“حان زمن الزامير”.. لنتنياهو: النصر لا يقاس بعدد الضحايا في حرب العصابات

“حان زمن الزامير”.. لنتنياهو: النصر لا يقاس بعدد الضحايا في حرب العصابات
جورج كلمينصو كان من عظماء السياسيين الذين شهدتهم فرنسا، حظي بتمجيد التاريخ اليهودي والصهيوني بسبب تجنده إلى الجانب الصحيح والمحق، في قضية دريفوس. أحد أقواله التي تحفظ عن ظهر قلب، كان حول مكانة قادة الجيش “الحرب أهم من أن تُبقى للجنرالات”. كل حرب علمتنا بطريقتها أنه محق: واضح أن الحرب أهم من أن تبقى للجنرالات. السؤال: لمن تبقى؟
قبل لحظة من دخول الجيش الإسرائيلي مجدداً إلى معركة متعددة الفرق ومتدحرجة في غزة، بات مطلوباً فحص قوله مرة أخرى. تختلف هذه الحرب عن غيرها في كثير من المعاني: فهي تدار حيال عدو ضعيف ومضروب ويرفض الاستسلام، وتحت سحابة سميكة من التخلي عن المخطوفين، وفي ظل مس شديد بالسكان المدنيين، ومعارضة متصاعدة في مؤسسات دولية، ومن جهة أخرى إدارة أمريكية تسمح لإسرائيل بالعمل في غزة كما يروق لها، والأساس، أن الإسرائيليين فقدوا الثقة؛ فالكابنيت لا يثق بقيادة الجيش، وقيادة الجيش لا تثق بالكابنيت، ورجال الاحتياط لا يثقون بإدارة الحرب وبتواصلها، والشارع شكاك ومنقسم. يراجع الناس أسماء أعضاء الكابنيت الذين يشرفون على احتلال غزة: سموتريتش بوقاحته، لفين بثأره، بن غفير بجريمته، كاتي بصرخاته، روك بحماستها، ريغف بتملكها، ديرمر بتبطله، وكلهم معاً بانقطاعهم عن الواقع. معظمهم لم يخدموا في الجيش أو أنهم تملصوا من الخدمة. لكنها ليست الصعوبة؛ فدافيد ليفي وآريه درعي، الوزيران اللذان لم يتباهيا بخدمة عسكرية، ساهما مساهمة مبهرة بقرارات مصيرية في مواضيع الأمن. أما الكابنت الحالي فيعيش في فيلم آخر: كل عضو كابنت ومصالحه الشخصية، ونتنياهو نموذج قدوة للجميع.
هل هناك رجال احتياط مستعدون لإيداع حياتهم بأيدي هؤلاء الوزراء؟ هل هناك أهال يودعون لهم حياة أبنائهم؟ لو نهض كلمينصو من قبره اليوم لقال إن الحرب أهم من أن تبقى في أيدي هؤلاء السياسيين.
العيون تتطلع إلى رئيس الأركان، أيال زامير. هو نقي من إخفاقات 7 أكتوبر، وملتزم بقيم الجيش ومقاتليه. هو ليس متعلقاً بنتنياهو، ولا بكاتس، ولا بالقاعدة وبأبواقهم. بل جاء للعمل – وربما هذه هي المشكلة.
زار زامير أمس الوحدة البحرية 13. وقال “هذا الأسبوع نصدر عشرات آلاف الأوامر لرجال الاحتياط لنشدد ونوسع عمليتنا في غزة. نصعد الضغط بهدف إعادة أناسنا والقضاء على حماس. سندمر كل البنى التحتية من فوق وتحتها”.
ودرءاً للشك: أنا أمقت حماس وأريد إبادتها بقدر لا يقل عن رئيس الأركان. لكن بعد 19 شهراً من حرب لم يتحقق فيها هذان الهدفان، تعلمت أمرين: الأول أن الضغط العسكري لا يعيد مخطوفين، بل يقتلهم أحياناً؛ والثاني أن الأمر في حرب العصابات لا يحسم بعدد قتلى الطرف الآخر أو تدمير البنى التحتية. حرب العصابات تحسم ببناء بديل سلطوي. التشبيه الواجب هو بين لبنان وغزة. الضربة العسكرية التي تلقاها حزب الله كانت ذات مغزى، لكنها كانت أصغر بلا قياس من الضربة التي تلقتها حماس. في لبنان ترجمت الضربة العسكرية إلى تغيير سياسي. أما في غزة فحكومة إسرائيل أحبطت كل إمكانية.
تبث “نتفلكس” الآن مسلسلاً وثائقياً عن حرب فيتنام في الذكرى الخمسين لانتهائها. ليس في المسلسل ما هو جديد، لكنه يكشف أمام جيل جديد من المشاهدين ثقل المأساة، والفظاعة، والوحشية والعبث. شخصية الجنرال وستمورلند، قائد القوات الأمريكية في الحرب، تلعب فيه دوراً مركزياً. فقد كان وستمورلند مقتنعاً بأنه سيحسم الفيتكونغ: كل ما يحتاجه هو مزيد من الجنود.
كان النصر الفوري نصر شمال فيتنام: أمريكا هزمت وأهينت. النصر النهائي كان لأمريكا: الفيتناميون يخيطون اليوم بناطيل الجينز لمحلات الموضة في نيويورك.
غزة ليست فيتنام، ورمالها ليست غابة، وحماس ليست فيتكونغ، وإسرائيل ليست أمريكا. لكن التطلع إلى نصر مطلق في حرب عصابات كان وهماً هناك، وربما يكون وهماً هنا. الكابنيت الحالي، الذي لم يأخذ مسؤولية عن إخفاق 4 أكتوبر، لن يتحمل المسؤولية أيضاً عن الأثمان التي سيتطلبها احتلال غزة. الجيش سيتحمل المسؤولية: لعل هذا ما قصده نتنياهو حين قال “حان زمن الزامير”.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 5/5/2025