الصحافه

صحيفة إسرائيلية: كيف أصبح نتنياهو عبئاً على سياسة ترامب في الشرق الأوسط؟

صحيفة إسرائيلية: كيف أصبح نتنياهو عبئاً على سياسة ترامب في الشرق الأوسط؟

في الغد عندما ستلتقي البعثات الأمريكية والإيرانية في روما بشأن اتفاق نووي “جديد”، سيقضم إسرائيل أظافرها بعصبية. هل سيضع ويتكوف أمام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي طلباً بحسبه “أي اتفاق نهائي يجب أن يرسخ إطار للسلام والاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط، ما يعني وقف وإنهاء برنامج تخصيب اليورانيوم وتسلح إيران” مثلما أعلن الثلاثاء؟ أم أنه سيكرر الصيغة التي قالها الإثنين في مقابلة مع “فوكس نيوز”، التي بحسبها “إيران ليست بحاجة إلى تخصيب اليورانيوم بمستوى أعلى من 3.67 في المئة”، وهي الأقوال التي تحدد بأن إيران يمكنها الاستمرار في مشروعها النووي، لكن في إطار قيود الاتفاق الأصلي.

للفجوة بين الصيغتين أهمية كبيرة، لأن الصيغة الأولى تتحدث عن إلغاء وتحييد المشروع النووي كله، في حين أن الصيغة الثانية تبقيه على قيد الحياة، وتطلب جهاز رقابة ناجعاً. عملياً، لا فرق كبيراً بين هذه الصيغة والإطار الذي تحدد في الاتفاق النووي الذي وقع في 2015 الذي انسحب منه الرئيس ترامب في أيار 2018. طلب وقف تخصيب اليورانيوم ترفضه إيران مطلقاً. وإذا تم طرحه كإنذار نهائي، فستنسحب من المفاوضات.

لكن حتى قبل رؤية ماذا وكيف سيطرح في المحادثات القريبة القادمة، فهناك أمر واحد لا خلاف عليه. فمجرد وجود حوار بين إيران والولايات المتحدة كان خلافاً لموقف نتنياهو، وقد تفاجأ مثل كل العالم من إعلان ترامب عن البدء بإجراء المحادثات في عمان. نتنياهو، الذي نجح قبل عقد تقريبا في تجنيد العالم ضد إيران، يجد نفسه فجأة في مكانة تشبه مكانة الدول الأوروبية التي وقعت على الاتفاق النووي.

الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، روفائيل غروسي، سئل عن أبعاد أوروبا عن المحادثات حول قضية المشروع النووي الإيراني في مقابلة مع صحيفة “لوموند” عشية وصوله إلى إيران في هذا الأسبوع، فأجاب بصراحة بأن “علينا أخذ ما يمكن الحصول عليه”، وأضاف: “الأحداث الدولية غيرت دور عدد من الدول وقدرتها على التأثير في عملية النووي الإيراني”.

صحيح أن إسرائيل لم تنجح في التأثير على الاتفاق النووي الأصلي، ورغم معارضة نتنياهو الشديدة، فإن الرئيس باراك أوباما قرر التوقيع عليه، لكن بعد ذلك كان لنتنياهو موقف آخر، عندما استُدعي إلى الكونغرس لإلقاء خطابه التوبيخي والمهدد. الآن، لا يتجرأ على اتخاذ خطوة مشابهة. بعد ثلاث سنوات سجل لنفسه “إنجازاً” كبيراً عندما اقنع ترامب بالانسحاب من الاتفاق، وهي الخطوة التي دفعت إيران قدماً إلى مكانة دولة حافة نووية. أما الآن فترامب هو الذي يدفع المفاوضات ويطمح إلى نجاحها. يمكن التقدير بأنه يسمع تحفظات نتنياهو، لكن هناك شكاً إذا كان وزنها يشبه وزن التحفظات التي كانت في 2018.

إيران هي المشهد الأبرز والأهم الذي يشير إلى انخفاض واضح في مكانة نتنياهو في نسيج القوى الدولية المؤثرة على ترامب. ولكن هذا بصراحة ليس المشهد الوحيد. فقد نشر هذا الأسبوع أن الإدارة الأمريكية تنوي تقليص حجم القوات الأمريكية العاملة في سوريا لتصل إلى 1000 جندي بدلاً من 2000. ليس الأكراد والسوريون والدول الأوروبية وحدهم أصيبوا بصدمة من نية أمريكا. فإسرائيل عملت في الأسابيع الأخيرة على إقناع الإدارة الأمريكية بعدم اتخاذ هذا القرار، لا لأنه يعرض الأكراد للخطر.

الانسحاب الأمريكي من سوريا كان طلباً ثابتاً لتركيا، التي اعتبرت الدعم الأمريكي للأكراد كابحاً أمام نشاطاتها ضد الذين تعتبرهم تنظيماً إرهابياً يهدد أمنها القومي. الاتفاق الذي وقع عليه الأكراد في سوريا مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بتشجيع من تركيا والولايات المتحدة، قد يوفر لتركيا “التفويض” الأمريكي الذي طمحت إليه من أجل إدارة وتنسيق الحرب ضد داعش، وعملياً، أن تصبح “الذراع العسكري” للولايات المتحدة في سوريا. إلى جانب تأثير ذلك على حرية عمل إسرائيل في المجال الجوي لسوريا، فإن هذا التقاء مصالح استراتيجي بين اردوغان وترامب، الذي تعتبر فيه إسرائيل عاملاً مزعجاً.

المعركة على قمة الجبل، التي تديرها إسرائيل في سوريا، لا تنتهي بذلك. الشرع، بمساعدة أردوغان ودعم دول عربية كبيرة مثل السعودية وقطر والإمارات، تترسخ مكانته أكثر فأكثر كزعيم عربي شرعي. لقد سبق ودعي للمشاركة في مؤتمر القمة العربية الذي عقد في العراق في أيار الماضي. ويجري بشكل مباشر وبواسطة تركيا ودول عربية حواراً مكثفاً مع الإدارة الأمريكية على رفع العقوبات التي فرضت على سوريا في فترة حكم بشار الأسد. الشرع سبق وحقق موافقة مبدئية أمريكية لرفع العقوبات، وفقاً لستة شروط عليه الوفاء بها.

في أيار أيضاً يتوقع أن يزور الرئيس ترامب السعودية. حتى الآن غير معروف إذا كان سيلتقي مع أردوغان في تركيا قبل هبوطه في الرياض، أو سيقوم بزيارة دول عربية أخرى، أو أنه سيستدعي زعماءها للقاء قمة في السعودية. ولكن ترامب سمع من السعوديين والقطريين والأتراك في السابق عن ضرورة الاعتراف بالشرع، وعن تحرير سوريا في أسرع وقت من العقوبات من أجل تمكينها من البدء في ضخ الأموال المطلوبة لها لإعادة الإعمار، ورؤية في النظام السوري الجديد عاملاً حيوياً لوقف نفوذ إيران في المنطقة. من غير المستبعد، بالمناسبة، أن تتم في أحد هذه اللقاءات دعوة الشرع لمصافحة ترامب. تتعامل إسرائيل حتى الآن بتشكك مبرر مع الشرع كإرهابي إسلامي متطرف، وتهدد بالمس به إذا سمح لجهات معادية بالعمل من أراضي سوريا ضد إسرائيل. عندها قد تجد نفسها في وضع محرج إذا حصل هذا “الإرهابي الإسلامي” على مصافحة يد الرئيس الأمريكي.

في هذا الأسبوع، تبين أن أداة التأثير الإسرائيلية لم تعد كما كانت في ولاية الرئيس جو بايدن إزاء شبكة العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية. وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت، أعلن الأحد أثناء زيارته للرياض بأن الولايات المتحدة والمملكة “في مسار” قبيل التوقيع على اتفاق سيلبي طموحات السعودية في إقامة صناعة نووية.

اتفاق نووي كهذا إلى جانب حلف دفاع أمريكي – سعودي كانا الإغراء الذي عرضه بايدن لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. إسرائيل طرحت تحفظات ثقيلة الوزن ضد تطوير برنامج نووي سعودي حتى لو كان لأهداف سلمية. والسعودية نفسها حذرت من أنه إذا أصبح لإيران سلاح نووي فستحصل عليه أيضاً.

الطريق إلى اتفاق نووي مع السعودية في الحقيقة طويل، والرياض غير مستعدة لتبني الشروط المقيدة التي تنطوي على التوقيع عليه – لكن، كما قال رايت، فإنه “ثمة طرق كثيرة لبناء صفقة تلبي طموحات السعودية والمصالح الأمريكية”. هناك أمر واحد فقط “نسي” أن يذكره، وهو التطبيع مع إسرائيل كشرط للاتفاق النووي. يبدو أنه مثل الحوار بين الولايات المتحدة وإيران، ففي قضية النووي السعودي، إسرائيل ستأخذ مكاناً محترماً كمراقبة على المدرجات، لكنها لعبة سيديرها ترامب.

ما زال ترامب يسمح لإسرائيل بالسيطرة على مناطق في سوريا، وحتى توسيع السيطرة عليها، مثلما لا يقف ضد سيطرتها على خمس مناطق في لبنان. ولكنه في الوقت نفسه، يدفعها إلى بلورة تفاهمات مع تركيا حول آلية “منع مواجهات” وتقليل الاحتكاك في سوريا. ويتطلع إلى المضي بتطبيق كامل لاتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، الذي سيشمل نزع سلاح حزب الله وعملية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.

هذه الخطوات ستقتضي تدخل وموافقة سوريا، على الأقل في كل ما يتعلق بقضية مكانة مزارع شبعا. هذه المزارع معروفة كمنطقة تحت سيادة سوريا، خلافاً لادعاء لبنان بأنها تعود لها. ما دامت سوريا تدعي امتلاكها، تصعب رؤية كيف يمكن استكمال ترسيم الحدود، لذا جعل إسرائيل تنسحب منها. سيكون الحل مرهوناً بالطريقة التي سيتصرف بها ترامب مع الشرع، وما هو المقابل الذي سيعرضه عليه. ولكن قدرة إسرائيل على التأثير على العملية ستكون محدودة.

في لبنان، بالمناسبة، يظهر خط فاصل آخر واضح بين نتنياهو وترامب، يتعلق بدور قطر. الرئيس اللبناني جوزيف عون زار الدوحة للحصول على مساعدات مالية لترميم لبنان وتمويل الجيش اللبناني. قطر، التي أرسلت للجيش اللبناني 60 مليون دولار للاحتياجات الجارية، تعهدت بمواصلة التبرع بسخاء لترميم اقتصاد الدولة وتعزيز جيشها. هذه بشرى مهمة للرئيس اللبناني الذي يتطلع إلى تجنيد 6 آلاف جندي آخر للجيش ليستكمل انتشاره على طول الحدود مع إسرائيل والحدود الشرقية مع سوريا. ترامب لا يعنيه كثيراً من أين ستأتي الأموال للبنان، شريطة ألا تأتي من إيران. حقيقة أن اعتبار إسرائيل لقطر مؤيدة للإرهاب، لا تؤثر عليه بالفعل.

الأمر المقلق أنه أمام الحركات الإشكالية لترامب في شبكة العلاقات الإقليمية، ما زالت إسرائيل عالقة في الرؤية القديمة التي تتضمن اعتقاد إمساك نتنياهو بدفة حاملة الطائرات الأمريكية، وأن أهمية إسرائيل الاستراتيجية في نظر الولايات المتحدة راسخة.

تسفي برئيل

هآرتس 18/4/2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب