“هل ينبغي القلق من الحشد العسكري الروسي؟”

تقرير: “هل ينبغي القلق من الحشد العسكري الروسي؟”
وكالات
زيلينسكي: “انظروا إلى بيلاروس، هذا الصيف، روسيا تُعد لشيء هناك وتخفيه تحت غطاء مناورات عسكرية. هكذا تبدأ هجماتها الجديدة عادة. ولكن أين ستكون الضربة هذه المرة؟ أوكرانيا أم ليتوانيا أم بولندا؟”
“يشهد العالم في الفترة الأخيرة تصاعدًا في التوترات الجيوسياسية، لاسيما مع الحشد العسكري الروسي المتزايد في مناطق حساسة قرب حدود دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهذا التصعيد يثير قلقًا متزايدًا لدى المجتمع الدولي”، يقول تقرير لوكالة “الأسوشيتدبرس، ويضيف أنه “يطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لموسكو، وإلى أي مدى يمكن أن يشكل هذا التحرك تهديدًا للأمن والاستقرار في أوروبا والعالم”.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
في تقرير لوكالة “ناشونال إنتريست”، أشارت إليه “أ.ب”، اليوم السبت، يقول الكاتب والمحلل الأميركي، بيتر سوتشو، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، إن “التعزيزات العسكرية الروسية في بيلاروس وعلى مقربة من حدود حلف الناتو تثير المخاوف من عدوان محتمل في المستقبل. وبينما تعمد دول الناتو إلى زيادة إنفاقها الدفاعي وتعزيز جاهزيتها، تتصاعد حدة التوتر في الأجواء”.
يشار إلى أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، حذر، الجمعة، من أن روسيا تُعد “لأمر ما”، مشيرًا إلى أن الكرملين يقوم بحشد قواته في بيلاروس تمهيدًا لمناورات “زاباد 2025” المشتركة مع جارتها وحليفتها الوثيقة.
وقال زيلينسكي في كلمة له: “انظروا إلى بيلاروس، هذا الصيف، روسيا تُعد لشيء هناك وتخفيه تحت غطاء مناورات عسكرية. هكذا تبدأ هجماتها الجديدة عادة. ولكن أين ستكون الضربة هذه المرة؟ أوكرانيا أم ليتوانيا أم بولندا؟ لا سمح الله! لكن يجب أن نكون جميعًا مستعدين. جميع مؤسساتنا منفتحة على التعاون”.
تقرير “ناشونال إنتريست” يلفت هنا إلى أنه “موسكو ومينسك قد أعلنتا عن هذه المناورات واسعة النطاق، لكنها لن تبدأ قبل شهر أيلول/ سبتمبر، ومن الصعب تصديق أن الاستعداد لها سيستغرق أكثر من أربعة أشهر ونصف”، وتتابع: “وكما يقول المثل ‘مجرد أنك تشعر بالارتياب، لا يعني أن أحدا لا يتربص بك بالفعل’.
كما أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأن موسكو “تسعى إلى زيادة إجمالي عدد قواتها بنسبة تقارب 30% ليصل إلى 5ر1 مليون جندي. ومع ذلك، تشير تقارير حديثة إلى أن عدد الخسائر البشرية في الحرب المستمرة في أوكرانيا يقترب بسرعة من عتبة المليون. وهناك تكهنات بأن الترسانة العسكرية الروسية، التي كانت تعد ضخمة في السابق، قد استُنزفت بشكل كبير، وقد يستغرق تجديدها جيلاً كاملاً”، بحسب التقرير.
“لكن الكرملين لا يعتزم الانتظار كل هذا الوقت”، يتابع، “إذ رفعت موسكو إنفاقها الدفاعي إلى أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 6ر3% قبل أن تشن غزوها غير المبرر لأوكرانيا قبل أكثر من ثلاث سنوات. وزاد المجمع الصناعي العسكري الروسي من وتيرة الإنتاج، ووسّع خطوط التصنيع، بل وافتتح منشآت جديدة”.
ويضيف المحلل الأميركي، سوتشو، أن “الحشد العسكري الروسي لا يقتصر على بيلاروس ، بل إن موسكو تعمل أيضًا على توسيع وجودها العسكري على الحدود مع فنلندا، العضو في حلف الناتو. واستمر هذا التوسع لعدة أشهر، إلا أن وتيرته تسارعت بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة، لاسيما في منطقة القيادة العسكرية في لينينعراد على حدود إستونيا ولاتفيا وفنلندا”.
وبالإضافة إلى نشر القوات في المنطقة، أفادت تقارير بأن روسيا بدأت في بناء مساكن عسكرية ومد خطوط سكك حديدية جديدة بالقرب من الحدود مع فنلندا والنرويج.
وفي هذا السياق، ينقل تقرير “أ.ب” عن الميجور يوها كوكولا، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني الفنلندية، إشارته إلى أن “رؤية بناء محطات سكك حديدية جديدة أو تجديد القديمة منها يجب أن تدفعنا إلى الانتباه جيدًا”.
بالإضافة إلى ذلك، ارتفع إنتاج روسيا من الدبابات من 40 دبابة فقط من طراز (تي 90) في عام 2021 إلى أكثر من 300 دبابة سنويا. وعلى الرغم من أن الخسائر لا تزال تفوق معدلات الإنتاج بكثير، إلا أن ما يثير القلق بشكل أكبر هو أن المركبات الأقدم، بما في ذلك دبابات (تي 26)، بل وحتى الطرازات الأقدم مثل تي 45/تي 55 ، يتم إرسالها إلى أوكرانيا، في حين يُقال إن دبابات “تي-90 إم بروريف-3” الأحدث، وهي دبابات القتال الرئيسية المتطورة، باقية داخل روسيا.
وبحسب سوتشو، بدأ هذا التراكم في عدد الدبابات حتى قبل جولات محادثات السلام الحالية، ما يشير إلى أن موسكو قد تسعى ببساطة إلى فرض حالة جمود في أوكرانيا، بينما تستعد لاحتمال نشوب صراع في مكان آخر، على حد قوله.
واشار سوتشو إلى إن “فكرة حدوث صراع بين روسيا والناتو كانت تبدو مستبعدة قبل سنوات قليلة، إلا أن الديناميكيات تغيرت بشكل كبير، خصوصًا مع ما يظهر من تردد من جانب الإدارة الأميركية الحالية في الوفاء بالتزاماتها بموجب المعاهدات والدفاع عن أوروبا في حال اندلاع حرب”.
إلى ذلك، وفي تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الدنماركية في شباط/ فبراير الماضي، “تم التحذير من أن روسيا قد تكون مستعدة لشن هجوم واسع النطاق على دول البلطيق وبولندا في غضون خمس سنوات، إذا رأت أن الناتو ضعيف للغاية بحيث لا يستطيع الرد. وقد يشمل ذلك أنشطة شبه عسكرية في منطقة نارفا الحدودية شرق إستونيا، التي تضم عددًا كبيرًا من السكان من أصل روسي”.
ويتابع التقرير أن “هناك مخاوف من أن الكرملين قد يعيد استخدام الاستراتيجية ذاتها التي اعتمدها في ضم شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني عام 2014، وذلك عبر نشر قوات شبه عسكرية روسية تُعرف باسم “الرجال الخضر الصغار”.
“كارثة جيوسياسية”
كما يلفت المحلل إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، “لم يُخف نواياه في توسيع نطاق النفوذ الروسي. فمنذ عشرين عامًا في مثل هذا الشهر، وصف بوتين انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه “أضخم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”.
ويتساءل سوتشو: “هل ستكون الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بحرب نووية من أجل نارفا؟ وماذا عن بقية أعضاء الناتو؟ وإذا تم ضم نارفا، فهل ستكون بقية إستونيا الهدف التالي، ثم لاتفيا، تليها ليتوانيا؟ وبالنسبة لبوتين وآخرين في روسيا، فإن الأمر يتعلق باستعادة ما يُعتقد شرعيًا أنه أراض روسية”.
بدوره، يقول الباحث البارز في مؤسسة “كارنيجي للسلام الدولي”، مايكل كوفمان، لصحيفة “وول ستريت جورنال” إنه”إذا سألت عن مدى سرعة قدرة الجيش الروسي على تنفيذ عملية محدودة ضد دول البلطيق، فالإجابة قد تكون: قريبًا جدًا”.
وأضاف الميجور يوها كوكولا، بحسب تقرير “أ.ب”، “إذا نظرت إلى التاريخ العسكري الروسي، من بطرس الأكبر إلى اليوم، يمكنك أن تفهم لماذا يعتقدون أنهم يستحقون مقعدًا على الطاولة”. ويتابع: “لقد كانوا في باريس بعد هزيمة نابليون، وكانوا في برلين بعد هزيمة النازيين. لا أتفق معهم، لكنني أفهم لماذا يريدون تغيير البنية الأمنية في أوروبا، وهم يستخدمون قوتهم العسكرية لتحقيق ذلك”.
“ومع ذلك، فإن الضعف الذي تأمل موسكو في استغلاله قد لا يكون موجودًا أصلاً، وبدلاً من ذلك، من المرجح أن يؤدي الحشد العسكري الروسي إلى تعزيز التعاون الإقليمي وربما يقوي من عزيمة الناتو. فقد انخفض الإنفاق الدفاعي في دول الناتو بعد نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي”.
والأمر الذي يرثيه بوتين بشدة، وهو انهيار الاتحاد السوفيتي، يوضح التقرير، “يعني أن أوروبا بدأت تتخلى عن التسلح. غير أن سعي روسيا للحفاظ على مكانتها كقوة عظمى أدى إلى توسع الناتو شرقًا، لكن كإجراء دفاعي ضد موسكو، لا كتهديد لوجود روسيا”، على حد تعبيره.
وأسفر غزو الكرملين لأوكرانيا عن انضمام دولتين محايدتين تاريخيًا، هما فنلندا والسويد، إلى الناتو، وهو أمر لم يكن مطروحًا بجدية حتى خلال الحرب الباردة.
وفي شهر آذار/ مارس أعلنت بولندا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا مجتمعة عن نيتها الانسحاب من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، المعروفة باسم “اتفاقية أوتاوا”، مشيرة إلى أن “الوضع الأمني في منطقتنا قد تدهور بشكل جذري. فالتهديدات العسكرية للدول الأعضاء في الناتو المجاورة لروسيا وبيلاروس قد زادت بشكل كبير”.
وستعمل هذه الدول على زيادة إنتاج الألغام الأرضية، ومن المرجح أن تستخدم هذه الأسلحة الفتاكة على طول المناطق الحدودية التي تشهد تحصينات متزايدة.
كما أعلنت ألمانيا قبل شهر فقط عن نشر وحدة عسكرية في قاعدة أجنبية دائمة لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. فقد تم تفعيل اللواء المدرع الخامس والأربعين التابع للجيش الألماني، والذي يضم نحو خمسة آلاف جندي، رسميًا في الأول من نيسان/ أبريل، وسيتمركز في ليتوانيا خارج العاصمة فيلنيوس.
و”صحيح أن موسكو تعزز من قدراتها العسكرية، لكن الناتو يفعل الأمر ذاته. والسؤال المطروح الآن هو: هل هذا الحشد المتبادل مجرد استعراض للقوة؟ أم أنه تمهيد لحرب عالمية ثالثة”؟، يتساءل التقرير.