رداً على تغريدتي الآثم وابن الآثم.. إسرائيليون: “نعم لمبادرة ماكرون” وحل الدولتين

رداً على تغريدتي الآثم وابن الآثم.. إسرائيليون: “نعم لمبادرة ماكرون” وحل الدولتين
ديمتري شومسكي
عهد ما بعد الحقيقة الذي نعيش فيه الآن، هو بالأساس عهد ما بعد الأساسي. عهد يحكم فيه التافه المشهد، في حين أن الأساسي يزاح إلى الزاوية. هكذا، في الوقت الذي ينشغل فيه الجميع بتغريدتين مخجلتين ليئير نتنياهو (“اذهب إلى الجحيم”) وتغريدة نتنياهو (“ابني يائير صهيوني حقيقي”)، ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. بل ليس هناك تطرق في الخطاب إزاء الجزء المهم في المواجهة بين إسرائيل وفرنسا: موقف ماكرون السياسي من القضية الفلسطينية.
يمكن القول إن الأمر يتعلق ببشرى سياسية منعشة وتبعث على الأمل. ربما، كما كتب لي دبلوماسي إسرائيلي متقاعد، نقف أمام انعطافة حقيقية في سياسة أوروبا تجاه مسألة إسرائيل – فلسطين. لم يشرح إلام يستند في شعوره هذا، لكن تصريحات ماكرون أثارت نفس الشعور.
فكرة حل الدولتين طرحت في فترة حكم نتنياهو على الأكثر كتوصية دافئة ليس إلا، من خلال إظهار عدم رغبة في مواجهة سياسية مع إسرائيل. المثال البارز على ذلك هو مؤتمر السلام الدولي الذي عقد قبل ثماني سنوات في باريس بمبادرة ورعاية الرئيس الفرنسي في حينه فرانسوا هولاند، بهدف، كما قال، “التحذير من تهديد مستقبل حل الدولتين”. وفي هذا المؤتمر، تم التأكيد على أن فرنسا لا تفكر بفرض شروط على الطرفين، وأن المفاوضات المباشرة وحدها ما ستؤدي إلى حل الدولتين.
خلافاً لهولاند، يبدو أن ماكرون أكثر رزانة؛ فهو لا يخدع نفسه بأن حكومة نتنياهو ستوافق على إجراء محادثات سلام مع تقديم تنازلات جغرافية، حتى مع أكثر الفلسطينيين اعتدالاً. لذلك فإنه يعمل من جهة، على المضي بالتطبيع بين إسرائيل والسعودية مقابل إنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل من القطاع بشكل كامل، بدون تطرق صريح من قبل إسرائيل لحل الدولتين. لكن من جهة أخرى، وللسبب نفسه يأتي اعترافه برفض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية في أي إطار إلى جانبها، فتصريح ماكرون نيته المضي باعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية، قد يستدعي اعترافاً دولياً واسعاً. وهو إعلان لم يتراجع عنه ماكرون حتى بعد أن تحدث معه والد “الصهيوني الحقيقي” هاتفياً، وأكد رفضه لاستقلال الشعب الفلسطيني.
لا يعتبر ماكرون حل الدولتين هدفاً ضبابياً في المستقبل البعيد، الذي يعد تحقيقه مرهوناً برغبة إسرائيل، بل شعار لمعركة سياسية، معركة قد تتضح أنها ناجعة، بالتحديد بعد تحقيق التطبيع مع السعودية، وربما ستكون بمثابة شرك سياسي مغر تُستخدم فيه ضغوط على إسرائيل للموافقة على التوجه إلى مسار تقسيم البلاد، وضغوط أوروبية وضغوط الدول العربية المعتدلة وعلى رأسها السعودية. وأخيراً في مثل هذه المجموعة ربما حتى من ترامب، عندما لاحظ وجود فرصة من داخل دوافعه النرجسية، للوقوف على رأس عملية سياسية شاملة وواعدة نحو السلام في الشرق الأوسط.
جهات في وزارة الخارجية الإسرائيلية تشكك في خطة فرنسا السياسية، لكن لا يجب التقليل من أهمية خطوات ماكرون، خاصة مع الانتباه إلى مصدر تصميمه السياسي: فعندما أخلت الولايات المتحدة في عهد ترامب مكانها كمدافعة عن قيم الحرية للحضارة الغربية، يبدو أن فرنسا في عهد ماكرون تطمح إلى ملء هذا الفراغ. وهو ما يبينه وقوف ماكرون إلى جانب أوكرانيا أمام المحتل الروسي، وهكذا يتضح أيضاً فيما يتعلق بدعمه القاطع لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
وثمة نقطة أخرى مهمة، تعلمنا وجوب عدم الاستخفاف بجهود ماكرون السياسية، وهي تتعلق بحقيقة أن شبكة علاقات ماكرون مع الرئيس ترامب مستقرة وإيجابية رغم عدم الاتفاق المبدئي الصريح بينهما. يبدو أن ترامب يحترمه ويتعاطف معه، ويبدو أنه يرى فيه قناة سياسية حيوية في الساحة الغرب أوروبية في وقت مواجهته الصاخبة مع أوروبا.
ماكرون يثبت نفسه إذاً كسياسي يحسب خطواته، ورجل دولة ذكي. وليس مستبعداً أنه عندما يحين الوقت سيعرف كيف يجند، بصورة مفاجئة، الإدارة الأمريكية الحالية للمضي بحلمه حول المستقبل الإسرائيلي – الفلسطيني.
الإسرائيليون الذين يؤيدون حل الدولتين يمكنهم الإسهام في أن خطاب الدولتين لا يبدو مقطوعاً تماماً عن الرأي العام في إسرائيل. يجب تنظيم حملة توقيع مغطاة إعلامياً لمواطني إسرائيل على عريضة دعم لحلم ماكرون السياسي، مثلما عرضه في تغريدته التي كانت هدفاً لشتيمة “الآثم ابن الآثم من ميامي”. يجب بناء حملة حسب نموذج الحملة المدنية الناجحة التي أغرقت البلاد مؤخراً عندما قامت 40 مجموعة – رجال أمن، رجال أكاديميا، أطباء، معلمون، آباء طلاب في المدارس والجامعات وأمهات وغيرهم – بالانضمام إلى المطالبة بتحرير المخطوفين حتى بثمن إنهاء الحرب.
نص العريضة (بعنوان محتمل “نعم لمبادرة ماكرون”) يجب صياغته بالعبرية بما يشبه تغريدة ماكرون، التي لا يوجد أكثر شدة ووضوحاً منها، “نعم للسلام، نعم لأمن إسرائيل، نعم لدولة فلسطينية بدون حماس”. نداء كهذا سيعطي شرعية جديدة للتحركات المباركة للرئيس الفرنسي، وقد يدفع الرياح الإسرائيلية في أشرعة سفينة السلام.
هآرتس 22/4/2025