مقالات

ترامب والصحراء الغربية… أيُّ بولص نصدّق؟

ترامب والصحراء الغربية… أيُّ بولص نصدّق؟

توفيق رباحي

في هذا العام وهذا الفصل تقريبا تبلغ معضلة الصحراء الغربية نصف قرن من العمر إذا حسبنا فقط منذ انسحاب الإسبان ومحاولة المغرب بسط سيطرته عليها.
خمسون عاما قرابة ثلثاها هدنة مستمرة بدون أيّ أفق للحل. فشلت الأمم المتحدة وفشل المبعوثون الدوليون وكل من حاول بذل جهد للتوصل إلى حل. أسباب الفشل كثيرة، لكن يمكن حصر أبرزها في غياب الحوار بين الأطراف المعنية وتغيّر التوازنات الدولية بشكل أفضى إلى تراجع اهتمام العالم بالمشكلة خلال العشرين سنة الأخيرة. كانت الهدنة نعمة ونقمة في الوقت ذاته. نعمة لأنها أبعدت فرص المواجهة العسكرية بين المغرب وجبهة البوليساريو، ونقمة لأنها لم تحل المعضلة، بل وضعتها على الرف فقط مع احتمال أن تتعفن. وفي العموم كانت الهدنة مريحة للمجتمع الدولي فأمضى أكثر من 30 سنة يجدد، عبر مجلس الأمن، لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الصحراء الغربية، ويتمنى النجاح لمبعوثي أمين عام الأمم المتحدة للصراع.
ثم يدخل الرئيس دونالد ترامب على الخط ويعيد القضية إلى السطح. مرة في 2020 عندما ارتأى الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وفي 2025 من خلال تصريحات متناقضة لصهره ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط، مسعد بولص، اللبناني الأصل.
جاء في تصريحات بولص لقناة «العربية» نهاية الأسبوع الماضي أن ترامب يريد حل قضية الصحراء الغربية «بشكل يرضي كل الأفرقاء». عندما تستمع إلى ذلك الكلام تلمس حذرا واضحا التزمه صاحبه، وجهدا للظهور بموقف الحياد. وهذا ينمُّ عن عدم ثقته في ما كان يقول وقلة اطلاع بالموضوع.
من المفروض أن الكلام عن تسوية عادلة ترضي الجميع يدعو للتفاؤل. لكن مهلا، هذا ترامب وهؤلاء رجاله ونساؤه. بعد أقل من 48 ساعة أدلى بولص بتصريحات لمحطة تلفزيونية مغربية بكلام آخر. قال إن الصحراء مغربية وإن إدارة ترامب تدعم خطط المغرب فيها. ليس معروفا هل تعرّض بولص لتأنيب من رئيسه فتراجع، أم قال لوسيلة إعلامية مغربية ما تريد سماعه.
فأيُّ بولص نصدّق؟

خمسون عاما قرابة ثلثاها هدنة مستمرة بدون أيّ أفق للحل. فشلت الأمم المتحدة وفشل المبعوثون الدوليون وكل من حاول بذل جهد للتوصل إلى حل

أيًّا كان السبب، لا جديد ولا غرابة، فتصريح بولص وتراجعه ينسجم مع ترامب ومزاجه المتقلب. الرجل ضمَّ كندا واحتل غرينلاند وأخذ بالقوة قناة بنما واشترى غزة وطرد أهلها وحوَّلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط، ثم تراجع عن كل هذا وهو جالس في مكانه. فرض رسوما جمركية أوشكت على نسف الاستقرار الاقتصادي العالمي ثم تراجع كما يتراجع شاب عن اتفاق لشرب قهوة مع زميله في كافتيريا العمل. أطرى على رئيس الوزراء الإسرائيلي وصوّر له الدنيا وردية في الموضوع الإيراني، ثم دعاه إلى البيت الأبيض ليصدمه أمام الصحافيين والعالم بقراره التفاوض مباشرة مع إيران. وقبله صدمه، وقطاعا واسعا من الإسرائيليين، عندما ترك مبعوثه لشؤون الرهائن آدم بولر يتفاوض مباشرة مع حماس، وعندما اشتد الضغط والاحتجاج تراجع وضحى بالمبعوث.
في موضوع الصحراء الغربية هناك أسباب أكثر وجاهة للاعتقاد أن النزاع لن يُحل على يد ترامب وفريقه. الأسباب؟ كثيرة ومتنوعة، منها شخصية ترامب النرجسية المعقدة، فالرجل لا يهتم بحل النزاعات حبا في السلام والاستقرار، بل لإرضاء غروره ومعايرة الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه ويدّعي النجاح حيث فشلوا هم. ربما يبحث عن جائزة نوبل للسلام ليفك عن نفسه عقدة باراك أوباما. الرجل حتما يبحث عن تخليد اسمه في التاريخ. ضف إلى ذلك جهله بموضوع الصحراء الغربية (أجزم أنه لا يعرف موقعها على الخارطة) وخلفياته وتعقيداته. لو كان الجهل وحده لا بأس، فالرؤساء الأمريكيون يثبتون دائما أنهم جاهلون، لكنهم يستمعون إلى مستشاريهم ووزرائهم، إلا ترامب يستمع لصوته فقط.
هذا على الصعيد الشخصي الذاتي، أما على الصعيد العام فالقضية لا تعني ترامب وأمريكا لأنها بعيدة (جغرافيا) عن إسرائيل، وحتى لو وقعت حرب في الصحراء الغربية وتمددت للجوار فلن تهدد الأمن القومي الإسرائيلي. كما أن النزاع، حُلَّ أم لم يُحل، لا يؤثر سلبا وبشكل مباشر على التوازنات الدولية وحركة التجارة العالمية واستقرار أسواق المال والنفط في العالم.
ولكيلا يقال إنكم لا ترون في الدنيا إلا السواد، دعونا نضع التشاؤم جانبا ونسبَّق حسن النية. لنفترض أن ترامب سيبذل جهدا ووقتا وطاقة لحل مشكلة الصحراء الغربية، فهل سيكون حلا يحقق مصلحة شعوب المنطقة؟ مرة أخرى يغلبني الميل نحو التشاؤم. أولاً لا نعرف مدى قرب بولص من مركز التأثير في البيت الأبيض، وما قيمة كلامه الأول وتراجعه بعد 48 ساعة. لكن نعرف أن ترامب لم يعيّنه في ذلك المنصب لكفاءته وإنما لأنه صهره (نجل بولص متزوج من إحدى بنات ترامب) لكن من دون مؤشرات على أنه سيكون جاريد كوشنير آخر.
والأهم ألا ننسى أن ترامب رجل غريب الأطوار لا يؤتمن جانبه. الرئيس الذي خذل حلفاء بلاده وهددهم بالقوة لن يُنصف المغرب أو البوليساريو. والرئيس الذي لم يحل قضية واحدة عالقة من القضايا التي تهم بلاده بالدرجة الأولى والعالم الغربي، لن يحل مشكلة الصحراء الغربية بشكل «يُرضي كل الأفرقاء». الخوف أنه إذا ألقى بثقله، يقوده جهله ونرجسيته ورفضه الاستماع إلا إلى صوته نحو حل يفاقم الأزمة ويُغرق المنطقة في الفوضى للخمسين سنة المقبلة.
إلى الذين أسعدهم تصريح بولص الأول، أقول: لا تحزنوا كثيرا. وإلى الذين أسعدهم تراجعه، أقول: لا تبتهجوا.
فقط تذكروا دائما: هذا ترامب وهذا فريقه.

كاتب وإعلامي من الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب