أين دروز لبنان من أحداث جرمانا وصحنايا والمخطط الإسرائيلي؟

أين دروز لبنان من أحداث جرمانا وصحنايا والمخطط الإسرائيلي؟
سعد الياس
تعبّر تحركات جنبلاط عن رغبة حقيقية لدى دروز لبنان في الحفاظ على النسيج الاجتماعي الواحد وعدم الانجرار وراء الدعوات إلى إقامة دويلة درزية لا في لبنان ولا في سوريا.
بيروت ـ استأثرت التطورات الأمنية في جرمانا وصحنايا السوريتين باهتمام القيادات الدرزية في لبنان وعلى رأسها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط الذي أجرى اتصالات واسعة محلية وعربية شملت مسؤولين سعوديين وإماراتيين وقطريين وأتراك لتطويق ذيول الأحداث التي تعرّض لها أبناء الطائفة الدرزية على خلفية تسجيل صوتي مفبرك يسيء إلى النبي محمد، واستكمل تحركه بزيارة خاطفة إلى دمشق للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع.
وينطلق الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في تحركه من مخاوف لديه من انسياق البعض لمشروع إسرائيلي، وكان واضحاً في كلامه أمام اجتماع المجلس المذهبي الدرزي الاستثنائي في عبيه من أن «ما يجري اليوم من خلال الشيخ موفق طريف وأتباع الشيخ طريف، يريدون توريط بني معروف في لبنان وسوريا في حرب لا تنتهي ضد المسلمين»، وقال «إذا كان أحد منكم يظن أن هذا المشروع الإسرائيلي مختلف عما أقول فهو واهم»، مضيفاً «تعلمون في هذا العجز العربي، سنُتهم بأننا جنود عند الجيش الإسرائيلي وتكون حرب بلا هوادة لا أول ولا آخر لها. والذي يظن أن إسرائيل تستطيع أن تخسر شيئا فهي لا تخسر، بل ستستخدم الدروز ولا تبالي». وأكد «أن حفظ الإخوان يكون بإسكات بعض الأصوات في الداخل التي بدأت تستنجد بإسرائيل»، متوقفاً عند زيارة المشايخ إلى مقام النبي شعيب قائلاً «أحترم مقام النبي شعيب، لكن لست موافقاً في هذه اللحظة على هذه الزيارات المتكررة».
وجاء موقف جنبلاط بعد تصريحات مثيرة للجدل أطلقها رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب منذ فترة وأعاد التأكيد عليها مجدداً، عندما حذّر رئيس الإدارة السورية أحمد الشرع من أنه «إذا اقترب من المناطق الدرزية وفعل كما حدث في الساحل السوري سيُقصَف هو وقيادته وهذا أمر محسوم»، في إشارة غير مباشرة إلى الطيارين الدروز في الجيش الإسرائيلي. فيما رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال أرسلان ندّد «بالهجمات البربرية» على أشرفية صحنايا من قبل من سمّاهم «التكفير الديني والسياسي الذي يشكل خطراً ليس فقط على سوريا ولبنان بل على السلام الدولي».
ومن المعروف أن هناك ترابطاً بين دروز لبنان وكل من دروز سوريا وفلسطين المحتلة، وقد حرّكت الأحداث في جرمانا وصحنايا مشاعر بعض أبناء الطائفة الدرزية في لبنان الذين أقدم بعضهم على التجمع احتجاجاً في عاليه، ثم على التعرض بشكل إفرادي لإمام مسجد الشبانية الشيخ حسين حمزة وعائلته. إلا أن هذا التعرض سرعان ما تم احتواؤه من قبل وجهاء الطائفة الدرزية الذين استنكروا الاعتداء ومن قبل الشيخ حمزة نفسه الذي أكد أن ما حصل هو «عمل فردي فتنوي لا يمثل طائفة الدروز الكريمة في لبنان»، داعياً «الأحباب الغيورين ألا ينجروا نحو الفتنة التي أريدت وخُطط لها»، ومشيراً إلى «أن الأمر صار بعهدة مرجعيتنا المصونة دار الفتوى ونحن نثق بإقامتها العدالة المحقة».
من هنا، تبرز أهمية التحرك الفوري الذي بادر إليه جنبلاط وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى لإطفاء نار الفتنة وعدم تمدد تداعياتها من سوريا إلى لبنان، وذلك من خلال إصدار بيانات عن نتيجة الاتصالات مع الدولة السورية وأطراف أخرى أثمرت اتفاقاً بين الإدارة السورية وأبناء جرمانا على ترتيبات سلمية تعالج الإشكالات الحاصلة وتنزع بذور الفتنة، وتأمل من جميع الأطراف المعنية الالتزام بالاتفاق بغية إعادة الهدوء والاستقرار إلى المنطقة.
وتم التأكيد من قبل المرجعيات الدرزية أنه لا يمكن لدرزي أن يسيء للنبي محمد، وأن الأحداث الدموية التي وقعت تسببت بها جماعات متطرفة ليست تحت سيطرة الحكومة السورية الجديدة، كما جرى التذكير بأن دروز لبنان عانوا ما عانوه من نظام آل الأسد إسوة بمكوّنات الشعب السوري، وبالتالي يؤمل من النظام الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع أن يحضن كل فئات الشعب السوري حفاظاً على وحدة سوريا وإقفال الباب أمام أي دعوات للانفصال والتقيّد بما أرساه سلطان باشا الأطرش من قيم وطنية.
وقد جرى التشديد على هذا التوجه في اجتماع دعا إليه شيخ العقل ونواب من الطائفة مع مجموعة من سفراء الدول العربية المؤثرة في الواقع السوري ومعهم السفير التركي، للدفع باتجاه اتخاذ الموقف المناسب، الذي يحقن الدماء ويوقف عمليات القتل والتنكيل، التي يتعرض لها المواطنون الآمنون في بيوتهم وقراهم بعد التسجيلات المفبركة، ولدعوة الحكومة السورية ودول القرار للتدخل الفوري ووقف التدهور الأمني والتجاوزات والارتكابات بحق الموحدين الدروز، التي حصلت وتحصل في القرى القريبة من دمشق وعلى مشارف السويداء، والخشية من انعكاسها على لبنان ومناطق أخرى، تنفيذاً لما تريده إسرائيل وما تخطط له منذ زمن.
وتعبّر كل هذه الاتصالات والتحركات عن رغبة حقيقية لدى دروز لبنان على اختلاف توجهاتهم في الحفاظ على النسيج الاجتماعي الواحد وعدم الانجرار وراء الدعوات إلى إقامة دويلة درزية لا في لبنان ولا في سوريا من خلال عمليات الإغراء ومزاعم الحماية من قبل تل أبيب. وتأتي زيارة وليد جنبلاط إلى دمشق مرة ثانية كمؤشر على رفض زج الدروز في صراعات مع أهل السنّة الذين لطالما كانوا في تحالف وتفاهم عبر عقود طويلة وفقاً للنائب مروان حمادة الذي قال «سنصبر ونصمد كما فعلنا في عصر الأسد، لكن الخطر ليس في قلب الطائفة الدرزية ولا في الرئيس أحمد الشرع بل في إسرائيل».
هذا وقد حض المجلس الأعلى للدفاع الذي انعقد برئاسة رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ومشاركة رئيس الحكومة نواف سلام والوزراء المختصين وقادة الوحدات العسكرية والأمنية التوجه الدرزي العام على ضبط أي ترددات للأحداث الأمنية في سوريا على مناخ الاستقرار الداخلي في لبنان من جهة وعلى أزمة النازحين السوريين من جهة أخرى.
«القدس العربي»: