سوريا: إسرائيل تخرق الإجماع الدولي والإقليمي الهادف إلى استقرارها

سوريا: إسرائيل تخرق الإجماع الدولي والإقليمي الهادف إلى استقرارها
منهل باريش
الضغط العسكري وبدء حصار محافظة السويداء من عدة جهات، دفع شيوخ العقل والوجهاء وقادة الفصائل إلى الاجتماع والتوصل إلى خريطة طريق وورقة مبادئ تتألف من عدة نقاط.
في أول محاولة من نوعها عقب اجتماعه في البيت الأبيض مع الرئيس دونالد ترامب في 8 نيسان (ابريل)، يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اختبار رد فعل ترامب المتعلق بتحذيره حول النشاط في سوريا والصدام مع تركيا فيها.
وفي أقل من 24 ساعة، فجر يوم الجمعة وليله، قصفت إسرائيل محيط «قصر الشعب» الرئاسي غربي دمشق، في رسالة اعتبرها العدو الإسرائيلي تحذيرية إلى الرئيس السوري أحمد الشرع. وفي بيان مشترك أصدره نتنياهو مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس «شنت إسرائيل الليلة الماضية غارة جوية قرب القصر الرئاسي في دمشق». وأضاف «هذه رسالة واضحة بأننا لن نسمح للقوات السورية بالانتشار جنوب دمشق أو بتشكيل أي تهديد للدروز».
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أن «طائرات حربية أغارت على المنطقة المجاورة لقصر أحمد حسين الشرع في دمشق» من دون تحديد الهدف. ولم يصدر أي تعليق فوري من السلطات السورية.
ووجه وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الجمعة رسالة تحذير إلى الشرع عقب القصف عبر منصة أكس، جاء فيها «عندما يستيقظ الجولاني (الاسم السابق للشرع) صباحا ويرى نتائج هجوم سلاح الجو الإسرائيلي سيدرك تماما أن إسرائيل عازمة على منع إلحاق الأذى بالدروز في سوريا»، حسب تعبيره.
وأكد أن الهجوم الجوي في محيط القصر الرئاسي في دمشق الذي أشرف عليه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، «يُعدّ رسالة تحذير واضحة للنظام السوري».
وشدد على أن «حماية الدروز في ضواحي دمشق وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم بأنفسهم» هو مسؤولية الشرع.
منتصف ليل الجمعة/ السبت، شنت طائرات إسرائيلية قصفا على عدة مواقع في محافظات حماة ودمشق وريفها ودرعا، وغالب القصف تركز على كتائب وألوية الدفاع الجوي في جيش النظام السابق، وهي مواقع عسكرية تعرضت لعدة موجات من القصف المركز خلال الفترة الزمنية المترافقة مع بدء عملية ردع العدوان في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) وحتى ما بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024.
ومن المناطق المستهدفة، الفوج 175 في أزرع بدرعا، وفي دمشق ومحيطها قصفت المقاتلات الإسرائيلية مطار المزة العسكري، والفوج 41 في حرستا وكتيبة الإشارة ومساكن الإنشاءآت في برزة وهي المنطقة القريبة من البحوث العلمية نسبيا شمالي المدينة. وفي ريف حماة الغربي قصفت كتيبة الدفاع الجوي في بلدة شطحة بسهل الغاب، وبلغ عدد الغارات الجوية المتفرقة 18 غارة حسب ما رصدت «القدس العربي».
وفي أول تصريح للجيش الإسرائيلي فور انتهاء الهجوم، قال إن «المقاتلات الجوية شنت – قبل وقت قصير- غارات على موقع عسكري ومدافع مضادة للطائرات وبنية تحتية لصواريخ أرض-جو في سوريا» وتوعد بمواصلة العمل «كلما دعت الحاجة من أجل حماية مواطني دولة إسرائيل».
وفي حين رصدت مراصد عسكرية شبه حكومية دخول طائرة مروحية إسرائيلية على الأقل الأراضي السورية على محور وادي اليرموك الحدودي مع الأردن، وتوجهت باتجاه ريف درعا الشرقي، تشير مصادر «القدس العربي» المتقاطعة أن الطائرة العمودية لم يتم رصدها في مركز محافظ السويداء أو ريفها الشرقي. وترجح التقديرات الأمنية أن الطائرة في حال هبوطها فإنها دخلت لعملية جمع أدلة متعلقة بالهجوم الذي حصل ظهر الجمعة على إحدى المزارع القريبة غرب السويداء. حيث قصفت طائرة مسيرة المزرعة وأدى ذلك إلى مقتل أربعة شبان على الأقل.
ومن غير المستبعد أن تكون في مهمة إخلاء لخلايا أمنية مرتبطة بالجيش الإسرائيلي، وأنها أصبحت الطريق الوحيد الممكن للإخلاء بعد التوترات الأمنية الحاصلة في أرياف دمشق الجنوبية ومحافظة السويداء بين السلطات السورية من جهة وقادة الفصائل ووجهاء ومشايخ العقل لطائفة الموحدين الدروز من جهة أخرى.
في سياق منفصل، يعتبر قصف الجمعة هو الثاني من نوعه في غضون يومين، إثر إعلان تل أبيب التعهد بحماية الطائفة الدرزية في سوريا.
الهجوم والتجييش الطائفي وارتكاب الانتهاكات بدأ بهجوم فصائل توصف بانها منفلتة على حاجز جرمانا من الجهة الشمالية الشرقية المودية إلى غوطة دمشق، ما أدى إلى مقتل عنصر في الأمن العام وجرح آخرين، والجدير بالذكر أن القتيل ينتمي إلى أحد فصائل جرمانا المحلية المنضوية تحت لواء الأمن العام الحكومي.
وفي ردود الفعل الدولية، أدانت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس «أعمال العنف والخطابات التحريضية الأخيرة التي استهدفت أفراد الطائفة الدرزية في سوريا» واعتبرت في بيان الجمعة أن الأمر «يستحق الشجب وغير مقبول» وطالبت السلطات السورية المؤقتة «وقف الهجمات ومحاسبة مرتكبي أعمال العنف وضمان أمن جميع السوريين».
ودعت إلى «تشكيل حكومة تمثيلية مستقبلية تحمي وتدمج جميع الطوائف السورية، بما في ذلك الأقليات العرقية والدينية».
فقدان الثقة
وفي تطور لافت، أصدرت المرجعيات الدينية والاجتماعية في السويداء بيانات إدانة واستنكار على مستويات مختلفة، وفي بيان صدر عن الشيخ حكمت الهجري يوم الخميس طالب فيه بحماية دولية، مشيرا إلى أنها حق مشروع لشعب قضت عليه المجازر، وناشد المجتمع الدولي بكافة منظماته وهيئاته ومؤسساته «ألا يستمر هذا التجاهل وهذا التعتيم على كل ما يحصل لنا ولشعبنا».
ومن أكثر الشاعرين بخيبة من رد فعل السلطات في دمشق، كان الأمير حسن الأطرش أبو يحيى والشيخ سليمان عبد الباقي، فقد غاب الأخير عن المشهد منذ اقتحام قوات الأمن العام لمدينة صحنايا، حيث أصدر تصريحا مكتوبا عبر من خلاله عن حرصه على حرمة الدم وحفظ الكرامة.
عقب سيطرة قوات الأمن العام على أشرفية صحنايا، وقع رتل للفصائل الدرزية بكمين نصبته عشائر المنطقة أدى لمقتل قرابة 20 شخصا، جرى التمثيل بجثث بعضهم وحرقها حسب ما نشر مقاتلو العشائر أشرطة مصورة جرى تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، وبدأ حصار محافظة السويداء.
الضغط العسكري وبدء حصار محافظة السويداء من عدة جهات، دفع شيوخ العقل والوجهاء وقادة الفصائل إلى الاجتماع والتوصل إلى خريطة طريق وورقة مبادئ تتألف من عدة نقاط، شددوا من خلالها على «تفعيل دور وزارة الداخلية والضابطة العدلية في محافظة السويداء على ان يكونوا من أبناء المحافظة» و«تأمين طريق السويداء دمشق» وجعله مسؤولية الدولة إضافة إلى بسط الأمن والأمان على الأراضي السورية.
إدانات عربية
دانت جامعة الدول العربية والمملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الكويت ومصر والمملكة الأردنية واليمن، القصف الإسرائيلي واعتبرته تصعيدا خطيرا. ودان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش انتهاكات إسرائيل للسيادة السورية، وفق ما نقل المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك، الجمعة. وقال دوجاريك: «من الضروري أن تتوقف هذه الهجمات وأن تحترم إسرائيل سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها واستقلالها»، كما أعرب عن قلقه إزاء أعمال العنف ذات الطابع الطائفي.
من جهته، دان مجلس التعاون الخليجي الغارة الإسرائيلية على محيط القصر الرئاسي في دمشق، واعتبرها انتهاكا خطيرا يهدد أمن واستقرار المنطقة. الأمين العام جاسم البديوي أشار إلى أن هذا الفعل «يعكس سياسة إسرائيل في تأجيج الصراعات وتصعيد التوتر بالشرق الأوسط»، مؤكدًا رفض المجلس لهذه الانتهاكات التي تمس سيادة سوريا وأمن شعبها، وشدد على أن «استقرار سوريا ركيزة أساسية للأمن الإقليمي والدول».
من الواضح أن إسرائيل وبخلاف الإجماع الدولي والإقليمي الهادف إلى استقرار سوريا، تسعى إلى خلق واقع أمني مختلف، وهو الأمر الذي بدأ منذ لحظة سقوط النظام، حيث تدخلت بريا في سوريا وتجاوزت المنطقة منزوعة السلاح وأنشأت عدة نقاط تفتيش وتتحرك دوريات الجيش الإسرائيلي بشكل يومي داخل الحدود السورية، وتحاول تل أبيب الاستثمار بورقة الطائفة الدرزية من خلال العلاقة الدينية التي تربط مشايخ العقل بين سوريا ولبنان وإسرائيل.