اقتصاد

سباق عراقي محموم للبحث عن بدائل الغاز الإيراني

سباق عراقي محموم للبحث عن بدائل الغاز الإيراني

مصطفى العبيدي

بغداد ـ  تخوض حكومة العراق سباقا متسارعا في مسار البحث عن بدائل الغاز الإيراني الضروري لتوليد الكهرباء في العراق، وذلك في أعقاب القرار الأمريكي بمنع العراق من الاستمرار في التزود بالغاز الإيراني ضمن حزمة العقوبات المفروضة على طهران منذ استلام دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة. ويؤكد خبراء الاقتصاد والطاقة في العراق، أن ملف الطاقة، خاصة الكهرباء، يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الدولة العراقية، حيث أن محاولات حكومة بغداد إيجاد بدائل للغاز الإيراني الذي يشكل نحو 40 في المئة من حاجة العراق لتوليد الكهرباء، لن تكون يسيرة بالرغم من محاولات الحكومة التقليل من مخاوف العراقيين والخبراء وتنبؤاتهم بصيف قادم ثقيل على العراقيين، نظرا لكون أزمة الكهرباء تتداخل فيها عوامل داخلية كالفساد وسوء الإدارة، إضافة إلى تأثير العوامل الخارجية.

فقد انتهت مهلة تمديد الإعفاء الأمريكي للعراق لاستيراد الغاز الإيراني في اذار/مارس الماضي، ضمن مساع أمريكية لاضعاف النفوذ الإيراني في العراق، وذلك بالرغم من مساعي حكومة بغداد الحثيثة لاقناع الإدارة الأمريكية بصعوبة إيجاد بديل سريع عن الغاز الإيراني.
وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، إن الجانب الأمريكي أبلغنا رسمياً بعدم تمديد الإعفاء لاستيراد الطاقة من إيران، لافتاً إلى أننا سنواجه مشكلة خلال الأشهر القادمة، داعياً وزارتي الكهرباء والنفط، إلى التعاون لعبور أشهر الصيف، ومعبراً عن تخوفه من أن تكون هذه الأشهر قاسية بالنسبة للكهرباء. فيما قالت وزارة الخارجية الأمريكية، إن القرار بعدم تجديد الإعفاء جاء لضمان «عدم السماح لإيران بأي درجة من الانفراج الاقتصادي أو المالي».

إجراءات حكومية متأخرة

ولتلافي الآثار الثقيلة لقطع الغاز الإيراني عن العراق، فقد لجأت حكومة بغداد إلى بعض الإجراءات على المدى القريب والبعيد للبحث عن البدائل المتاحة.
ولهذا الغرض، ترأس رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، سلسلة اجتماعات مع وزارتي الكهرباء والنفط، لبحث سبل مواجهة أزمة نقص الطاقة بعد القرار الأمريكي.
فقد ترأس السوداني، الاجتماع الخاص بمتابعة تنفيذ مشاريع القطاع النفطي، والوقوف على الخطة المعدة لتأمين الطاقة الكهربائية للصيف المقبل. وفي الاجتماع استعرض وزير النفط خطة الوزارة لتزويد محطات الكهرباء بالوقود، والكميات المتفق عليها، ومناقشة المنصات العائمة والمتحركة، وما قدمته الشركات من عطاءات بهذا الشأن. وتقرر في هذا الصدد المباشرة بإكمال الخط الناقل للغاز من محطات توليد الطاقة في البصرة، إلى المنصة المتحركة، وتوقيع العقود المقدمة من الشركات للعمل على إكمال المنصة بأسرع وقت ممكن، والكلف المالية والمخازن وكل ما يرتبط بعملية استيراد الوقود.
كما عقد السوداني اجتماعا آخر خصص لبحث تنفيذ مشروع الطاقة الشمسية، حيث تم استعراض عمل منظومات الطاقة ومقدار إنتاجها، من خلال اعتماد منظومات الطاقة الشمسية.
كما جرى بحث مساهمة القطاع الخاص في مشاريع الإدارة الذكية لتوليد الطاقة في المحافظات، بإشراف الحكومات المحلية وبالتنسيق مع وزارة الكهرباء. ووجه رئيس مجلس الوزراء، بمتابعة التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر وطني للطاقة المتجددة، إضافة إلى أن الاجتماع خلص إلى الموافقة المبدئية على إنشاء محطتي طاقة شمسية في الرصافة والكرخ بواقع 20 ميغاواط لكل محطة، إلى جانب مباشرة وزارة الكهرباء بنصب محطتين بقدرة 3 ميغاواط في موقع قناة الجيش.
وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الكهرباء عن مبادرة تهدف إلى تشجيع المواطنين على اقتناء منظومات الطاقة الشمسية في البيوت والمشاريع والمزارع وربطها بالشبكة الكهربائية ضمن جهود الحكومة للتخفيف من الأزمة. وبدوره كشف وزير الكهرباء زياد فاضل، أن العراق بصدد توقيع عقدين تاريخيين مع شركتي «جنرال إلكتريك» الأمريكية و«سيمنس» الألمانية لتعزيز إنتاج الطاقة الكهربائية، حيث سيوفر العقد الأول 24 ألف ميغاواط، فيما يضيف العقد الثاني 10 آلاف ميغاواط إلى الشبكة الوطنية.
وكانت وزارة الكهرباء، أعلنت عن توقيع عقد مع توتال الفرنسية لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في المنطقة الجنوبية سعة الطاقة الكلية في هذا المشروع ألف ميغاواط. بالإضافة إلى مشاريع أخرى للطاقة الشمسية في محافظة المثنى التي تم توقيع عقد فيها مع شركة باور جاينا الصينية لإنشاء محطة سعة 750 ميغاواط، وهناك عقود مع شركة إمارتية في محافظة ذي قار لإنتاج 500 ميغاواط عبر الطاقة الشمسية، وغيرها من المشاريع.
وزير الكهرباء زياد علي فاضل، أكد في وقت سابق، أن الفقدان المحتمل لواردات الغاز من إيران قد يقلص بنحو الثلث إنتاج العراق اليومي من الكهرباء البالغ 27 ألف ميغاوات. فيما قال مسؤولو طاقة عراقيون إن بغداد كانت تدفع ما بين أربعة وخمسة مليارات دولار سنويا لإيران مقابل استيراد الغاز والكهرباء.

استيراد الكهرباء

وضمن الخيارات البديلة الأخرى، توجه العراق نحو استيراد الطاقة من الدول المجاورة. فقد أعلن وزير الكهرباء زياد علي فاضل، موافقة تركيا على مضاعفة إمدادات الطاقة للعراق إلى 600 ميغاواط بدءاً من منتصف أيار/مايو المقبل.
وبشأن الربط الكهربائي للعراق مع الدول الخليجية، قال المتحدث الرسمي باسم الوزارة، أحمد العبادي، إن «مشروع الربط الخليجي سينجز بطاقة تصل إلى 500 ميغاواط قبل حزيران/يونيو المقبل، إلى جانب تعزيز الربط الكهربائي مع الأردن وتركيا لزيادة القدرة التوليدية».
وفي إطار زيادة استثمار الغاز المصاحب لاستخراج النفط من الحقول العراقية، أعلنت شركة نفط ذي قار عن تدشين المرحلة الأولى من مشروع استثمار الغاز المصاحب في حقل الغراف النفطي بالتعاون مع المشغل الرئيس للحقل شركة بتروناس وشريكها جابكس.
وفي 10 كانون الثاني/يناير الماضي وضع وزير النفط حجر الأساس لمشروع إنتاج الغاز في حقل أرطاوي بطاقة 50 مليون قدم مكعب يومياً بالتعاون مع شركة توتال الفرنسية، والذي سيكتمل العام المقبل ويسهم في تزويد محطات توليد الكهرباء بالوقود.
وأكد العديد من الخبراء، أن خطوة استثمار الغاز المصاحب متأخرة جدا، حيث وجهوا انتقادات لحكومة بغداد، لكون العراق، يحتل المركز الثاني عالميا في اهدار الغاز المصاحب في الحقول النفطية الذي تحتاجه في تشغيل محطات توليد الكهرباء.
ومن ناحية أخرى قررت الحكومة إقامة منصتين عائمة في الخليج العربي لاستقبال الغاز المستورد.
وذكر وزير النفط العراقي حيان عبد الغني، أن «المنصتين العائمتين لتخزين الغاز الطبيعي المسال لتحويله إلى غاز، سيتم إقامتهما بالقرب من ميناء خور الزبير في البصرة».
أما عن الدول المرشحة كبدائل عن الغاز الإيراني، قال رئيس «شركة غاز الجنوب» العراقية إن بغداد تتطلع إلى قطر وسلطنة عُمان كخيارات محتملة لشراء الغاز بدلاً من إيران.
وليس بعيدا عن هذا السياق أعلن وزير الكهرباء زياد علي فاضل، عن مشروع لتحويل 3000 طن من نفايات مدينة النهروان ببغداد يوميًا إلى 100 ميغاواط من الطاقة، وذلك ضمن مشروع تحويل النفايات إلى طاقة.
وذكر فاضل في تصريح نقله المكتب الإعلامي للوزارة، أن «وزارة الكهرباء قدمت الدعم للكبير لهذا المشروع من خلال الالتزام بشراء الطاقة المنتجة بأسعار مدعومة وتحملت الشراء لتقليل الضراء البيئي».
وأضاف أن «رئيس الوزراء وجه المحافظين للمضي بتهيئة مواقع للطمر الصحي للمضي بإنتاج الطاقة أولا والتخلص من النفايات بشكل صحيح». وتابع أن «ذلك المشروع يعد واحدا من المشاريع الواعدة لتقليل الأثر البيئي الحاصل من حرق النفايات».

إقرار بالفشل في إدارة ملف الكهرباء

وبسبب توقعات موسم كهرباء صعب على العراقيين، جدد العديد من المسؤولين والسياسيين، توجيه انتقادات إلى الحكومة لتأخرها في حل أزمة الطاقة المزمنة.
وقال مستشار السوداني محمد صاحب الدراجي إنه لا يستبعد وجود مؤامرة خلف ملف الكهرباء بسبب «بعض الخونة والأجندات الخارجية». وانتقد إقدام الحكومات السابقة على توقيع عقود بناء محطات التوليد بسبب «الكومشنات» من دون الانتباه لحاجة البلاد إلى مشاريع النقل والتوزيع، وعبّر عن استغرابه من نجاح أصحاب المولدات الأهلية بتغذية المدن بينما تفشل الدولة.
وفيما كشف وزير المالية الأسبق باقر جبر الزبيدي في حديث لبرنامج تلفزيوني، أن شركة بريطانية عرضت استثمار الغاز المصاحب في العراق، إلا أن وزير النفط السابق رفض هذا العرض. فقد أفاد عضو لجنة النفط والغاز البرلمانية علي المشكور «أن إيقاف استيراد الغاز الإيراني سيتسبب بخسارة ما يقارب 40 في المئة من مجمل الطاقة المنتجة في العراق، حيث لم يستغل العراق كل تلك الفترة بإنشاء منصات أو إيجاد بدائل وهذا ما كنا نتخوف من الوصول إلى النفق المظلم» على حد وصفه.
ولعل السؤال الأهم لدى العراقيين الآن هو هل تنجح استراتيجية حكومة بغداد في مواجهة أزمة الطاقة بعد قرار ترامب بقطع الغاز الإيراني، وسط القناعة بعدم وجود بديل فوري للغاز الإيراني. وذلك يعود حسب الخبراء إلى أن ملف الطاقة وتوليد الكهرباء في العراق لم يُحسم رغم مرور أكثر من 20 عاما، ورغم إنفاق الحكومات المتعاقبة أكثر من 100 مليار دولار على تطويره بدون فائدة. فيما دعا خبراء آخرون، حكومة بغداد، إلى إنشاء المزيد من المحطات الكهربائية التي لا تعتمد على الغاز، مثل المحطات الحرارية والغازية التي تعمل بالنفط والغاز المحلي ووسائل الطاقة الأخرى، وسط شكوك بنجاح خطة الحكومة بتوفير بدائل تكون بعيدة عن سوء الإدارة والفساد والضغوط الداخلية والإقليمية.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب