بروقين.. بلدة فلسطينية تخوض معركة البقاء تحت نيران المستوطنين

بروقين.. بلدة فلسطينية تخوض معركة البقاء تحت نيران المستوطنين
قال رئيس بلدية سلفيت إن المرحلة الراهنة تفرض ضرورة تكثيف الجهود لتعزيز صمود الفلسطينيين في منازلهم وعلى ما تبقى من أراضيهم، في مختلف محافظات الضفة الغربية، التي تشهد مخططات تهجير وتطهير قسري شبيهة بما يتعرض له سكان قطاع غزة.
في قلب محافظة سلفيت الواقعة شمال غرب الضفة الغربية، تعيش بلدة بروقين ومعها عشرات البلدات الفلسطينية معركة يومية من أجل البقاء، في ظل تصاعد هستيري لهجمات عصابات المستوطنين المدججين بالسلاح، والمسندين من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ضمن مشهد يعيد إلى الأذهان نماذج الحصار والتنكيل التي يعاني منها الفلسطينيون في قطاع غزة، لكن هذه المرة في البر الفلسطيني المحاصر بالمستوطنات.
محافظة سلفيت، التي لا يتجاوز عدد سكانها 76 ألف نسمة موزعين على 23 تجمعا سكانيا، تشكّل حلقة وصل إستراتيجية بين الساحل الفلسطيني وغور الأردن، وتقع في صلب المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، إذ تعرف بـ”محافظة المستوطنات” بسبب الكثافة غير المسبوقة للمستوطنات المقامة على أراضيها، حيث تتداخل بشكل مباشر مع الوجود الفلسطيني، لدرجة بات فيها عدد المستوطنين يكاد يوازي عدد السكان الفلسطينيين، وهو ما دفع إسرائيل إلى اتباع سياسة أمنية واستيطانية مغايرة في هذه المنطقة.

وفق تقسيمات “اتفاقية أوسلو”، تقع 75% من أراضي سلفيت تحت تصنيف المنطقة “ج”، الخاضعة بالكامل لسيطرة الاحتلال، ما يجعلها عرضة لاستباحة متواصلة.
معركة الصمود.. “لن نرحل”
تعد بروقين مثالا صارخا لهذه السياسة، إذ تحولت البلدة منذ شهر أيار/ مايو الماضي إلى ساحة حرب مفتوحة، بعدما فرض عليها حصار محكم استمر 14 يوما، أُعلنت خلالها “منطقة عسكرية مغلقة”، منع خلالها السكان من الدخول أو الخروج حتى من منازلهم، ووجدوا أنفسهم رهينة لاعتداءات المستوطنين تحت حماية الجيش الإسرائيلي.
على الرغم من الجحيم اليومي، يرفض سكان بروقين الرضوخ لواقع الاحتلال أو الهجرة القسرية. يقترح السكان تشكيل فرق حراسة شعبية لحماية البيوت، ويواصلون تشبثهم بأرضهم.

وفي ظل ضعف الاستجابة الرسمية والمجتمع الدولي، تبقى هذه الإرادة الشعبية هي خط الدفاع الأول عن الوجود الفلسطيني في قلب المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.
ومع أن نيران الاحتلال ومستوطناته تحاصر بروقين، فإن كاميرا “عرب 48” وثقت ما هو أكبر من المعاناة، وثقت إفادات السكان، والإصرار، والغضب، والإيمان بأن البقاء مقاومة، وأن كل بيت محاصر في سلفيت هو جبهة صمود جديدة في وجه مخططات الإبادة والتهجير.
استيطان بالإكراه.. والبيوت تحولت إلى أقفاص حديدية
وسط هذا الحصار، أقيمت بؤرة استيطانية جديدة فوق أراضٍ بملكية خاصة، فيما توسعت مستوطنة “بروخين” على حساب مئات الدونمات، بالتوازي مع شق شارع استيطاني بطول 3 كيلومترات وإقامة جدار أمني بطول 2 كيلومتر أدى إلى سلخ 300 دونم من الأراضي الزراعية، دون إتاحة أي فرصة لأصحابها للاعتراض، في انتهاك صريح للقوانين الدولية.

ووثّق “عرب 48” معاناة عائلة السبعيني مهند محمد بركات، الذي تحولت منازل أولاده إلى أقفاص من الحديد والشبك، لحماية أحفاده الـ15 من هجمات المستوطنين المتكررة التي تتم ليلا، حيث لا تمر ليلة دون تهديد أو محاولة اقتحام.
يقول بركات إنه “بتنا نعيش معركة كرّ وفر، لا ننام، نناوب على الحراسة، نخشى أن نصحو على مجزرة”. حتى ألعاب الأطفال لم تسلم من النهب، بعد اقتحام المستوطنين للبيوت وسرقة الأثاث ونقله إلى البؤر الاستيطانية.
واقع غزة يعاد إنتاجه في بروقين
مدير عام بلدية بروقين، أمين صبرة، قال إن البلدة تعيش وضعا مأساويا وكارثيا، واصفا ما تتعرض له بروقين بأنه “نموذج مصغر لغزة”، بفارق أن الطائرات لم تقصف بعد.

وأضاف أن البلدة التي تبلغ مساحة نفوذها 12 ألف دونم، لم يتبقَ لأهلها سوى 4 آلاف دونم فقط يمكنهم الوصول إليها، بينما تحرم 300 عائلة من التواصل مع أراضيها أو البناء على ما تبقى لها، في ظل إصدار الاحتلال أكثر من 120 إخطار هدم شملت منازل ومساجد ومدارس.
ولم تقتصر المعاناة على المصادرة والهدم، بل امتدت إلى البيئة والصحة العامة، بسبب تدفق المياه العادمة من المناطق الصناعية للمستوطنات، ما أدى إلى تلوث التربة وانتشار أمراض خطيرة، من بينها أمراض السرطان، وسط صمت دولي مطبق.
شهادات موجعة.. “نكره الليل ونخشى على أولادنا”
يعيش مصطفى خاطر وعائلته معاناة متواصلة منذ شهر أيار/ مايو، بعدما أُقيمت بؤرة استيطانية جديدة فوق أرضه، ما دفعه إلى تشييد جدار من الصخور حول منزله في محاولة لحماية أسرته من اعتداءات المستوطنين.

تحوّلت حياة العائلة إلى كابوس يومي، وبات الأب يخشى على أطفاله الخمسة الذين يعانون من اضطرابات نفسية بسبب الخوف الدائم، حتى إنه لم يعد يشعر بالأمان عند مغادرته المنزل للعمل.
وأوضح خاطر أن عشرات العائلات التي تقطن قرب مستوطنة “بروخين”، المقامة أصلا على أراضيهم الخاصة، فقدت الشعور بالأمان، وتعيش في ظل خطر دائم من هجمات المستوطنين، التي تهدف إلى تهجير السكان قسرًا والاستيلاء على منازلهم. ومع ذلك، تؤكد العائلات تمسكها بالبقاء، وتقترح تشكيل فرق حراسة شعبية لحماية المنازل والتصدي للهجمات.
يقول خاطر إنه “بتنا نكره الليل. مع كل غروب، نعيش على وقع الخوف والكوابيس، ننتظر هجومًا في أي لحظة. لا ننام، ونتناوب على الحراسة. المستوطنون يهاجموننا ليلًا وفجرًا، مدججين بالسلاح وبرفقة جنود الاحتلال. منازلنا تحوّلت إلى أقفاص، كما لو أننا نعيش في حديقة حيوانات مسيّجة”.

أما ساجدة بركات، وهي أم لخمسة أطفال، فقد وصفت كيف اقتحم المستوطنون منزلها في غياب زوجها، ونهبوا الأثاث والألعاب.
تقول إن “أطفالي يعانون نفسيا، حتى اللعب خارج المنزل باتت مخاطرة. نخشى من تهديدات المستوطنين الصريحة بالقتل”.
ولفتت إلى أن اعتداءات المستوطنين والبيئة الإرهابية المحيطة أثرت بشكل كبير على سلوك أطفالها، الذين باتوا يعيشون تحت تهديد دائم وشعور مستمر بانعدام الأمان.
وناشدت الجهات المعنية دعم العائلات وتعزيز صمودها، في ظل تصاعد إرهاب المستوطنين وتهديداتهم العلنية بالقتل، مؤكدة أن البقاء في المنازل لم يعد آمنًا.
في المقابل، يشعر الثمانيني عبد الرحمن أبو فريد، الذي يحمل الجنسية الأميركية، بالخذلان من كل الجهات، خاصة من السفارة الأميركية التي لم تحرك ساكنا على الرغم من التبليغ المتكرر. صودرت 28 دونما من أرضه، بينما يعيش محاصرا ومعزولا وسط عصابات المستوطنين.

وعبر أبو فريد عن سخطه من أداء السلطة الفلسطينية وعجزها عن حماية السكان أو التدخل لردع الاعتداءات.
تغول المشروع الاستيطاني
حذر رئيس بلدية سلفيت، عبد الكريم زبيدة، من أن المحافظة، التي تضم 23 بلدة فلسطينية محاصرة بين 28 مستوطنة و7 بؤر استيطانية، تواجه خطر التهجير القسري.
وقال زبيدة إن توزيع السلاح على المستوطنين منحهم “رخصة قتل للفلسطينيين”، فقط لمجرد وجودهم في أراضيهم أو محاولتهم زراعتها.
وحذر من أن الهجمات المسلحة آخذة في التصاعد، في وقت تتزايد فيه صعوبة التنقل بين المحافظات وعلى الطرقات، نتيجة الحواجز التي يقيمها المستوطنون على مرأى ومسمع من قوات الاحتلال، التي لا تكتفي بغضّ الطرف، بل توفر لهم الحماية والدعم.

وأوضح أن إرهاب المستوطنين لا يقتصر على استهداف الإنسان الفلسطيني فقط، بل يمتد ليهدد وجوده بالكامل، عبر تغول المشروع الاستيطاني ومصادرة مساحات واسعة من الأراضي الخاصة، ومنع السكان من الوصول إليها أو استخدامها.
واستحضر، في هذا السياق، مثالا واضحا من بلدة سلفيت، إذ يحرم السكان من دخول نحو 8 آلاف دونم من أراضيهم الواقعة داخل مستوطنة “أريئيل”، منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، ما يجعلها هدفا مباشرا للأطماع الاستيطانية.
تصاعد ظاهرة هجرة الشباب
وأكد رئيس بلدية سلفيت أن المرحلة الراهنة تفرض ضرورة تكثيف الجهود لتعزيز صمود الفلسطينيين في منازلهم وعلى ما تبقى من أراضيهم، في مختلف محافظات الضفة الغربية، التي تشهد مخططات تهجير وتطهير قسري شبيهة بما يتعرض له سكان قطاع غزة.
وفي هذا الإطار، تعمل بلدية سلفيت، على الرغم من إمكانياتها المتواضعة، على دعم صمود الأهالي من خلال إطلاق مشاريع تنموية وزراعية وتوفير فرص عمل لتأمين لقمة العيش، خاصة مع ازدياد التحديات التي تواجه الشباب.

وحذر من تصاعد ظاهرة هجرة الشباب، نتيجة انسداد الأفق وانعدام فرص العمل والبناء والزواج في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين وتضييق الاحتلال على كافة مجالات الحياة.
وأكد زبيدة أن مواجهة هذا الخطر تتطلب مسؤولية وطنية جماعية عبر الاستثمار في مشاريع تنموية مستدامة، تعزز البقاء وترسخ الوجود الفلسطيني على أرضه، وتمنع تحول الشباب إلى لاجئين جدد في مناف بعيدة.







عرب 48