئة) في حين كانت كل من ليسوتو وكمبوديا صاحبة النسبة الأكبر(50 و49 في المئة على التوالي). ومن الملاحظ أن الدول النامية الآخذة في التصنيع مثل فيتنام وكمبوديا ومدغشقر وسريلانكا وتايلاند كانت صاحبة الحضور الأكبر في قائمة التعريفات الجمركية العقارية. وإلى جانب الدول النامية الآخذة في التصنيع السريع شملت تلك القائمة الدول ذات العلاقات السيئة مع الولايات المتحدة لأسباب مختلفة، منها سوريا 41 في المئة والعراق 39 في المئة وليبيا 31 في المئة وباكستان 29 في المئة. وحصلت بقية دول الشرق الأوسط، مثل السعودية ومصر وتركيا والإمارات والمغرب والسودان واليمن وقطر والبحرين ولبنان على تقدير مقبول بنسبة 10 في المئة للرسوم الجمركية وجاءت في القائمة البيضاء. لكن المملكة الأردنية تخضع لرسوم جمركية بنسبة 20 في المئة، وإسرائيل بنسبة 17 في المئة، على الرغم من أن وزير مالية إسرائيل أعلن في اليوم السابق للقرار الأمريكي تخفيض الرسوم الجمركية على الواردات من الولايات المتحدة إلى الصفر. وعلى الرغم من أن المملكة المغربية جاءت في القائمة البيضاء بتعريفة جمركية تبلغ 10 في المئة، إلا أنها سوف تتأثر سلبيا بشكل غير مباشر بسبب خضوع دول الاتحاد الأوروبي لرسوم جمركية بنسبة 20 في المئة إضافة إلى رسوم السيارات المقررة بنسبة 25 في المئة. وإذا نتج عن الحرب التجارية انخفاض صادرات السيارات الأوروبية إلى الولايات المتحدة، فلا شك أن الصادرات المغربية إلى أوروبا، بما فيها السيارات ومكوناتها سوف تنخفض هي الأخرى.
ومن المؤكد أن صناعة السيارات في تركيا والمغرب وتايلاند وماليزيا وجنوب أفريقيا سوف تتعرض لصعوبات شديدة مع بدء تطبيق الرسوم الجمركية الانتقامية. وفي هذا السياق فإن المستفيد الأكبر في أوروبا من ذلك هو صناعة السيارات والصادرات البريطانية عموما، بما في ذلك المصانع الموجودة في أيرلندا الشمالية التي تخضع للرسم الجمركي على بريطانيا بنسبة 10 في المئة، في حين تخضع جمهورية أيرلندا ودول الاتحاد الأوروبي للضريبة الجمركية بحد أدنى 20 في المئة، إلى جانب الرسوم الأكثر ارتفاعا المفروضة على السيارات والصلب والألومنيوم. وقد يحتاج الأمر إلى إعادة النظر في خطط التوطن الصناعي في الشرق الأوسط، بما يجذب الصناعات إلى الدول الواردة في القائمة البيضاء، على افتراض أن هيكل الرسوم الجمركية الجديد الذي أعلنه ترامب سيظل على حاله. وسيكون من مصلحة الدول النامية الآخذة في التصنيع السريع مثل فيتنام وتايلاند وكمبوديا وموريشيوس ومدغشقر أن تنضم إلى سلاسل قيمة صناعية جديدة تضم دولا ما تزال منخفضة التصنيع، خصوصا في الشرق الأوسط (مصر والمغرب وتونس)، حيث تلتقي طرق التجارة العالمية بين الشرق والغرب. وفي الظروف الراهنة فإن خيارات التعاون الصناعي تتراوح بين تعزيز وتنشيط شبكات الإمدادات المشتركة بين الدول النامية الصناعية من الصين إلى جنوب أفريقيا وتشيلي، وكذلك إضافة شبكات وسلاسل قيمة صناعية جديدة تعزز التنوع الاقتصادي في العالم. ومن الملاحظ أن الصين تقوم بدور كبير من أجل إقامة مراكز إنتاج جديدة حول العالم من جنوب آسيا إلى شرق أفريقيا إلى الشرق الأوسط. كما أن فيتنام بدأت أخيرا في عملية إصلاح اقتصادي وإداري واسع النطاق، يستهدف الاستعداد للانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل النمو الصناعي، حتى تتجنب الوقوع في مصيدة الدول «المتوسطة الدخل». وتشمل عملية الإصلاح تطوير البنية الأساسية التكنولوجية والمهارات البشرية، للانتقال من عصر التخصص في الصناعات كثيفة العمل متوسطة المهارات البشرية إلى عصر التخصص في الصناعات الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية. هذا يتطلب إعادة توطين الصناعات كثيفة العمالة في بلدان أخرى. الأمر نفسه ينطبق على بعض الصناعات في تايلاند وكمبوديا. وسوف تشهد بعض بلدان الشرق الأوسط في الأشهر والسنوات القليلة المقبلة إقامة صناعات جديدة في الحلقات الدنيا من سلاسل الإنتاج ذات التكنولوجيا المنخفضة نسبيا والصناعات الكثيفة العمل مثل الغزل والنسيج والملابس الجاهزة والأحذية.
الصين ترد بالمثل
ويؤمن ترامب بأن الرسوم الجمركية «جميلة»، وتضعه في موقع أقوى للتفاوض، معتقدا أن العالم سيأتيه إلى واشنطن مهرولا على أربع دولة وراء دولة، لطلب العفو والرضاء وتقديم فرائض الولاء. لكن أصداء «يوم التحرر» وتحقيق «الاستقلال الاقتصادي» جاءت على عكس ما اعتقد الرئيس الأمريكي. الاتحاد الأوروبي أكبر الشركاء التجاريين توعدها بفرض ضريبة جمركية مساوية بنسبة 20 في المئة. وأعلنت الصين، خصمها الرئيسي، فرض ضريبة جمركية بنسبة 34 في المئة، فهدد هو بأن يرفع نسبة الرسوم الجمركية إلى 50 في المئة فردت عليه بأنها «ستقاتل حتى النهاية». بل إن الصين، التي خاضت مع ترامب تجربة مماثلة بين عامي 2018 – 2020 زادت على الرسوم الجمركية فرض مزيد من القيود على تصدير العناصر النادرة ومكونات تكنولوجية متقدمة، ما يحرم شركات أمريكية رئيسية مثل تيسلا للسيارات الكهربائية وآيفون لأجهزة الاتصالات من إمدادات صينية مهمة، ومضت إلى أبعد من ذلك بحظر استثمارات الشركات الصينية في الولايات المتحدة، وحظر استثمارات عدد من الشركات الأمريكية في الصين.
في بقية أنحاء العالم تحولت الرسوم الجمركية الانتقامية على الصادرات إلى الولايات المتحدة مناسبة لإثارة الكراهية لسياستها، وإعادة النظر في مصداقيتها، بل وفي جدوى التحالف معها. اللقاء الثلاثي بين اليابان وكوريا الجنوبية والصين يشهد على أن الخطوط الأيديولوجية التي تقسم العالم تتهاوى، وأن العالم سوف يمضي في طريقه، بينما تمضي الولايات المتحدة في طريق آخر. ولا شك أن بعض مؤيدي ترامب في أوساط الصناعيين وكبار رجال المال يشعر الآن بحسرة عميقة بعد أن تعرضت الأصول المالية المتداولة في بورصة نيويورك لخسارة تريليونات الدولارات منذ إعلان الحرب التجارية، التي وصفها ترامب بأنها «حرب الاستقلال الاقتصادي»! أوهام ترامب تحمل أيضا وعودا كاذبة للأمريكيين تفيد بأن حصيلة الإيرادات الجمركية الإضافية سيتم توجيهها لتخفيض الدين العام وتخفيض الضرائب. الحقيقة هي أن زيادة الضرائب الجمركية تمثل أيضا زيادة ضريبية مؤكدة يتحملها المستهلك والمنتج في الولايات المتحدة.
كيف تصبح التعريفة الجمركية ضريبة محلية؟
واحدة من المقدمات الفاسدة لسياسة ترامب الاقتصادية «ترامبنوميكس» انه يعتبر الضرائب الجمركية مصدرا رئيسيا من مصادر الدخل للخزانة الأمريكية تتحملها الدول الأجنبية المصدرة للولايات المتحدة. إنه يعتقد انه يفرض ضريبة مباشرة على البضائع المستوردة، لا علاقة لها بمستوى رفاهية المستهلك، ولا بتكلفة الإنتاج في المصانع الأمريكية نفسها. لذلك فإنه يروج أن زيادة الرسوم الجمركية ستمكن الإدارة الأمريكية من تخفيض الدين العام وتخفيض الضرائب في الوقت نفسه. لكن كل الاقتصاديين في العالم يعرفون أن الرسوم الجمركية هي في جوهرها ضريبة محلية يتحمل عبئها المستهلك في البلد المستورد، وليس في البلد المصدر فقط. ونظرا لأن الضريبة هي في جوهرها اقتطاع من الدخل القابل للإنفاق، فإن كل المستهلكين في الولايات المتحدة ستصبح دخولهم أقل قيمة. ويقدر خبراء مؤسسة غولدمان ساكس أن كل زيادة قدرها نقطة مئوية واحدة في معدل التعريفة الجمركية الفعلي ترفع أسعار الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسية بنحو 0.1 نقطة مئوية. هذا يعني أن ارتفاع متوسط التعريفات الجمركية بنسبة 10 في المئة من شأنه أن يضيف نقطة مئوية كاملة إلى التضخم سنويا. فإذا كان معدل التضخم في الولايات المتحدة قد بلغ 2.8 في المئة في شهر شباط/فبراير الماضي، فإنه سيرتفع على أساس هذه المعادلة إلى حوالي 3 في المئة في الشهر الحالي. هذا من شأنه أن يعقد جهود مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في مكافحة التضخم وتحقيق هدف تخفيضه إلى 2 في المئة فقط. متوسط الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة يرفع متوسط معدل الضرائب الأمريكية على الواردات إلى 22 في المئة مقابل 2.5 في المئة فقط في عام 2024، بزيادة 19.5 نقطة مئوية، وهو ما يعني من الناحية النظرية طبقا لمعادلة خبراء غولدمان ساكس، ان المعدل السنوي للتضخم بنهاية العام الأول من حكم ترامب، بافتراض بقاء الجداول الجديدة المعلنة من دون تعديل، قد يرتفع من 2.8 إلى 4.75 في المئة وهو ما يعيد أزمة التضخم إلى المربع الأول الذي كانت فيه قبل بدء خطة مجلس الاحتياطي الفيدرالي لمكافحة التضخم. وعلى صعيد النمو خفض بنك غولدمان ساكس يوم الأحد الماضي توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي لعام 2025 إلى 1.3 في المئة من 1.5 في المئة، على ضوء التداعيات المباشرة. هذه النسبة قد تزيد من اتساع نطاق وحدة الخسائر الاقتصادية. ورسمت وكالة رويترز صورة بيانية لارتفاع الأسعار المتوقع في الولايات المتحدة على ضوء الدراسات التي أعدتها مؤسسات مثل ستاندرد اند بورز، ويو بي إس، وغولدمان ساكس، جاء فيها أن متوسط أسعار الملابس سيرتفع بنسبة 37 في المئة، وأن أسعار ألعاب الفيديو وقطع غيار ومكونات الكمبيوتر بنسبة 30 في المئة، والهواتف الذكية بنسبة 27 في المئة، ومواد البناء للمنشآت السكنية بنسبة 22 في المئة، وأجهزة التشخيص الطبي بنسبة 10 في المئة على الأقل.
ولا يتوقف تأثير الرسوم الجمركية الانتقامية على المستهلك فقط، وإنما سيقع المنتج المحلي هو الآخر تحت طائلة تداعيات الحرب التجارية، بمجرد أن يبدأ شركاء الولايات المتحدة من ناحيتهم رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة من الولايات المتحدة. في هذه الحالة سيتعرض المنتج الأمريكي لضررين في وقت واحد: الأول هو التضييق على منتجاته في الأسواق الخارجية وجعلها أقل قدرة على المنافسة مقارنة بالمنتجين من آسيا وأوروبا على سبيل المثال. والثاني هو زيادة تكلفة الإنتاج نتيجة ارتفاع أسعار المستلزمات والمواد الخام. الذي لا يفهمه ترامب، بسبب سيطرة عقلية السمسار العقاري على تفكيره هو أن المنتجين الأمريكيين يستخدمون مواد خام وسلعا وسيطة مستوردة من بلدان مثل الهند والصين وفيتنام وجنوب أفريقيا. هذا يعني أن زيادة الضريبة المفروضة على احتياجاتهم المستوردة من الخارج تمثل تكلفة إضافية، لابد أن تتسبب في رفع الأسعار المحلية. على سبيل المثال تستورد شركات الأدوية الأمريكية نسبة كبيرة من احتياجاتها من المواد الوسيطة من الهند. ونظرا لأن ترامب قرر فرض تعريفة جمركية جديدة على ذلك البلد بنسبة 26 في المئة، فإن تكلفة إنتاج الأدوية للمستشفيات وشركات التأمين الصحي الأمريكية سترتفع. ونظرا لأن دخل المريض لن يزيد بهذه النسبة، وكذلك إيرادات اشتراكات التأمين الصحي فإن ارتفاع تكلفة العلاج ستنعكس في صورة انخفاض في أرباح شركات التأمين الصحي والمستشفيات وانخفاض رفاهية المواطن.
ضرب الاستثمارات الأمريكية
ترامب أعلن حربا تجارية على العالم كله، وهو لا يدري أيضا خطورة ذلك على الاستثمارات الأمريكية في الخارج. وقد بلغت قيمة صافي الاستثمارات الأمريكية في الخارج بنهاية العام الماضي حوالي 26.2 تريليون دولار. وتوجد نسبة كبيرة من هذه الاستثمارات في القطاعات السلعية، ويرتبط جزء من إنتاج المستثمرين الأمريكيين خارج الولايات المتحدة بسلاسل الإنتاج الأمريكية. في هذه الحالة فإن إنتاج المستثمرين الأمريكيين في الخارج الذي يتم تصديره للولايات المتحدة سيكون ضحية للحرب التجارية مثله مثل الصادرات من الدول الأخرى. على سبيل المثال تستثمر شركة فورد الأمريكية ما يقرب من مليار دولار في صناعة السيارات في جنوب أفريقيا، وتحصل على نسبة كبيرة من الإنتاج في صورة مكونات صناعية تدخل في إنتاج السيارات في الولايات المتحدة. فورد تحصل من ذلك على وفورات تسهم في زيادة القدرة التنافسية لمنتجاتها في سوق الولايات المتحدة وأسواق العالم. لكن فرض رسوم جمركية إضافية من شأنه أن يزيل الآثار الإيجابية الناتجة عن الاستثمار في جنوب أفريقيا بنسبة 30 في المئة حسب الرسوم المفروضة على ذلك البلد.
وتقدر دراسات تم إعدادها في الولايات المتحدة بواسطة مراكز بحثية مهمة مثل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أن تأثير رفع الرسوم الجمركية سيصيب صناعة السيارات الأمريكية بأضرار كثيرة. ويعود السبب في ذلك إلى أن قارة أمريكا الشمالية تعرضت لعملية إعادة توطين صناعي على نطاق واسع جدا بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك عام 1992. وتشير واحدة من أهم الدراسات إلى أن صناعة السيارات الأمريكية تستورد أكثر من ثلث السلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج من المكسيك. هذا يعني أن رفع الرسوم التجارية التي تدفعها المكسيك على صادراتها من الألمنيوم والصلب الداخل في صناعة السيارات إضافة إلى الرسم الإضافي بنسبة 10 في المئة من شأنه أن يضرب مصالح المنتجين الأمريكيين المتوطنين في المكسيك وكندا، ويرفع تكلفة الإنتاج في الولايات المتحدة ويؤثر بالسالب على رفاهية المستهلك الأمريكي. كذلك فإن قطاع الصناعات الإلكترونية الأمريكية يعتمد أيضا إلى حد كبير على استيراد السلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج من دول مثل تايوان وفيتنام والصين. وتخضع البلدان لرسوم جمركية إضافية تبلغ 32 في المئة لتايوان، و46 في المئة لفيتنام، و34 في المئة للصين. هذه الرسوم الإضافية وإن كانت ستحد من تدفق السلع من هذه البلدان إلى الولايات المتحدة، إلا أنها في الوقت نفسه ستضعف قدرة الشركات الأمريكية على المنافسة وتزيد تكلفة الإنتاج. هذا يعني انخفاض أرباح الشركات، ومن ثم انخفاض حصيلة الضرائب، رغم أن الحكومة ستحصل على دخل أكبر من الجمارك.
إن ترامب لم يأخذ في اعتباره غير الإتاوة وتحقيق مكاسب قصيرة الأجل في مواجهة حلفائه وخصومه التجاريين. ويبدو أنه لم ينشغل بالأجل الطويل ولا بدرجة التشابك بين الإنتاج المحلي والاستثمار في الخارج. وكان قد خاطب رجال الأعمال في منتدى دافوس الأخير قائلا :»إذا لم تصنع منتجك في أمريكا، وهو حقك، فبكل بساطة، سيتعين عليك دفع تعريفة جمركية، ستوجه مئات المليارات من الدولارات وحتى تريليونات الدولارات إلى خزانتنا لتعزيز اقتصادنا وسداد الديون». لكن لا يبدو من تطورات الأيام الماضية أن الفرصة ستتوفر له لكي يرى الوهم حقيقة. وقد كتب زاني مينتون بيدوس، رئيس تحرير مجلة الإيكونوميست، في رسالة بالبريد الإلكتروني: «أن الدولة التي أنشأت النظام التجاري العالمي واستفادت منه بشدة تحاول الآن تدميره. السؤال المطروح أمام الدول التي تعاني من تخريب الرئيس هو كيفية الحد من الضرر». ما يدعو إليه بيدوس يعني التسليم بأن الاقتصاد العالمي سيدخل لا محالة إلى وضع شديد الصعوبة لا يمكن تجنبه، وأن أقصى ما يستطيعه شركاء الولايات المتحدة هو تخفيف الأضرار المحتملة إلى أقل قدر ممكن. صندوق النقد الدولي قال إنه لا يزال يعمل على تقييم الانعكاسات الاقتصادية الكلية للتدابير الجمركية التي أعلنها ترامب، لكنه اعترف بأنها «تمثل خطرا كبيرا على الآفاق الاقتصادية العالمية في وقت يشهد نموا بطيئا.» ودعا الصندوق الولايات المتحدة وشركاءها التجاريين للعمل بشكل بنَّاء لتسوية التوترات التجارية والحد من عدم اليقين.