الصحافه

فايننشال تايمز: مئة يوم من الفوضى.. والمعركة الحقيقية على مصير الجمهورية الأمريكية بدأت

فايننشال تايمز: مئة يوم من الفوضى.. والمعركة الحقيقية على مصير الجمهورية الأمريكية بدأت

إبراهيم درويش

 نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” افتتاحية قالت فيها إن أول مئة يوم من إدارة دونالد ترامب اتسمت بالفوضى، ورأت أن المعركة الحقيقية لإنقاذ الجمهورية الأمريكية قد تكون بدأت.
وقالت إن مستشار الرئيس في ولايته الأولى، ستيفن بانون، صمّم إستراتيجية تقوم على “إغراق المجال”، وهي إستراتيجية تولِّد غبشًا من الأخبار لا يمكن للإعلام متابعته. وقد عزّزَ ترامب هذه الإستراتيجية في ولايته الثانية لتصبح علامة على حكمه.

وقد فاق فيضان الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب في أول 100 يوم، وبفارق بسيط، تلك التي أصدرها الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت في ولايته الأولى، لكن الأخير ورث أزمة اقتصادية حادة، وكان عليه التعامل مع تداعيات الكساد العظيم الذي أصاب أمريكا والعالم. ولهذا كان عليه أن يبدأ حملة إصلاحات لتغيير أمريكا للأحسن.

في النهاية، يغلب القائد غرائزه بدلًا من الاستماع إلى النصائح. والنتيجة هي أن الاستجابات السياسية غالبًا ما تكون مفرطة أو مشوهة أو متسرعة أو سيئة لدرجة أنها تؤدي إلى نتائج عكسية أو فاشلة

وبالمقابل، ورث ترامب أقوى اقتصاد في العالم، والذي لم يمر على أمريكا من وقت طويل. ففي محاولته لإعادة تشكيل أمريكا على صورته، خلق أزمات تهدد الجمهورية الأمريكية ومكانتها في العالم وعلى المدى البعيد.

وبتبنّي ترامب إستراتيجية “إغراق المجال”، أصبح من الصعب على المحاكم والمعارضة، وحتى أنصاره، متابعة ما يصدر عنه وعن إدارته من قرارات تنفيذية.
ومع أن أوامر قضائية علّقت بعض هذه القرارات، إلا أن بعضها حدث بسرعة لدرجة أنه من الصعب التراجع عنها. فقد تم تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وطُرد آلاف من الموظفين الفيدراليين، وأصبحت ملايين الدولارات لدعم الأبحاث العلمية في خطر.

ويرى الكثيرون من أعضاء حركة ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) في هذا التعطيل دليلًا على أن رئيسهم يُحدث بقراراته تغييرًا حقيقيًا.
وفي الواقع، ورغم أنه لا يقدم أي رؤى ثاقبة، إلا أن ترامب يتمتع بموهبة التعبير عن المخاوف التي تهم شريحةً كبيرة من الأمريكيين مثل: عكس مسار تفريغ المجتمعات، والحد من التضخم البيروقراطي، ومحاربة حركة “اليقظة” المفرطة.
وتنطوي مواقفه أحيانًا على أكثر من جوهر الحقيقة: فقد دفعت أوروبا، لفترة طويلة جدًا، أقل مما ينبغي للدفاع عن نفسها.

ومع أن فريق ترامب متحد في حماسته الثورية للتغيير، إلا أنه يفتقر إلى خطة واحدة متماسكة، ويتألف أحيانًا من معسكرات متناحرة.
وفي النهاية، يغلب القائد غرائزه بدلًا من الاستماع إلى النصائح. والنتيجة هي أن الاستجابات السياسية غالبًا ما تكون مفرطة أو مشوهة أو متسرعة أو سيئة لدرجة أنها تؤدي إلى نتائج عكسية أو فاشلة.

مثلًا، لا يتحقق إعادة ضبط التجارة مع الصين من خلال حرب جمركية متعددة الأطراف تهدد بصدمات شديدة للنمو العالمي.
كما لن تستثمر الشركات في خلق فرص عمل في أمريكا دون استقرار وقابلية للتنبؤ.
كما أن تأمين السلام الدائم في أوكرانيا لا يمكن أن يتم من خلال تحقيق ما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأشارت الصحيفة إلى ظهور بعض الكوابح على تصرفات الرئيس، خاصة عندما ردت الأسواق والأسهم على قراراته.
فمع انخفاض أسعار الأسهم، وعلى غير العادة، سندات الخزانة الأمريكية بشكل متزامن، أوقف ترامب لمدة 90 يومًا فرض رسوم جمركية “متبادلة” على دول أخرى غير الصين.
وقد دفعه المزيد من اضطراب الأسواق، الأسبوع الماضي، إلى كبح هجماته على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، والإشارة إلى احتمال تخفيف موقفه التجاري تجاه الصين.

أما العامل الآخر، فهو المحاكم وبعض المؤسسات الرئيسية للديمقراطية الأمريكية.
فقد بدأت جامعة هارفارد ومؤسسات أخرى بالتضافر لمواجهة محاولة البيت الأبيض “المكارثية” للسيطرة على التعليم العالي.

يكمن الخطر في أنه إذا لاحظ ترامب تراجع شعبيته، فقد يحاول مضاعفة جهوده واتباع مسار أكثر استبدادية

وبدأت المحاكم العليا تصدر أحكامًا ضد الرئيس، حيث قضت المحكمة العليا الأمريكية بالإجماع بأن على الإدارة تسهيل إطلاق سراح كيلمار أبريغو غارسيا، الذي رُحّل ظلمًا إلى سجن في السلفادور.
ويقول البيت الأبيض إنه لا يستطيع استعادته، لكن المحاولات المتكررة لتحدي المحاكم قد تثير ردود فعل شعبية أوسع.

أما الكابح الأخير على تصرفات ترامب فهو الناخب الأمريكي وأنصار الرئيس.
فقد كشفت الاستطلاعات أن شعبية ترامب في تراجع مستمر وسط قلق الناخبين على أوضاعهم المعيشية وخططهم التقاعدية، واستمرار مظاهر انعدام القانون، كما في قضية أبريغو غارسيا.
وعلينا الملاحظة هنا أن شعبية الحزبين الرئيسيين في الكونغرس تراجعت بشكل يدعو إلى الشفقة.
ويشير أحدث استطلاعات الرأي إلى مكاسب للديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026.

ويكمن الخطر في أنه إذا لاحظ ترامب تراجع شعبيته، فقد يحاول مضاعفة جهوده واتباع مسار أكثر استبدادية.
ومع تجاوز ترامب الثاني لمئة يوم، قد تكون المعركة الحقيقية من أجل الديمقراطية الأمريكية قد بدأت للتو.

– “القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب