جنود قتلى وجمهور غاضب وحكومة تمارس الكذب: هل يرسم ترامب حدود الحرب في غزة؟

جنود قتلى وجمهور غاضب وحكومة تمارس الكذب: هل يرسم ترامب حدود الحرب في غزة؟
عاموس هرئيل
الحرب في قطاع غزة عادت إلى حياة الإسرائيليين. حدث هذا بالطريقة العادية – يُصابون. عملياً، تجددت الحرب هناك قبل أكثر من شهر، في 18 آذار، بعد شهرين على وقف إطلاق النار. وعاد سلاح الجو للقصف في كل أرجاء القطاع وبحجم كثيف، ثم بدأ بدخول بري محدود إلى المناطق المأهولة. حسب وزارة الصحة الفلسطينية التي تسيطر عليها حماس، قتل في هذه العمليات 2000 فلسطيني تقريباً، أكثر من نصفهم من المدنيين، لكن هذه الحرب لم تحصل على اهتمام هنا، لأنها لم تقترن باحتكاك عسكري حقيقي أو بمصابين إسرائيليين.
اختارت حماس في معظم الحالات تجنب المواجهة. ففي رفح، حيث اخترق الجيش الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية بعمق نسبي، أخلت حماس معظم المسلحين ونقلتهم إلى مناطق اللجوء الإنساني في المواصي لتقليل الخسائر. السياسيون والجنرالات الإسرائيليون أكثروا من الحديث عن الضغط العسكري الذي قد يغير المعادلة ويجبر حماس على التراجع، بصورة تمكن من تحرير مخطوفين آخرين. عملياً، لم يحدث هذا الآن. الغزيون يعانون من استئناف الحرب، وقلقون من نقص الغذاء، ويخشون المزيد من المصابين. في هذه الأثناء، لم يؤثر هذا كثيراً على بقايا قيادة حماس، الذين يظهرون لامبالاة إزاء مصير سكان القطاع.
في الفترة الأخيرة تغير شيء ما، لكن ليس إلى الأفضل؛ خلال أسبوع، منذ السبت الماضي حتى أمس، قتل في القطاع أربعة جنود إسرائيليين للمرة الأولى منذ استئناف المعارك
في الفترة الأخيرة تغير شيء ما، لكن ليس إلى الأفضل؛ خلال أسبوع، منذ السبت الماضي حتى أمس، قتل في القطاع أربعة جنود إسرائيليين للمرة الأولى منذ استئناف المعارك، وأصيب أكثر من عشرة جنود. أول أمس، جرت معركة قاسية جداً في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، قتل فيها ضابط مدرعات وجندي من وحدة حرس الحدود، وأصيب ثلاثة جنود. عدد من الجنود أصيبوا أثناء عملية إنقاذ معقدة لقوة تعرضت لتبادل إطلاق النار. رداً على ذلك، هاجم سلاح الجو والدبابات أهدافاً كثيرة شمالي القطاع. سكان بلدات الغلاف، وعلى بعد بضعة كيلومترات من القطاع، أبلغوا بأن بيوتهم اهتزت من شدة القصف. في حادث آخر في محور فيلادلفيا في رفح، أصيب أربعة جنود.
في المساء السابق، نشر في برنامج “عوفداه” في القناة 12 برنامج استعاد معركة مقاتلي غولاني في هذا الحي في كانون الأول 2023، التي قتل فيها تسعة جنود، من بينهم ضباط كبار. مرت سنة منذ ذلك الحين وأربعة أشهر. في الحي الذي دمر بالكامل تقريباً، تم استئناف منذ فترة نشاطات محمومة لحماس، وحدث كل ذلك على بعد كيلومتر من حدود إسرائيل.
سير هذه الأحداث لم يزعج وزير الدفاع يسرائيل كاتس في نشر مجموعة من الكليشيهات الفارغة مساء الجمعة – في الوقت الذي يعرف فيه الجيش عن القتيلين، وتنتشر الشائعات في أوساط المدنيين. وأكد كاتس في الكليشيهات أن الجنود يقاتلون بشجاعة، وأن الجيش الإسرائيلي يعمل بقوة، وأن الإنجازات كبيرة، لكن الأخطار ما زالت كبيرة. في هذه الأثناء، قالت مصادر سياسية وأمنية للمراسلين بأن الجيش سيوسع عملياته قريباً، وسيستعد للسيطرة على مناطق أخرى في القطاع.
لكن الجيش الإسرائيلي يمر في عملية استيقاظ من وراء الكواليس. هذا هو سبب انقضاض وزراء الكابنت، وعلى رأسهم سموتريتش، على رئيس الأركان إيال زمير، في الجلسة التي عقدت الثلاثاء الماضي. بدأ زمير يعد هؤلاء الوزراء للواقع رويداً رويداً: أي عملية عسكرية قوية ضد حماس ستحتاج إلى قوات كثيرة ووقت طويل جداً. لا ثقة في أن تكون نتيجتها استسلاماً فلسطينياً، أو يتم في نهايتها تحرير جميع المخطوفين الأحياء وهم على قيد الحياة. الجيش الإسرائيلي يقف أمام صعوبات متزايدة في تجنيد رجال من الاحتياط، إزاء عبء الخدمة المتراكمة (حيث في الخلفية أيضاً الغضب على تهرب الحريديم بدعم من الحكومة).
إضافة إلى ذلك، لن تستطيع إسرائيل تجويع الغزيين إلى الأبد. فكلما تفاقم الوضع الإنساني في القطاع، يزداد عليها الضغط الدولي لاستئناف قوافل المساعدات. والجيش الإسرائيلي غير معني بتولي إدارة توزيع المساعدات بنفسه بدلاً من المنظمات الدولية وحماس، لسببين: هذه نشاطات تحتاج إلى وجود كبير للقوات طوال الوقت، ما سيكلف المزيد من المصابين.
كل هذه الأمور يعرفها نتنياهو، وربما عدد من الوزراء، هي ببساطة لا تتساوق مع الأيديولوجية التي تطمح لها كتلة اليمين المتطرف في الائتلاف، التي تريد فرض احتلال عسكري طويل، وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من القطاع، وإعادة بناء المستوطنات. بخصوص نتنياهو، فإن إطالة الحرب تخدم جهوده للبقاء السياسي، وتخلق حالة طوارئ دائمة، تصعّب على الاحتجاج والمعارضة قيادة خطوات ناجعة ضده.
وفي الفترة الأخيرة، طرح بديل الذي يطرح في المحادثات بين حماس ودول الوساطة، مصر وقطر، وهو وقف بعيد المدى لإطلاق النار، يشمل تحرير جميع المخطوفين مقابل تحرير كبير لسجناء فلسطينيين في إسرائيل. ولكنها خطوة ستقتضي إنهاء طموحات بعيدة المدى، على أمل أن تخرق حماس الاتفاق بعد ذلك، ثم تعود لاستئناف القتال وإسقاط حكمها في القطاع. من الواضح ماذا سيختار نتنياهو وسموتريتش وشركاؤهما إذا ما خيروا بين استمرار الحرب وإنقاذ المخطوفين. ما دام الأمر متعلقاً بهما فسيستمر القتال. وإذا لم يتم تحقيق الإنجازات الموعودة، فسيكون بالإمكان العودة واتهام الجيش.
الشخص الوحيد الذي يمكنه تغيير الصورة بشكل جوهري هو الرئيس الأمريكي ترامب. في الأسابيع الأخيرة، يقلل ترامب من تصريحاته حول ما يحدث في القطاع. يهتم ببؤر أخرى، على رأسها حرب الجمارك، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، والاتفاق النووي الجديد الآخذ في التبلور بين الولايات المتحدة وإيران.
أول أمس، في تطرق نادر نسبياً لغزة، قال ترامب إنه دفع نتنياهو إلى نقل المزيد من الغذاء والدواء إلى القطاع. أحياناً يقول الرئيس أموراً حتى بدون سبب واضح للعيان يقف خلفها، لكن ربما هناك محاولة لرسم حدود المعركة لإسرائيل. على أي حال، للجهود الحربية الحالية في القطاع خط نهاية محتمل – زيارة ترامب للسعودية والإمارات وقطر في منتصف الشهر القادم. بقدر ما يمكن تقدير ترامب غير المتوقع، فثمة تقدير بأنه -طبقاً لطلبات مستضيفيه- سيطلب توضيحات من نتنياهو: ما الذي تريد إسرائيل تحقيقه في القطاع وإلى متى؟
هآرتس 27/4/2025