الضمان الاجتماعي… حراك أسقط القانون وأضعف الدولة: أين هم اليوم؟

الضمان الاجتماعي… حراك أسقط القانون وأضعف الدولة: أين هم اليوم؟
بقلم رئيس التحرير
في خضم الأزمات المتلاحقة التي يعيشها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، يعود إلى الأذهان مشهد المظاهرات العارمة التي خرجت قبل سنوات ضد قانون الضمان الاجتماعي، والتي انتهت بإطاحة حكومة التوافق الوطني برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، وإلغاء مشروع كان من شأنه أن يضع أول حجر أساس لحماية الطبقات العاملة والفقيرة.
اليوم، بعد مرور أكثر من ست سنوات، تتكشف الحقائق، وتبرز أسئلة حادة: أين هم أولئك الذين حركوا الشارع ضد القانون بحجج “الخوف على أموال الناس”؟ وأين هي البدائل التي وعدوا بها؟ وهل كان الهدف حماية مصالح المواطنين أم تصفية حسابات سياسية وإفشال حكومة التوافق؟
حراك الضمان الاجتماعي: بين الاعتراض المشروع والتجييش الموجه
لا شك أن مخاوف الشارع آنذاك كانت حقيقية، فالمواطن الفلسطيني المنهك من الاحتلال والانقسام فقد الثقة بمؤسسات السلطة، وأصبح يتوجس من أي تشريع جديد قد يمس دخله المحدود. لكن ما حدث لاحقًا كشف أن الاعتراض على الضمان لم يكن فقط بدافع حماية حقوق الناس، بل كان هناك تيارات سياسية وأمنية واقتصادية استثمرت في الغضب الشعبي لإضعاف الحكومة وتعميق الانقسام.
رئيس الوزراء حينها، د. رامي الحمد الله، اختار تقديم استقالة حكومته للرئيس محمود عباس بدلاً من التراجع عن مشروع الضمان، حرصًا على عدم الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة مع الشارع الفلسطيني، لكنه دفع ثمنًا سياسيًا باهظًا، وترك فراغًا لم تستطع أي حكومة لاحقة ملأه.
اليوم: غياب الضمان وغياب “البدائل”
ما أشبه اليوم بالأمس، لكن الفرق أن المجتمع الفلسطيني أصبح أكثر هشاشة، وأكثر تعرضًا للأزمات الاقتصادية والاجتماعية:
في غزة، يعيش الناس على حافة الكارثة مع استمرار الحرب الإسرائيلية، وانعدام أي شبكة أمان اجتماعي تعوض آلاف الأسر التي فقدت بيوتها ومصادر دخلها.
في الضفة الغربية، تتوسع الفجوة بين السلطة والمواطنين، مع تزايد الضغوط المالية، وقرارات البنوك التي تخنق الفلسطينيين، وسياسات الاقتطاع الإسرائيلي من أموال المقاصة التي أفرغت الخزينة العامة.
أين هم من كانوا يهتفون “مش دافعين” ضد الضمان؟ وأين هي الحلول التي وعدوا بها؟ الواقع أن الحراك الذي أسقط القانون لم يقدم أي رؤية بديلة لحماية العمال والموظفين، ولم يمنع الانهيار الاقتصادي الذي يخيم على الأرض الفلسطينية اليوم.
الفاتورة الاجتماعية والسياسية
غياب الضمان الاجتماعي جعل المجتمع مكشوفًا أمام الأزمات، وترك الطبقات الضعيفة تحت رحمة تقلبات السوق والقرارات السياسية، فيما ساهم في تآكل الثقة بين الشارع والسلطة. لم يعد المواطن يرى أي جهة رسمية تحميه، لا من الاحتلال، ولا من الفقر، ولا من قرارات اقتصادية مجحفة.
والنتيجة أن الهوة تتسع اليوم أكثر من أي وقت مضى، والحكومة الفلسطينية تواجه تحديًا وجوديًا في استعادة ثقة مواطنيها، بينما المجتمع الدولي يواصل فرض اشتراطاته المانحة بعيدًا عن أولويات الناس.
ونحن نقارن بين الماضي والحاضر… هل نتعلم؟
إن تجربة قانون الضمان الاجتماعي يجب أن تكون درسًا بليغًا للقيادة الفلسطينية وللشارع معًا. لقد أدى قصر النظر السياسي حينها، والتجييش ضد حكومة التوافق، إلى إضعاف الدولة والمجتمع على حد سواء، وأسهم في وصولنا إلى حالة العجز الراهنة.
اليوم، لا يمكن إنقاذ الوضع إلا عبر رؤية وطنية متكاملة لإعادة بناء الثقة، وإحياء منظومة حماية اجتماعية واقتصادية شاملة، بعيدًا عن المزايدات والتجاذبات السياسية التي دمرت كل مشروع إصلاحي سابق.
ربما كان “الضمان الاجتماعي” فرصة ضائعة، لكن الأسوأ أن نواصل دفع الثمن دون أن نفتح حوارًا جديًا عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين.