اتفاق المعادن: ثروة أوكرانيا مقابل بقاء زيلينسكي

اتفاق المعادن: ثروة أوكرانيا مقابل بقاء زيلينسكي
لندن | وقّعت الولايات المتحدة وأوكرانيا، اتفاقاً لتقاسم العوائد من صندوق مشترك سيتولّى إدارة الاستثمار في استخراج النفط والغاز والمعادن النادرة من الأراضي الأوكرانية، في ما يقول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنه سيوفّر حافزاً اقتصادياً لواشنطن لمواصلة دعم كييف، وحماية «استقلالها»، بعد التوصّل إلى تسوية في مفاوضاته مع الجانب الروسي لإنهاء الحرب.
والاتفاق – الذي لا يشمل المشاريع الحالية ويحتاج إلى اتفاقَين فنيَّين مكمّلَين، ووقّعه عن الجانب الأميركي وزير الخزانة سكوت بيسنت، وعن الجانب الأوكراني النائبة الأولى لوزير الخارجية يوليا سفيريدينكو -، توّج أسابيع من الدراما، بدأت باللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي، إلى نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في «برج ترامب» في نيويورك (أيلول الماضي)، ومرَّت بلقاءٍ هو أقرب إلى مسرح عبث في البيت الأبيض (شباط الماضي)، حيث تعرّض زيلينسكي لإذلال علني، وتقريع من قِبَل ترامب، ونائبه جي دي فانس، قبل مشهد رمزيّ أخير (السبت الماضي) في كاتدرائية القدّيس بطرس في روما، على هامش جنازة البابا الراحل، عندما جلس الرجلان معاً وجهاً لوجه لربع ساعة، كانت كافية على ما يبدو لحسم الأمر. وممّا تَسرَّب، يبدو أن ثمّة مفاوضات صعبة استمرّت بين الطرفين من دون توقّف تقريباً، حتى كاد الاتفاق يُلغى قبل ساعات قليلة من مراسم توقيعه.
ووفقاً لخبراء، تمتلك أوكرانيا ما يُعتقد بأنّه يقرب من 5% من ثروة العالم، من مجموعة من المعادن النادرة الفائقة الأهمية للصناعات التكنولوجية الحديثة – بما في ذلك الألومنيوم والليثيوم والتيتانيوم والغرافيت -، بالإضافة إلى كميات غير محدّدة من النفط والغاز موزّعة على مساحة أقلّ قليلاً من مجموع أراضي ألمانيا وإيطاليا مجتمعتَين. على أن أهمية الاتفاق الاستراتيجية، قد تفوق قيمته الاقتصادية المحتملة، بكثير.
فبالنسبة إلى نظام كييف، يوفّر الاتفاق ضمانةً له، في ظلّ مخاوف جديّة من أن يتخلّى ترامب عن أوكرانيا لمصلحة تفاهم عريض مع روسيا، يتضمّن تسويةً للصراع، وفق شروط موسكو. أمّا بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، فإن الاتفاق يمثّل نجاحاً جزئياً لاستراتيجيته الهادفة إلى تعظيم سيطرة الولايات المتحدة على الموارد الاقتصادية العالمية، وخطوة نحو استعادة 500 مليار دولار، يقول الرئيس الأميركي إنّها تكلفة الدعم العسكري والاستخباري والمالي الذي قدّمته بلاده لأوكرانيا خلال حربها مع روسيا. كذلك، سيمنح الاتفاق، الشركات الأميركية وصولاً تفضيليّاً إلى المشاريع والموارد الأوكرانية الرئيسية، كما سيوفّر آلاف الوظائف للأميركيين.
حصل الاختراق عندما التقى ترامب وزيلينسكي في الفاتيكان، بعد سبعة أشهر من لقائهما الأول
والواقع أن اتفاق تقاسم موارد أوكرانيا، كان أصلاً فكرةً اقترحها بدايةً الرئيس الأوكراني، في محاولة منه لتوريط ترامب – المرشّح الرئاسي حينذاك – في دعم نظامه، بعدما تزايدت احتمالات سقوط الديمقراطيين (دعاة الحرب)، وانتقال السلطة في الولايات المتحدة إلى الجمهوريين. ويقول أشخاص حضروا اجتماع أيلول، بين ترامب وزيلينسكي، إن الأول أبدى، وقتها، اهتماماً ملحوظاً في هذا الجانب، وأيضاً في ما سمّاه الأخير «خطّة النصر» التي اشتملت على خمس نقاط توزّعت على مقترحات أمنية وشراكات اقتصادية، كاستراتيجية لكسب دعم الولايات المتحدة الطويل الأجل في الحرب مع روسيا.
لكنّ أحداً لم يتوقّع تحوّل المسألة إلى ما يشبه الهوس من قِبَل ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض، وأداة لابتزاز الأوكرانيين، بينما يقود المفاوضات المباشرة مع الروس حول تسوية محتملة. وقد أوفد الرئيس الأميركي، خلال أسبوعين من تولّيه السلطة في كانون الثاني الماضي، وزير خزانته محمّلاً بعقدٍ أوّلي لاتفاق بشروط شديدة الإجحاف، اعتبرها مسؤولون أواكرانيون مدخلاً لـ»هيمنة استعمارية أميركية» على مستقبل بلادهم، و»سرقة وقحة لمواردها في وضح النهار».
وقد حاول زيلينسكي، مؤيّداً من داعميه الأوروبيين، تحسين شروط الاتفاق أو الحصول على ضمانات أمنية أميركية محدّدة بديمومة نظامه بعد التوصّل إلى وقف إطلاق نار دائم مع روسيا. لكنّ ترامب رفض ذلك بوضوح، وقال إن مجرد توقيع أوكرانيا على الاتفاق من شأنه أن يبعث برسالة قوية إلى روسيا مفادها أنّ للولايات المتحدة مصالح في اللعبة، وأنها ملتزمة باستقلال كييف على المدى الطويل.
وإذ استمرّت المداولات بين الطرفين، استأجرت أوكرانيا مكتب محاماة أميركياً بارزاً، هو «هوغان لوفيلز»، للحصول على مشورة قانونية، غير أن الأميركيين قبلوا في النهاية مبدأ تقاسم العوائد بلا سقف زمني، بدلاً من التفرّد بها إلى حين تسديد مبلغ الـ500 مليار دولار. وحصل الاختراق عندما التقى ترامب وزيلينسكي في الفاتيكان، بعد سبعة أشهر من لقائهما الأول، إذ يقول الرئيس الأوكراني، إنه أبلغ نظيره الأميركي باستعداده لإبرام الصفقة، في حين أجابه الأخير: «لقد أخبرته إنه لأمر جيد جداً أن نتمكّن من التوصّل إلى اتفاق ونوقّعه، لأن روسيا أكبر وأقوى بكثير منكم».
وبينما حاول نظام كييف الترويج للاتفاق بوصفه صفقة جيدة واستثماراً ضرورياً من أجل الاحتفاظ بدعم الولايات المتحدة في عهد ترامب، قال رئيس الوزراء، دينيس شميهال: «هذا حقاً اتفاق دولي جيّد وعادل ومفيد»، فيما قالت سفيريدينكو: «جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة، نقوم بإنشاء صندوق سيجذب الاستثمارات العالمية إلى بلدنا». إلا أن مراقبين يعتقدون، من جهتهم، بأن كثيراً من الأوكرانيين – وحلفاءهم الأوروبيين أيضاً – ليسوا سعداء بالاتفاق، ويرونه على حقيقته: قيود استغلال إمبريالية الطابع لموارد بلاد لم تخرج بعد من معمودية الحرب، وتحتاج إلى سنوات، أو عقود، لتعيد إعمار ما تسبّبت به من خراب.
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 40% من الموارد موضوع الاتفاق تقع أصلاً في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الروسي، وستنتهي على الأغلب خارج السيادة الأوكرانية وفق مفاوضات واشنطن – موسكو الحالية، كما أن البرلمان الأوكراني لم يصادق إلى الآن على الاتفاق. ولذلك، فإن أيّ دعم عسكري أو مالي ستتلقّاه كييف مستقبلاً، سواء توقفت الحرب أم لم تتوقّف، سيكون بمثابة دَين لن يعدم الأميركيون وسيلة لاسترداد قيمته من ثروات أوكرانيا ومواردها.